خرج آلاف اللبنانيين إلى الشوارع مجدداً الأربعاء وقطعوا الطرق الرئيسية في مختلف المناطق اللبنانية، بينما تجمع المئات منهم على الطريق المؤدي الى القصر الرئاسي على مشارف بيروت، غداة تصريحات للرئيس ميشال عون اعتبروا أنها تتجاهل مطالبهم التي يرفعونها منذ شهر لتغيير الطبقة السياسية. واقترح عون في مقابلة تم بثّها مساء الثلاثاء على كل شاشات التلفزة اللبنانية تشكيل حكومة "تكنو-سياسية"، بينما يطالب المتظاهرون بحكومة اختصاصيين مستقلة بعيداً عن أي ولاء حزبي أو ارتباط بالمسؤولين الحاليين. وتكلم رئيس الجمهورية بنبرة اعتبرها المتظاهرون "استفزازية"، منتقداً عدم وجود قياديين يمثلون المتظاهرين ليتحاوروا مع السلطة، في وقت يفخر المحتجون بأن تحركهم عفوي وجامع ويرفضون أي حوار مع السلطة الحالية. وقطع المتظاهرون طرقاً حيوية عبر أجسادهم أو بالسيارات والعوائق والحجارة منذ الصباح الباكر الأربعاء في وسط بيروت وعلى مداخلها، وفي نقاط عدة على الطريق المؤدي من بيروت إلى شمال لبنان، وفي طرابلس وعكار شمالاً والبقاع الغربي شرقاً وصيدا جنوباً، وغيرها من المناطق، قبل أن يتم فتح عدد منها ليلاً. وكان المتظاهرون عمدوا منذ أيام الى فتح الطرق، ونظموا تجمعات أمام المرافق العامة والمصارف لمنع موظفيها من الالتحاق بمراكز عملهم. لكن الغضب دفعهم إلى العودة إلى قطع الطرق. ووصل مئات المتظاهرين تباعاً سيراً على الأقدام الى تخوم بعبدا، حيث القصر الرئاسي، منذ ساعات الظهر رافعين الأعلام اللبنانية وسط انتشار كثيف لوحدات الحرس الجمهوري ومكافحة الشغب. وطالبوا برحيل رئيس الجمهورية ثم نصبوا مساء عدداً من الخيم وسط الطريق. واستبق الجيش وصولهم بإقفال كل الطرق المؤدية إلى منطقة بعبدا بالعوائق الحديدية والسياج الشائك، وفق ما شاهد مصور لوكالة فرانس برس. وحصل تدافع محدود إثر محاولة متظاهرين تخطي العوائق. وقالت المهندسة أنجي (47 عاماً)، وهي تحمل العلم اللبناني، لوكالة فرانس برس "وجدنا في كلام الرئيس عون استخفافاً كبيراً بنا" مضيفة "أملنا كبير بلبنان... لكننا لسنا من أولئك الذين يودون الهجرة". وشكل كلام عون خيبة أمل للمتظاهرين. فقال رداً على سؤال عن فقدان المتظاهرين ثقتهم بالسلطة، "إذا كانوا لا يجدون أن هناك +أوادم+ في السلطة، فليهاجروا". ورفض عون تشكيل حكومة من مستقلين، قائلا "أين أفتش عنهم؟ على القمر؟"، في إشارة الى أن كل اللبنانيين ينتمون بطريقة أو بأخرى الى حزب ما أو الى تيار سياسي ما. سقطت الدولة وأصيب أربعة أشخاص بجروح في جل الديب، شرق بيروت، وفق ما أفاد الصليب الأحمر اللبناني، بعد اطلاق مسلح عند نقطة تجمع لمتظاهرين قطعوا الطريق، الرصاص من سلاح حربي بحوزته، بحسب الوكالة الوطنية للاعلام. وتمكن المتظاهرون من انتزاع السلاح من يده وتسليمه إلى القوى الأمنية. وجاء ذلك غداة إشكال وقع في خلدة جنوببيروت ليل الثلاثاء بين متظاهرين أقدموا على قطع الطريق، إثر انتهاء كلمة عون، وسيارة تقل عسكريين تطور الى إطلاق نار من جانب أحد العسكريين ما تسبب بمقتل المواطن علاء أبو فخر (38 عاماً) أمام زوجته وطفله. وأعلنت قيادة الجيش بدء التحقيق مع مطلق النار. واجتمع المئات ليل الأربعاء في خلدة وأضاؤوا الشموع في مكان مقتله مرددين "إنت الثورة يا علاء"، وفي مناطق عدة في البلاد. ونظم متظاهرون مسيرات عدة ورفعوا صوره معتبرين أنه "شهيد الثورة"، على أن يشيع الخميس في بلدته الشويفات جنوببيروت. وفي مدينة طرابلس شمالاً، رسم فنانون وجه أبو فخر على واجهة مبنى رئيسي يطل على ساحة النور، ساحة التظاهر الرئيسية، تكريماً له. وتجمع الآلاف مساء في الساحة، في مشهدية تتكرر منذ بدء الاحتجاجات. وأبو فخر هو القتيل الثاني منذ بدء التحركات الشعبية بعد مقتل متظاهر بإشكال فردي على طريق المطار في اليوم الأول لاندلاع الاحتجاجات. وقالت نسرين حجيري (29 عاماً) قرب بعبدا "مع سقوط شهيدي الثورة، سقطت الدولة". وتابعت "خطاب الرئيس خيبة أمل، فالرئيس يفترض أن يجمع لا أن يفرق"، منتقدة السماح لمناصريه بالوصول إلى محيط القصر نهاية الشهر الماضي في تظاهرة تأييد له. وتحت ضغط الشارع، استقال رئيس الحكومة سعد الحريري في 29 أكتوبر. ولم يحدد عون بعد موعداً لاستشارات نيابية لتسمية رئيس حكومة جديد، ولو أنه أشار الثلاثاء الى أنها قد تبدأ يومي الخميس أو الجمعة. وقال المتظاهر أنطوان سعد وقد قطع مع عشرات الشبان طريق جل الديب لفرانس برس "لم يعد هناك من فرصة تُعطى له، طالما لم ينو بعد تشكيل حكومة (..) عليه أن يعلم أن الشعب لم يعد يريده وعليه أن يرحل". شكراً عون وبدأ الحراك الشعبي في 17 أكتوبر على خلفية مطالب معيشية، وبدا عابراً للطوائف والمناطق، ومتمسكاً بمطلب رحيل الطبقة السياسية. وتصدّر الطلاب مشهد التحرّكات خلال الأيام الأخيرة مع تنفيذهم وقفات احتجاجية أمام مدارسهم وجامعاتهم بشكل غير مسبوق. على جسر الرينغ المؤدي إلى وسط بيروت، كتب متظاهرون وسط الطريق صباح الأربعاء "شكراً عون، أعدتنا إلى الشارع". وتصدرت مواقف عون عناوين الصحف المحلية. وكتبت صحيفة "الأخبار" القريبة من حزب الله المعارض للحراك "السلطة تكابر وتفاوض بالشارع والغرب يريد التدخل". ولم ينف عون الأنباء عن ضغوط أميركية تمارس لإبعاد حزب الله عن الحكومة المقبلة. وقال "لا يستطيعون أن يفرضوا علي أن أتخلص من حزب يشكل على الأقل ثلث اللبنانيين". وتصنّف واشنطن حزب الله الذي يمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة وتدعمه طهران، على قائمة المنظمات الإرهابية وتفرض عقوبات عليه. ونقل مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو الأربعاء رسالة الى عون من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تؤكد "استعداد" بلاده "لمساعدة لبنان في الظروف الراهنة"، وفق الرئاسة اللبنانية. ووصل فارنو الى بيروت الثلاثاء. وشملت لقاءاته الأربعاء الحريري ورئيس البرلمان نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل.