موقف: كنت أسير خلف سيارة تقلّ رجلين في شارع مزدحم وبينما السيارات تسير ببطء إذا بالراكب بجوار السائق في السيارة التي أمامي يخرج رأسه من السيارة بشكل بارز.. وقد حاذت السيارة أثناء سيرها امرأة تسير في أمان الله على جانب الطريق. في هذا الموقف أخذني الاستغراب وأنكرت في ذاتي أن يكون ما قام به الراكب أمامي مرتبطاً بمرور السيارة بجانب المرأة واعتمدت على أن الأصل في المسلم السلامة حتى تظهر خيانته، وضرورة حمل الأمر على الوجه الحسن واستعذت من الشيطان الرجيم وكذّبت عيني وقلت إننا في مجتمع لا يصدر من أفراده هذا المسلك المشين. وليست هذه نهاية المطاف بل شاء الله أن تقدمت لأحاذي هذه السيارة وأنظر للسائق ولمن بجانبه وهناك وصلت لقناعة تامة باستنتاجي فلقد رأيت رجلين خطّ الشيب مفرق رأسيهما.. ومع ذلك قلت النصيحة واجبة لمن وضع نفسه في مواطن الريبة ولهؤلاء أولى.. فقلت للسائق أخي الكريم إن ما قام به رفيقك غير لآئق! وتوقعت التبرير أو الدفاع أو... إلخ. ولكن الرد جاء كالصاعقة حيث أجابني السائق قائلاً: أعلم فهو صاحب مواقف غير مهذبة!!!! وما كان من السائق إلا أن تواطأ مع صاحبه بقطع الإشارة المرورية واندفع بقوة وولى هارباً!!!. لقد رويت الموقف كما رأيته وقع.. وذهبت في تأويله على محامل حسنة لكوني أقنعت نفسي بأنه موقف يحتمل التأويل من تغليب العفوية والمقصد الحسن وما يتبع ذلك من رؤى تنطلق من منطلقات حسن النية وتسير في فلكها. وفي المقابل من الممكن أن نذهب لمطابقة الواقع القبيح للعمل الذي ظهر وصدّقته الوقائع بأنه عمل قبيح وذو مقصد سيئ أُريد منه الاعتداء على أعراض نساء المسلمين بدون وازع من دين أو نخوة وأخلاق. إن رؤية الواقع لا تمنع أن تنطلق من الواقع ولكن ينبغي بموجب الأمانة أن تُعبّر عن هذا الواقع لا أن تدخل دهاليز النفس البشرية فتصبغها بألوانها وتوجهها على حسب الاتجاه الذي تريده فتخرج الرؤية مغايرة وغير صادقة وبدون مهنية. إنها رسالة تُوجه لكل صاحب كلمة أن ينظر في الأركان الحقيقية لكل ما يكتب لكي تصدق أحرفه مفهوم أمانة الكلمة.