لا صوت يعلو اليوم على صوت الوسطية والاعتدال والتسامح، فهي اللغة الوحيدة التي يمكن أن يجتمع عليها البشر، أما التطرف والإرهاب والغلو والانغلاق فهي مبادىء لم تعد مقبولة في عصرنا الحاضر من قبل الكثير من المجتمعات والتي أصبحت تؤمن بأن الحوار الحضاري يعد من أفضل السبل للتفاهم السوي مع الآخر والتعرف على الجوانب المشتركة معه وتجاوز معوقات التواصل والتعايش إضافة إلى تجاوز الأحكام المسبقة والمبنية على العداوات التاريخية والتي ساهمت في تصعيد حالة الاحتقان ونشر الكراهية والتعميم الخاطىء لبعض التصرفات الفردية الشاذة مع التأكيد على براءة الأديان من مجازفات معتنقيها ومدَّعيها وردع مروجي الكراهية والمحرضين على العنف والإرهاب والصدام الحضاري . في الأسبوع الماضي منحت لجنة الاختيار (جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام) ل «وثيقة مكةالمكرمة « الصادرة عن مؤتمر مكة الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في ال 25 من رمضان 1440ه، وقد منحت الجائزة للوثيقة كونها تعد دستوراً تاريخياً لإرساء قيم التعايش بين أتباع الديانات والثقافات والمذاهب، وتحقق السلم بين مكونات المجتمع الإنساني وذلك من خلال ما أكدته من مضامين ومنها عدم التدخل في شؤون الدول ونبذ أساليب الهيمنة السياسية بمطامعها الاقتصادية ودعوتها إلى التمكين المشروع للمرأة ودورها في الحياة ودعوتها أيضاً لإيجاد منتدى عالمي يهتم بشؤون الشباب عامة ويعتمد على الحوار الشبابي البنَّاء. لم تصدر تلك الوثيقة عبر جهد فردي بل شارك في إصدارها 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة ويمثلون 27 مكوناً إسلامياً من مختلف المذاهب والطوائف والقوميات، غير أن الفكرة الأساسية لتلك الوثيقة -وكما صرح الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الدكتور محمد العيسى- كانت لولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (يحفظه الله) فهو صاحب فكرتها والداعم والمتابع لها حتى صدرت في مؤتمر خاص تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله). فوز (وثيقة مكة) بتلك الجائزة العالمية في خدمة الإسلام هو فوز للأسس والمبادىء التي ارتكزت عليها الوثيقة وفي مقدمتها ترسيخ مفهوم التعايش والسلام والتأكيد أن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يبرر الصراع والصدام بل يستدعي إقامة شراكة حضارية (إيجابية) وتواصلاً فاعلاً يجعل من التنوع جسراً للحوار والتفاهم والتعاون لمصلحة الجميع ويحفز على التنافس في خدمة الإنسان وإسعاده والبحث عن المشتركات الجامعة واستثمارها في بناء دولة المواطنة الشاملة المبنية على القيم والعدل والحريات المشروعة وتبادل الاحترام ومحبة الخير للجميع.