مع تطور التقنية، وتحول العالم إلى قرية صغيرة بفضل وسائل الاتصال وتداخل العلاقات، تطورت عمليات النصب والاحتيال فأصبحت أقرب إلى التنظيم منها إلى الحالات الفردية، وبات الخطر يهدد الأفراد، الشركات، والمنشآت المصرفية. الجرائم الإلكترونية أصبحت أكثر شيوعاً وانتشاراً، فهي لا تحتاج إلى تواجد العنصر البشري في مسرح الجريمة، بل تعتمد اعتماداً كلياً على الخبرات العقلية والتقنية والتحكم من بعد، وهذا بحد ذاته مطلب مهم لمجرمي هذا العصر، وعلى رأسهم المافيا العالمية والمنظمات الإرهابية. الاحتيال البشري أصبح أكثر تطوراً من ذي قبل حين سخر التقنية لأغراضه التدميرية، خاصة فيما يتعلق بالحسابات والضمانات البنكية، الشيكات المصرفية، والعملات الأجنبية. وزارة الداخلية حذرت (المواطنين والمقيمين من ظهور أساليب جديدة في النصب والاحتيال تتمثل في بيع وشراء الضمانات البنكية أو صرف عملات أجنبية أو نقل أموال بطريقة غير نظامية ونحوها من قبل أشخاص أو جهات من داخل المملكة وخارجها)، وطلبت من (الجميع توخي الحيطة والحذر حتى لا يستغل أي فرد من أفراد المجتمع بعمل يضر نفسه أو يسيء به لوطنه ومجتمعه وإبلاغ الجهات الأمنية المختصة عن أي عمليات اتصال خارجية يشك في مصدرها وأهدافها)، وهي تحذيرات مستمرة تقوم بها وزارة الداخلية مشكورة بين حين وآخر، لتنبيه المواطنين من أن يُستغلوا في أمور مشبوهة مُضرة قد لا يكونوا على معرفة بها. التقنية الحديثة ساعدت عصابات النصب والاحتيال في الوصول إلى ضحاياهم بكل يسر وسهولة، وساعدتهم أيضا في تطوير وسائلهم، وإنتاج أدوات نصب احترافية تتطابق في مواصفاتها الخارجية مع مثيلاتها الرسمية. لم تعد الشيكات المصرفية، شهادات الإيداع، السندات، الصكوك، والعملات الأجنبية صعبة التزوير مع توفر التقنية الحديثة التي باتت في متناول الجميع. هناك عمليات نصب مباشرة كالعملات المزورة على سبيل المثال، وعمليات نصب معقدة قد تبنى عليها الكثير من عمليات النصب المتراكمة، كمطالبة المُستَهدَف بفتح حساب بنكي لتحويل جائزة مالية، أو قيمة يانصيب فاز بها، مع اشتراط الحصول على أرقام الحساب السرية لإنهاء إجراءات التحويل؛ ونظرا لخلو الحساب من أية أموال خاصة بالمستهدف (صاحب الحساب) فعنصر المخاطرة عادة ما يكون مقبولا لدى كثير من الناس. الحقيقة أن فتح الحساب كان الخطوة الأولى في عمليات نصب معقدة تعتمد في استغلال الحساب لتلقي أموال سرقت من حسابات مصرفية عن طريق شبكة الإنترنت ومن ثم إعادة تحويلها إلى حسابات خارجية تابعة للمحتالين. قد تستخدم مثل تلك الحسابات لتمرير عمليات مالية لتمويل الإرهاب، وفي الحالتين يكون صاحب الحساب شريكا في العمليات الإجرامية رغم عدم معرفته بخلفيات الأمور. الاحتيال التقني يمكن أن يمارس بكل يسر من خلال أجهزة الصرف الآلي. حيث يقوم المجرمون بوضع قطعه معدنية مشابهة لفتحة إدخال البطاقة تكون مهمتها تسجيل أرقام بطاقة الصرف الآلي، إضافة إلى كاميرا جانبية تقوم برصد حركة الأصابع لتسجيل الأرقام السرية. بعض المحترفين يستبدل آلة التصوير بلاقط صوت حساس يتم التحكم به من بعد ويقوم بترجمة النغمات إلى أرقام، ومن ثم يقومون بإعداد بطاقات تمكنهم من سحب أرصدة العملاء من البنوك. سحب بيانات البطاقات الائتمانية، وبطاقات الصرف الدولية في الأماكن المشبوهة أصبح متاحا أمام عصابات النصب والاحتيال. مواقع البنوك على شبكة الإنترنت أصبحت تزور لاصطياد الداخلين لها وكشف أرقامهم السرية، وهو ما يستدعي من المستخدمين التأكد من رمز الموقع (الدومين Domainلا الصفحة الأمامية، وعدم استخدام الشبكات المفتوحة غير المؤمنة. أي مطالبة للعميل بتغييره أرقامه السرية يجب أن تقابل بحذر شديد، وأن لا تنفذ عن طريق الشبكة المفتوحة، أو ترسل بالبريد الإلكتروني، أو باستخدام رابط الموقع المضاف في الرسالة الإلكترونية، بل يجب أن تتم داخل فرع البنك أو من خلال جهاز الصرف الآلي، وهما الأحوط والأدق، أو من خلال شبكة مؤمنة، والموقع الإلكتروني الصحيح للبنك. أما نقل الأموال عن طريق الحدود، بحسن نية، أو بجهل، يمكن أن يقحم الإنسان البريء في مشكلات أمنية وإرهابية لا يعلم مداها إلا الله. أصحاب القلوب المريضة، والنزعات الإجرامية سخروا التقنية العلمية لتحقيق أهدافهم المتعارضة مع الدين، الأخلاق، والقانون، يساعدهم في ذلك سهولة التغرير بمجموعات لا يستهان بها من الغافلين، أو ربما الطامعين. خطط النصب والاحتيال تستغل في الدرجة الأولى عنصر (الطمع) في النفس البشرية. لا يجد المحتال صعوبة تذكر في إقناع الطماعين بأساليبه الملتوية، لذا نجد أن أكثر المُغَرر بِهم عادة ما يكونون من (الطماعين). إلا أن الجهل وحسن الظن ربما قادا إلى شباك المحتالين. الجهل دفع بأحد الشباب إلى تلقي أموال على حسابه الخاص وتسليمها طرفا ثالثا كان شريكا في عمليات احتيال مصرفية. حسن الظن قاد أحد الشباب إلى نقل أموال عبر الحدود لطرف ثالث أثبتت التحقيقات علاقته بتمويل الإرهاب. في الوقت الحالي، ومع استمرار التحذيرات الرسمية، وسهولة وصول المعلومة للجميع قد ينتفي عنصر (الجهل)، ولا يقبل بتبرير (حسن الظن) وهو ما يدعو الجميع إلى أخذ الحيطة والحذر، وعدم الدخول في عمليات مالية لا علاقة لهم بها، أو استثمارات مشبوهة تقودهم إلى خندق الاتهام. عملية مالية مشبوهة واحدة يمكن أن تُحَمل الإنسان البسيط المسالم وزرها الثقيل، وإن جهل بمضمونها، كما أنه يمكن أن يجر، بسببها، على مصرفه، ووطنه ومجتمعه مشكلات مالية، أمنية، واقتصادية؛ ويحملهم مسؤوليات دولية لا يعلم حجمها إلا الله. *** [email protected]