أشارت أحدث الدراسات إلى أن الطفرات الحالية للفيروس SARS-CoV-2، المعروف بالاسم كورونا المستجد، والتي انتشرت في جميع أنحاء العالم منذ بداية الجائحة، أصبحت معدية بنسبة تفوق السلالات الأصلية بنسبة تصل إلى 70 بالمئة. ولجأ فريق متعدّد التخصصات من العلماء في مستشفى كليفلاند كلينك وجامعة كيس ويسترن ريزيرف في الولاياتالمتحدة إلى تتبع فيروس كورونا المستجد عبر التسلسل الجيني أثناء تحوّر له شهدته منطقة شمال شرق أوهايو بين 11 مارس و22 إبريل من العام الماضي 2020. وأظهرت نتائج الدراسة البحثية التي نُشرت في مجلة "جاما نتورك أوبن" أن السلالات الأولية والفروع الحيوية من سلالات الفيروس (Clades)، التي شوهدت خلال تلك المدة الزمنية، قد ارتبطت بارتفاع معدل الوفيات، في حين ارتبطت الطفرات الأحدث من الفيروس بانخفاض الحالات التي تطلبت الدخول إلى المستشفيات وحالات الوفاة. وبالرغم من أن هذه النتائج توضّح ما توصّل إليه الباحثون في وقت سابق خلال الجائحة، فإن بإمكانها أن تكون أدلّة إرشادية تساعد في توجيه الدراسات المستقبلية نحو تحليل الكيفية التي تؤثر بها الطفرات الأحدث في المرضى، وذلك في ظلّ استمرار تطوّر الفيروس وتحوّره. وأجريت هذه الدراسة المشتركة بين المنشأتين الأمريكيتين المرموقتين بقيادة الدكتور فرانك إسبر طبيب أمراض الأطفال المعدية في مستشفى كليفلاند كلينك للأطفال. وضمّ فريق العمل في الدراسة خبراء في جينوم السرطان، وعلوم الحاسوب والبيانات، وعلم الأعصاب وعلم الأمراض. أما المؤلفان المشاركان في وضع الدراسة فهما الدكتور بريان روبين رئيس معهد روبرت جيه تومسيتش لعلم الأمراض والطب المخبري في كليفلاند كلينك، والدكتور جينغ لي الأستاذ في وقف ليونارد كيس الابن في قسم علوم الحاسوب والبيانات بجامعة كيس ويسترن ريزيرف. صور الدكتور فرانك إسبر وأجرى الدكتور إسبر وفريق الباحثين تحليلات على تسلسل الحمض النووي الريبي لبيانات 302 مريضًا مصابًا بفيروس كورونا المستجد خلال الموجة الأولى من الجائحة التي ضربت شمال شرق أوهايو، بُغية التمكّن من فهم الطريقة التي ساهمت بها الطفرات والمجموعات السابقة في التأثير بالنتائج السريرية للمرضى. وجمع الفريق العينات السريرية من سجل المرضى في مستشفى كليفلاند كلينك، والذي يتألف من مجموعة من البيانات الخاصة بنحو 50,000 مريض شُخّصت إصابتهم بالفيروس. واستطاع الدكتور إسبر وفريقه البحثي تحديد 488 طفرة فريدة مرتبطة بست سلالات فيروسية هي ووهان، وS، وL، وV، وG، وGH، وذلك من خلال الرجوع بتسلسل الحمض النووي الريبي الخاص بكل عيّنة إلى السلالة الأولية للفيروس المكتشف في مدينة ووهان الصينية. وكشفت النتائج عن أن سلالات الفيروس الأولى التي ضربت كليفلاند خلال الأسابيع الستة الأولى من الجائحة كانت قد ترسّخت وساهمت في ارتفاع حالات الوفاة بين المصابين. لكن في غضون الأسابيع التالية، استطاعت سلالاتٌ جديدة اتسمت بكونها أكثر قابلية للانتشار أن تتفوّق على سلالات الفيروس الأولى، مع أنها ارتبطت بانخفاض في حالات دخول المستشفى وارتفاع حالات الشفاء حتى بين المرضى التي استدعت حالتهم دخول المستشفى. وقال الدكتور روبن إن هذه الدراسة تقدّم وصفًا تفصيليًا لكيفية التطور والتنافس بين مختلف مجموعات فيروس كورونا المستجد في كليفلاند، معتبرًا أن ربط المجموعات الفيروسية بنتائج المرضى "مهم للغاية ويسلّط الضوء على أهمية تحليل تسلسل الجينوم الفيروسي لتعميق فهم الأمراض الجديدة". وكان أكبر تنوُّع في سلالات الفيروس قد حدث في الأسابيع الأولى، قبل وضع استراتيجيات خاصة بالتدابير المجتمعية الرامية للحدّ من انتشار الفيروس. ورجّح الخبراء أن تكون الاستجابة الحكومية المحلية والفيدرالية قد حالت دون استمرار وصول طفرات جديدة من خارج المجتمع، ما ساهم بالتالي في خفض معدل الوفيات. وأضاف الدكتور إسبر أن هذه النتائج تقدم "نظرة متعمقة" على الكيفية التي زادت بها معدّلات الإصابة بالفيروس كثيرًا مقارنة بمعدلات دخول المستشفى والوفيات مع استمرار انتشار الجائحة، لافتًا إلى أن البحث يساعد أيضًا في "التحقق من قدرة الطفرات الفيروسية على لعب دور مهم في التنبؤ بنتائج المرضى". من جانبه، قال الدكتور لي إن هذه الدراسة تؤكد أهمية مواصلة البحث في الطفرات الجينية للفيروس ما دامت الجائحة مستمرة، مشيرًا إلى أن الدراسة تؤكّد بوضوح من جهة أخرى ما وصفه ب "القيمة المنبثقة من التعاون العلمي من خلال فريق تفاعلي متكامل يتمتع بالعديد من نقاط القوة والخبرات المختلفة التي تجتمع ضمن رؤية مشتركة في مواجهة التحدّي". ويقول الخبراء، مع ذلك، إنهم لا يستطيعون أن يكونوا متأكدين من مستويات شدّة المرض أو معدلات الوفيات المتوقعة بسبب الطفرات الجديدة، لا سيما مع استمرار الفيروس في التحوّر بمرور الوقت، مؤكدين في المقابل أن التطعيم واسع نطاق يظلّ استراتيجية صحية مهمة لإبطاء انتشار الفيروس. ومن شأن التوسع في إعطاء اللقاحات أن يساعد في تقليل ظهور الطفرات القاتلة من الفيروس. ويظلّ من الواجب على الجميع الاستمرار في ارتداء الكمامات والحرص على التباعد الجسدي وغسل اليدين باستمرار وتجنب التجمعات، حتى تتحقق مناعة القطيع، التي يقدر الخبراء أن الوصول إليها يتطلّب تطعيم ما بين 70 و80 بالمئة من السكان. يُذكر أن 34 بالمئة فقط من الأمريكيين قد تلقوا جرعتي التطعيم، في حين تلقى 52 بالمئة جرعة واحدة على الأقلّ، وفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. هذا، ونالت الدراسة البحثية دعمًا ماليًا جزئيًا من المؤسسة الوطنية للعلوم ومعهد روبرت جيه تومسيتش لعلم الأمراض والطب المخبري في كليفلاند كلينك.