لم أتوقع في يوم من الأيام أن نكون قادرين على معالجة تضخم أعداد المعتمرين والمصلين في الحرم المكي الشريف بدون توسعته، حيث كانت معظم الخطط المستقبلية لمواجهة تضخم الأعداد هي التوسعات المتتالية في العهد السعودي التي صرف عليها البلايين من تكلفة تعويضات للتوسعات أو إنشاءات عمرانية لتوسعة الحرم الشريف وتوسعة المطاف والمسعى والمشاعر المقدسة. والحقيقة كانت معضلة تواجه القائمين على الحرمين الشريفين في استيعاب الأعداد الضخمة في شهر رمضان المبارك وشهر الحج وبقية شهور العمرة، ومع تزايد أعداد المسلمين وسكان المملكة تتضاعف الأعداد ويصعب على بعضهم أداء العمرة أو الحج، إلا أن البديل الأنجح والحل السليم والمنطقي كان هو تنظيم دخول الحرم المكي والمشاعر المقدسة للعمرة والحج، ولم يكن ذلك التنظيم مقبولًا من بعضهم اعتقادًا منهم أنه حق لهم في مزاولة حريتهم الدينية في أداء العمرة والصلاة في الحرم والاعتكاف فيه متى ما رغبوا دون النظر إلى مبدأ إعطاء الفرصة للآخرين الذين لم يؤدوا العمرة في حياتهم أو منذ زمن طويل. إلا أن الظرف الطارئ الذي يمر به العالم نتيجة جائحة كورونا دفع القيادة السعودية إلى ممارسة حقها في حماية المسلمين من الإصابة بكورونا ووضع خطط احترازية لحماية المسلمين الراغبين في أداء العمرة والصلاة في الحرمين الشريفين، وتم وضع الخطط المحكمة والفاعلة باستخدام التقنية الحديثة لحجز التوقيت المناسب باليوم والساعة لأداء العمرة والصلاة في الحرم الشريف، وقد يعتقد بعضهم أنه تدخل في حرية دينهم، وأنا أرد عليهم بأنه من لم يحرص على سلامة نفسه والآخرين من الإصابة بفيروس كورونا ليس له حرية في تصرفاته وعليه اتباع الأنظمة والقوانين المنظمة لدخول الحرم. نعم لقد نجحت المملكة نجاحًا متميزًا في تنظيم أداء العمرة والصلاة في الحرم الشريف، ويضاف إلى خطة تنظيم دخول الحرم هناك إجراءات عظيمة أنجزت لتنفيذ الخطة ومن أهم عناصر نجاحها أخلاقيات وسلوك القائمين على تنفيذ الخطة سواءٌ من رجال الأمن أو المرور أو المرشدين أو المسؤولين عن الموافقة لدخول الحرم إلكترونيًا وتنظيم الدخول على الأبواب فهم على خلق عظيم وسلوك رائع في التعامل مع المعتمرين من استقبال بخلق الإسلام وبشاشة وفرحة لقدوم المعتمرين. أما داخل الحرم فلرئاسة الحرمين الشريفين دور كبير في خدمة المعتمرين والمصلين وإرشادهم ومساعدتهم وتنويرهم بعلوم دينهم، والحقيقة كان في الماضي أداء العمرة في شهر رمضان المبارك يعد من أصعب وأخطر المهمات نظرًا للتزاحم الكبير والاختلاط الناقل للأمراض وبعض ضعاف النفوس الذين يتعدون على المصلين بالسرقة أو المتاجرة بالمواقع للصلاة وغيرها من السلوكيات غير اللائقة، إلا أن اليوم أصبح أداء العمرة لا يتجاوز الساعة مع الروحانيات الكبيرة والنظر إلى الكعبة والصلاة والدعاء حولها. إن زيارة الحرم هي للصلاة وأداء العمرة ثم الخروج لإتاحة الفرصة للمسلمين الآخرين، وليس للنوم أو الافتراش فيه وحرمان المسلمين الآخرين من الدخول للحرم والصلاة فيه. إنجاز رائع لحكومة المملكة العربية السعودية وتنظيم عظيم أتمنى أن يستمر حتى بعد أن يمنّ الله علينا بذهاب الجائحة، وأجزم أنه لو استمر التنظيم الإلكتروني لدخول الحرم فإننا لن نكون بحاجة إلى توسعات جديدة، وأتمنى أن يتحول دخول الحرم من مراقبة شخصية لتصريح الدخول إلى مراقبة آلية لكل معتمر ومصلٍّ عن طريق آلات إلكترونية على الأبواب تفتح لدخول المعتمر آليًا بعد التأكد من فعالية تصريحه سواءٌ لأداء العمرة أو الصلاة في الحرم. كاتب اقتصادي سعودي