فتش عن إيران! هذه هي الإجابة الأوضح والأسهل لمسببات الاستقالة المفاجئة في نظر البعض وغير المفاجئة في نظر البعض الآخر لسعد الدين الحريري رئيس الحكومة اللبنانية، لقد انتظر الحريري كثيرًا على أمل أن تظهر بوادر حرص أو مشاركة أو تعاطف من كافة القوى السياسية مع استقلال لبنان، لكن المشهد جاء مختلفًا في غالبيته، حيث شوهد البعض كما يقول الحريري وهو يضع يده في يد طهران، وتزداد الإجابة وضوحا إذا نظرنا إلى ما يلي: البساط السوري ينسحب تدريجيًا من تحت أقدام طهران ومن ثم تسعى لتتموضع بصورة مختلفة في المنطقة. تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني من أنه لا قرار يأخذ في لبنان من دون موافقة إيران. الزيارة التي قام بها أمس الأول مستشار روحاني إلى لبنان علي أكبر ولايتي وتأكيده على الاهتمام الإيراني بتقوية ما يسمى «حلف الممانعة». الزيارات التي قام بها عدد من وزراء حزب الله ووزاء حركة أمل ووزراء عون إلى سوريا في تحدي واضح لقرار رئيس الحكومة بمقاطعة الحكومة السورية. اللقاء الذي جمع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بنظيرة السوري وليد المعلم في الأممالمتحدة. شفافية الاستقالة لقد كان الحريري واضحًا وشفافًا وهو يعلن رفضه القاطع للتدخلات الإيرانية في بلاده، لافتًا إلى أنه يستشعر أجواءً شبيه بتلك التي سبقت اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري، ومشددًا على ما يلي: أيدي إيران في المنطقة ستقطع. أينما حلت إيران، يحل الخراب والفتن. رغبة إيران الجامحة في تدمير العالم العربي. رفضه استخدام سلاح حزب الله ضد اللبنانيين والسوريين. من يقبل بدور المحلل؟! في ضوء ذلك، ستبقى استقالة الحريري غصة في حلق الإيرانيين من جهة، ومعضلة أمام حزب الله من كل الجهات، لن يحلها صاروخ على إسرائيل، ولا صرخة مصطنعة لتحرير القدس! وباختصار فقد خرج الحريري من القيد الإيراني الذي ظل يستهدفه طوال الفترات الماضية، على أمل أن يصمت أو يستجيب للعبث المستمر، فمن الذي سيقبل بهذا الدور «دور المحلل لانتهاكات إيران» من الكتلة السنية؟! لقد جاءت استقالة الحريري كما يقول نائب القوات اللبنانية أنطوان زهرا بمثابة «انتفاضة كرامة في وجه كل العراقيل السياسية»! أما الدكتور مصطفى علوش القيادي في تيار «المستقبل» فرأى أن الفترة المقبلة ستكون فترة «عسكرة». لقد لخص النائب خالد الضاهر، استقالة الحريري في كونها لمصلحة لبنان أولا ومصلحة تاريخية له ثانيًا.. لأنه ببساطة حاول أن يعيد الاستقرار إلى لبنان. وماذا بعد؟! هذا هو السؤال الأهم: ماذا بعد الاستقالة؟ ماذا بعد أن وضع الحريري الكرة في ملعب الرئيس ميشال عون وبقية القوى والكتل السياسية؟! يخطئ من يظن أن الحريري، قدم استقالته على طبق من ذهب، وأن الاستقالة ستسهل الأمر على أنصار وسماسرة طهران.. فالحريري ليس مجرد شخص، ولا حتى مجرد رمز، وإنما ممثل لكتلة سنية قوية وستزداد قوة وتماسكًا في ظل ما يحيق بلبنان وأمته العربية من أخطار. يخطئ من يظن كذلك أن عملية هنا وتفجير هناك، سيلجم اللبنانيين جميعًا، فقد مضى هذا الزمن! كما أن الإتيان برئيس حكومة جديد بديلا عن الحريري قد يصلح للشكل دون المضمون! لقد صاغت استقالة الحريري شكل العلاقة المطلوبة لبنانيًا وعربيًا مع إيران، وفي ضوء ذلك فإن دخول أي رئيس حكومة جديدة في اللعبة الإيرانية سيقابل لبنانيًا وعربيًا ودوليًا بالرفض الشديد والفاعل بل والدافع الى الاصطدام بحائط إقليمي وعربي ودولي مضاد لإيران.