شهد المسجد النبوي الشريف الذي بناه رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- بيديه الشريفتين في السنة الأولى من الهجرة، بعد قدومه إلى المدينة المنوّرة مهاجرًا من مكة المكرّمة، نحو (10 توسعات) متعاقبة، أكبرها جرت في عهد الدولة السعودية، وكان أول مكان جرت إنارته بالمصابيح الكهربائية عام 1327ه. كما يواصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، اليوم، هذه المسيرة العطرة في بناء وعمارة الحرمين الشريفين، وخدمة ضيوف الرحمن؛ إذ يؤكّد -أيّده الله- في كل محفل أهمية المسيرة، والحرص على متابعة العمل في مشروعات التوسعة الكبرى بالحرمين الشريفين التي تصب جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين في شتى أرجاء المعمورة، لا سيما حجاج بيت الله الحرام، زوّار مدينة المصطفى - صلى الله عليه وسلم. وبعد توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - كان في مقدمة اهتماماته رعاية شؤون الحرمين الشريفين، وأُجريت إصلاحات عدة للمسجد النبوي الشريف، وقد تناولت الحلقة الأولى 7 توسعات، فيما نستعرض هنا التوسعات الثلاث التي شهدها العهد السعودي، والتي تستهدف آخرها استيعاب مليوني مصل. تفتت بعض الأعمدة يطلق توسعة الملك عبدالعزيز في سنة 1365ه لُوحظ تصدع في بعض العقود الشمالية وتفتّت في بعض حجارة الأعمدة في تلك الجهة بشكل لافت للنظر، فصدر أمر الملك عبدالعزيز بعد دراسة المشروع بإجراء العمارة والتوسعة للمسجد، وصرف ما يحتاج إليه المشروع من نفقات دون قيدٍ أو شرط مع توسيع الطرق حوله؛ إذ أعلن الملك عبدالعزيز في خطاب رسمي سنة 1368ه، عزمه على توسعة المسجد النبوي الشريف والبدء بالمشروع، وفي سنة 1370ه، بدأت أعمال الهدم للمباني المجاورة للمسجد النبوي الشريف، وفي ربيع الأول 1374ه احتُفل بوضع حجر الأساس للمشروع بحضور ممثلين عن عدد من الدول الإسلامية، ونظرًا لأن عمارة السلطان عبدالمجيد كانت في أحسن حال، فضلًا عمّا تتسم به من جمال وإتقان فقد تقرّر الإبقاء على قسم كبير منها، واتجهت التوسعة إلى شمال وشرق وغرب المسجد النبوي الشريف. العمارة بالأسمنت المسلح وفي سنة 1375ه، انتهت العمارة والتوسعة في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- وكانت العمارة قوية جميلة رائعة بالأسمنت المسلح، ونتج عن هذه التوسعة أن أضيف إلى مسطح المسجد (6033 ) مترًا مربعًا، واحتفظ بالقسم القبلي من العمارة المجيدية، كما هو، وهو ما كان صالحًا للبقاء، وبذلك أصبح مجمل العمارة السعودية (12271) مترًا مربعًا، وأُقيمت التوسعة كمبنى هيكلي من الخرسانة المسلحة وهي عبارة عن أعمدة تحمل عقودًا مدببة، كما قُسم السقف إلى مسطحات مربعة شكّلت على نمط الأسقف الخشبية وزُخرفت بأشكال نباتية، وعملت للأعمدة المستديرة تيجان من البرونز وزُخرفت أيضًا.. أما المآذن فقد بلغ ارتفاعها (72) مترًا؛ تتكون كل واحدة من أربعة طوابق تناسقت في شكلها مع المنائر القديمة للمسجد، كما حُليت جدران المسجد بنوافذ جميلة، وجعل للمسجد صحنان مفصولان برواق بدلًا من واحد، وتمّت تغطية أرضية المسجد بالرخام، وأصبح للمسجد النبوي الشريف عشرة أبواب. الملك فهد أمر بأكبر وأضخم توسعة عبر التاريخ وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، أمر -رحمه الله- بإجراء دراسات لتوسعة كبرى للمسجد النبوي الشريف، وكان دافعه إلى ذلك كله أن تكون للحرمين الشريفين قيمة متوازية، كما لهما القيمة الروحية العظمى لدى المسلمين في كل مكان في أرجاء العالم الإسلامي؛ إذ تمّ في سنة 1405ه، وضع حجر الأساس لمشروع التوسعة للمسجد النبوي، وتضمَّن مشروع توسعة المسجد وعمارته، إضافةً مبنى جديد بجانب مبنى المسجد الحالي يحيط ويتصل به من الشمال والشرق والغرب بمساحة قدرها (82 ألف متر مربع)، تستوعب (167 ألف مصلٍّ)؛ وبذلك تصبح المساحة الإجمالية للمسجد النبوي الشريف 98.500 متر مربع). كما أن سطح التوسعة تمت تغطيته بالرخام والمقدرة مساحته ب(67 ألف متر مربع)، ليستوعب (90 ألف مصلٍّ)، وبذلك يكون استيعاب المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة أكثر من (257 ألف مصلٍ)، وتضمَّنت أعمال التوسعة إنشاء دور سفلي (بدروم) بمساحة الدور الأرضي للتوسعة؛ وذلك لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الأخرى، وتضمَّن المشروع كذلك إحاطة المسجد النبوي الشريف بساحات تبلغ مساحاتها (23 ألف متر مربع)، تغطى أرضيتها بالرخام والجرانيت وفق أشكال هندسية بطرز إسلامية متعدّدة جميلة خُصّص منها (135 ألف متر مربع) للصلاة، يستوعب (250 ألف مصلٍّ)، ويمكن أن يزيد عدد المصلين على (400 ألف مصلٍ) في حال استخدام كامل مساحة الساحات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف؛ ما يجعل الطاقة الاستيعابية لكامل المسجد والساحات المحيطة به تزيد على (650 ألف مصلٍ)؛ لتصل إلى مليون مصلٍ في أوقات الذروة؛ إذ تضم هذه الساحات مداخل للمواضئ، وأماكن لاستراحة الزوّار تتصل بمواقف السيارات التي تُوجد في دوريْن تحت الأرض، وخُصصت هذه الساحات للمشاة فقط، وتُضاء بوحدات إضاءة خاصّة مثبّتة على (120) عمودًا من الرخام. وفيما يتعلق بالحصوات المكشوفة التي تقع بين المسجد القديم والتوسعة السعودية الأولى فقد تمت إقامة اثنتي عشرة مظلة ضخمة . في عهد الملك عبدالله تم تظليل الساحات بأحدث تقنية وفي عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- تمّ تدشين أكبر توسعة للمسجد النبوي الشريف على مر التاريخ، إلى جانب مشروع مظلات المسجد النبوي التي أمر بها وهي من المشروعات العملاقة؛ إذ جاء التوجيه بتصنيعها وتركيبها على أعمدة ساحات المسجد النبوي الشريف التي يصل عددها إلى (250 مظلة) تغطي هذه المظلات مساحة (143 ألف متر مربع) من الساحات المحيطة بالمسجد من جهاته الأربع يصلي تحت الواحدة منها ما يزيد على (800 مصل)، يُضاف إلى ذلك تظليل ستة مسارات في الجهة الجنوبية يسير تحتها الزوّار والمصلون، وهذه المظلات صُنعت خصيصًا لساحات المسجد النبوي على أحدث تقنية وبأعلى ما يمكن من الجودة والإتقان، خضعت لتجارب في بلد التصنيع واستُفيد من التجربة في المظلات التي قبلها التي تعمل بكفاءة جيدة منذ أن انتهت التوسعة، ومع ذلك فإن المظلات الجديدة قد طُوّرت ودخلت عليها تحسينات في شكلها ومادتها ومساحتها وصُممت بارتفاعيْن مختلفيْن؛ إذ تعلو الواحدة الأخرى على شكل مجموعات لتكون متداخلة فيما بينها؛ يبلغ ارتفاع الواحدة منها (14 مترًا و40 سنتيمترًا) والأخرى (15 مترًا و30 سنتيمترًا)، ويتساوى ارتفاع جميع المظلات في حالة الإغلاق بارتفاع (21 مترًا و70 سنتيمترًا)، كما شهدت المدينة المنوّرة أواخر عام 1433ه، أكبر توسعة في تاريخ المسجد النبوي الشريف، دشّنها الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- بوضع حجر الأساس لتوسعة المسجد النبوي لتصل طاقته الاستيعابية بموجبها إلى مليوني مصلٍّ مع نهاية أعمال المشروع. ويؤدي المصلون صلاتهم تحت هذه المظلات التي تقيهم حرارة الشمس في أثناء الصلاة، كما تحجب عنهم الماء إذا نزل المطر، فيسلمون من مخاطر الانزلاق والسقوط، ويحصل لهم الأمان والاطمئنان في ذهابهم وإيابهم إلى المسجد النبوي. إضافة في الجهة الغربية وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - ونظرًا لتزايد الأعداد الوافدة للمسجد النبوي، خاصة في موسم الحج، نتيجة سهولة المواصلات والتنقل والراحة التي يلقاها الحاج والزائر في هذه البلاد الطاهرة؛ إذ وفّرت له الحكومة السعودية كل ما يحتاج إليه من أمن واستقرار، وتوافر المتطلبات الأساسية له بما جعل أمر توسعة المسجد النبوي الشريف ضروريًّا؛ حتى يستوعب هذه الأعداد المتزايدة، فأصدر الملك فيصل -رحمه الله- أمره بتوسعة المسجد النبوي الشريف، وكانت هذه التوسعة من الجهة الغربية للمسجد النبوي الشريف فقط، إذ تمثلت التوسعة التي جرت سنة 1395ه، بإضافة (35 ألف متر مربع) إلى أرض المسجد النبوي الشريف، ولم تتناول عمارة المسجد نفسها، بل جهّزت تلك المساحة لإقامة مصلى كبير مظلل، يتسع لعدد من المصلين يماثل عددهم داخل المسجد، ثم أضيفت مساحة (5550) مترًا مربعًا، وظُللت كذلك؛ ما أتاح المجال لاستيعاب أعداد أكثر من المصلين. وفي عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- حصل حريقٌ في سوق القماشة سنة 1397ه، وهو في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد النبوي الشريف وتمّت إزالة المنطقة وتسوية أرضيتها وتعويض أصحاب الدور والعقار، وتمّت إضافتها إلى مساحة المسجد؛ حيث بلغت المساحة (43 ألف متر مربع)، وهو ميدان فسيح مظلل أُضيف إلى أرض المسجد النبوي، ولم تتناول عمارة المسجد، وتمّ تخصيص جزءٍ منها مواقف للسيارات.