المتابع لقضية سد النهضة وسير المفاوضات بين مصر والسودان وأثيوبيا طوال السنوات العشر الماضية يلاحظ بأنه لم يتم حتى الآن التوصل إلى أية حلول، وذلك بسبب التعنت الذي تبديه أثيوبيا في كل جلسة، ورفضها لكافة الحلول التي تطرح حتى من الأطراف المحايدة، ومواقفها المتشددة جدًا حول بعض النقاط الفنية والقانونية للمفاوضات مما يقلل من فرص التوافق على حل معيَّن، وترفض تضمين فض النزاعات، وترغب بالانفراد بقواعد التشغيل وإدارتها بطريقة أحادية، وحرية التعديل دون التنسيق مع دول المصب، ودون الالتزام بأي تعهدات، وفوق هذا كله تتهم (مصر) بالمقامرة السياسية في قضية سد النهضة، وتصر على ملء البحيرة باتفاق أو حتى بدون، وتقول إنها لن تتوسل مصر والسودان للسماح باستغلال مواردها المائية، كما أنها ليست ملتزمة بالتوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان قبل ملء السد. ولم تترك مصر بابًا يساهم في حل هذه القضية إلا وطرقته، ابتداءً من الولاياتالمتحدة ومرورًا بالبنك الدولي وانتهاءً باتحاد الدول الأفريقية، لكن كل تلك المحاولات اصطدمت بالرفض والتعالي الأثيوبي، الأمر الذي دعا مصر إلى أن تعلن عن أنها لن تقبل بأي صياغات منقوصة لا تراعي الشواغل المصرية أو تؤجل مناقشة القضايا الخلافية الرئيسية، حيث إن الجانب الأثيوبي اقترح تأجيل البت في النقاط الخلافية، وطلب إحالتها إلى اللجنة الفنية التي سوف يتم تشكيلها بموجب الاتفاق، وهذا ما يعترض عليه الجانب المصري، حيث يرى إنه لا يمكن إحالتها للجنة مستقبلية باعتبارها رئيسية تمثل العصب الفني للاتفاق. ومع أن مصر تحظى بدعم الجامعة العربية من خلال مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عقد في مارس الماضي وألقى باللوم على الجانب الأثيوبي لأنه لم يلتزم بالمسار التفاوضي، فإنها لجأت إلى مجلس الأمن الدولي ودعته للتدخل للتأكيد على أهمية مواصلة الدول الثلاث التفاوض بحسن نية وفق قواعد القانون الدولي من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن في قضية السد، وذلك لتنبيه مجلس الأمن إلى هذه الأزمة التي من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين بعد أن تعثرت المفاوضات الأخيرة. ولاشك بأن قضية مياه النيل بالنسبة لمصر قضية وجودية، وصفها وزير الخارجية المصري (سامح شكري) في خطابه في اجتماع الأممالمتحدة بأنها (تهديد وجودي بات يحدق بشريان الحياة الوحيد الذي يعيش عليه أكثر من 100 مليون مصري).. بينما يراها وزير خارجية أثيوبيا (آسفي سيلاسي) انتفاع بموارد بلاده المائية في أثيوبيا ليس اختيارًا وإنما ضرورة وجودية. حاليًا، وبعد أن لم ترض (أثيوبيا) بتدخل الوسطاء، ولا بدور الأممالمتحدة فإن الكرة أصبحت في ملعب دولة (جنوب أفريقيا) التي طلبت إعداد تقرير مرحلي منفصل من جانب كل دولة يتضمَّن شواغلها، والنقاط التي تتمسك بها، والمسائل الخلافية وكيفية التعامل معها، وهي الفرصة الأخيرة التي منحتها مصر لأثيوبيا، فقد طفح الكيل، والرئيس السيسي الذي تحدث للشعب الأثيوبي من خلال برلمانه بأنه حريص على التنمية في أثيوبيا، وبأن عليهم تقدير الحياة في مصر، قال في نفس الوقت (بأننا دولة قادرة على إنهاء التفاوض بشكل قوي).