منذ سنوات مضت ونحن نعيش في متغيرات عجيبة فرضتها ظروف العولمة والمدنية، ولعل هذه المتغيرات أثرت سلبا حتى على قيمنا الاجتماعية التي هي مصدر فخرنا واعتزازنا, فأصبح البعض من أصحاب المسؤولية في أي قطاع طاووسا يمارس السادية على الغير دون الاهتمام بمشاعر وحياة الآخرين، والأدهى من ذلك حينما تمارس هذه السلبيات على فئة غالية وهم المسنون . فحينما يمارس المتسلط سلوكياته على الآخرين فهذا يعتبر مؤشرا خطيرا يؤكد مدى التمزق الاجتماعي الذي نعيشه يظهر ذلك من خلال تجاهل البعض وعدم احترامهم لهذه الفئات بالرغم من التوجيهات النبوية الشريفة التي تنص على انه ليس منا من لم يوقر كبيرنا ، نعم ان توقير الكبار واحترامهم عند الكبر صار عند البعض سلوكا مفقودا وواجبا منسيا يولد عقوقا عواقبه وخيمة, فنجد ان الابن لم يعد يهتم بوالده عند الكبر سواء في صحته أو في سقمه بل جعل هذا البر العظيم الواجب عليه آخر اهتماماته، وكم سمعنا من الحوادث التي يندى لها الجبين عن أشخاص تنازلوا عن آبائهم وتركوهم في العراء دون وازع ديني يردعهم,فأين الرحمة والبر اللذان أمر بهما ديننا الحنيف وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً لقد تجاهل كثير من الناس هذه الأمور فأصبحت واقعا مؤلما نعيشه كل يوم ولا نستطيع الا ان نقول: لا حول ولا قوة الا بالله وحينما نفرض جدلا أن هناك بعض الأبناء تمثل نسبة معقولة تقوم بدور الاحسان الى الكبار خصوصا حينما ينتاب هذا الشيخ الهرم أي عارض صحي ثم ينقل الى المستشفى فاننا نجد ان الطبيب المعالج يقوم بدور غريب في التعامل مع المريض وكأنه يتعامل مع المهنة لأول مرة. حيث ان هذا الطبيب لا يراعي عامل السن والحالة النفسية للمريض المسن بل نجد بعض الأطباء يتعاملون مع المريض من مبدأ خذوه فغلوه وكأنه مريض ميئوس منه كأي سلعة انتهت صلاحيتها، وقد حدث هذا أمامي كتجربة شخصية تعرضت لها بنفسي مارسها أحد الأطباء، وحينما يحدث ذلك من طبيب مستهتر فاننا لا نغفل عن وجود أطباء نفخر بهم يمثلون صفوة من أطباء السعودية الذين يقدسون مهنة الطب لإيمانهم التام بأنها تتعرض لأرواح الآخرين وتمس حياتهم. وعودة الى الطبيب الفلتة وفريقه الذين يحتاجون الى تأهيل كامل وهو الالتحاق بفصول دراسية حتى يستطيعون التعامل مع المريض وبخاصة أولئك المصابون بأمراض حرجة وخطيرة كالجلطة الدماغية والقلبية وغيرها من الأمراض التي تتطلب عناية فائقة واهتماما كبيرا لهذه الحالة نظرا لسريتها التامة التي يجب ألا يعرفها المريض حتى لا ينهار نفسيا عند علمه بعلته وبخاصة ان كانت خطيرة ومستعصية. فلقد حدث ان قضى كثير من المرضى المسنين نحبهم بسبب تدني مستوى الوعي عند الطبيب وتعامله المتواضع مع المسن، خصوصا ان هذه الشريحة هي من الفئات العمرية المختلفة عن أي مرحلة أخرى، وهذا يعني انه لا يمكن دمجها من حيث التعامل مع أي فئة أخرى أثناء العلاج أو مكان ذلك العلاج وهو المستشفى. وحيث اننا في مجتمع مسلم يرحم كبيرُه صغيره ويخدم صغيرُه كبيره وحتى نضمن عمرا مديدا بإذن الله لهذه الفئة الوقورة وهم المسنون فانني أرى ان يتم دراسة انشاء مستشفى متخصص فقط لعلاج المسنين، يتم فيه استقبال واحتواء هؤلاء المرضى وتأهيلهم أثناء الدخول للمستشفى للتأقلم مع هذا الجو الجديد قبل اجراء أي كشف أو علاج اذ ان معظم المرضى المسنين لم يدخل أي مستشفى في حياته قط، ولكن لتردي حالته الصحية تم احضاره الى المستشفى قسرا لتلقي العلاج. ولعله من المؤكد ان ذلك سيؤثر عليه سلبا اذا لم يقابل بوجه بشوش وأريحية طبية من قبل أخصائيين اجتماعيين أو الأطباء المعالجين، اذ ان مرحلة استقبال المريض بشكل صحيح لأول مرة تخلق له جوا من الراحة والقبول ويكون ذلك سبيلا للشفاء، حيث ان الاحتواء الجيد يمثل للمريض 60% من تجاوز أزمته, أما اذا لم يستقبل بعناية وحرص واهتمام فان دخوله الى المستشفى سيكون تجهيزا لنهايته التي لا يرغبها الجميع، ولعل وجود مستشفى يختص بالمسنين من حيث العلاج والرعاية الكبرى التي تتولاها الدولة رعاها الله سيمثل هاجسا مهما لكثير من المرضى الذين يتهيبون دخول المستشفيات بالرغم من اصابتهم بكثير من الأمراض التي يخفونها خشية الدخول في هذا الجو الجديد عليهم حتى لا يصطدموا بواقع ما يحدث في كثير من المستشفيات الحالية. فهل يأتي ذلك اليوم الذي نرى فيه مستشفى متخصص يهتم بهذه الفئة, نحن بانتظار ذلك من مقام وزارة الصحة أو القطاع الخاص من المستثمرين في هذا المجال.