حذّر مختصون عقاريون من فقد المملكة لمكانتها التنافسية عالمياً في الاستثمار العقاري، نتيجة غياب التنظيم وعدم سن القوانين المناسبة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، مؤكدين أنّ الوضع الحالي للتنظيم العقاري دون المستوى المطلوب لتكوين أرضية خصبة لجذب تلك الاستثمارات. وكشف المختصون عن فقدان المجتمع السعودي لآلاف الفرص الوظيفية بسبب ضعف التأهيل وندرة المعاهد والكليات المتخصصة في علم العقار .. مشيرين إلى أن القطاع يعاني من نقص في الكفاءات المؤهلة فضلاً عن (دخلاء) على المهنة ممن ينقصهم التأهيل، مشددين على أهمية الاهتمام بالقطاع العقاري ونشاطاته كصناعة أساسيه تستقطب رؤوس الأموال الضخمة بصفتها الوعاء الاستثماري الأكبر. ودعا عدد من أعضاء الجمعية السعودية لعلوم العقار إلى وجوب الرقي بالقطاع إلى مصاف الصناعات الأخرى من حيث هيكلته وتنظيمه. جاء ذلك خلال لقاء ل(الجزيرة) برئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم العقار الدكتور خالد بن سكيت والأمين العام للجمعية الدكتور أحمد المحيميد والدكتور أحمد باكرمان عضو الجمعية لبحث معظم القضايا المتعلقة بالقطاع وكيفية التعاطي معها للخروج بأفضل النتائج، ولتنظيم عمل القطاع العقاري وفق الآليات العلمية المدروسة. (الجزيرة) تنشر الحلقة الأولى من تفاصيل اللقاء الذي جمعها مع الضيوف في منزل رئيس مجلس إدارة الجمعية الدكتور خالد بن سكيت. انطلاق الجمعية بداية تحدث الدكتور خالد بن سكيت رئيس الجمعية السعودية لعلوم العقار رئيس قسم التخطيط العمراني في جامعة الملك سعود، متناولاً قصة بزوغ فكرة الجمعية وقال: ( جامعة الملك سعود توفر المواد العلمية المتخصصة في علم العقار منذ سنوات، وإعدادها يتطلب التواصل مع جهات عديدة ذات الاختصاص وزيادة الاحتكاك مع عدد من الجامعات والمعاهد والجمعيات العالمية المهتمة بالعقار والتي تحمل نفس التوجه، وكنا نشعر بأهمية نشر هذا العلم الهام وإيصاله للمهتمين وطلاب العلم بالشكل السليم وعندها لمسنا الحاجة في الانطلاق تحت مظله علمية نظامية تكون المصدر ومحطة الانطلاق لهذه المبادرة، وتكون مركزا للتعامل المباشر مع المجتمع وقضايا العقار، وهذا هو الدور الذي تمثله الجمعية في الوقت الحالي (وقال ابن سكيت انه وبالرغم من أن القرار الرسمي لإنشاء الجمعية لم يظهر إلا في مطلع الشهر الماضي، إلا أن مقترح الإنشاء مضى عليه أكثر من خمس سنوات). وتابع ابن سكيت حديثه بأهداف الجمعية المتمثلة بتنمية الفكر العقاري وتطويره للوصول به إلى مصاف الحقول العلمية الأخرى والتي تدرس في الجامعات، بالإضافة إلى زيادة التواصل العلمي بين أعضاء الجمعية بمختلف تخصصاتهم ونشاطهم، كما أن الجمعية تهدف إلى الرقي بمستوى الأداء المهني لدى المتعاملين في القطاع العقاري وتقديم المشورة والاستشارة الفنية لجميع الأطراف ذات العلاقة والتي تحتاج للخبرات وزيادة الإمكانيات في القيام بأعمالها، ومن ثم تقوم الجمعية بتوثيق ذلك في إنتاج علمي. وأضاف الدكتور أحمد باكرمان عضو الجمعية ومدير مشروع وادي الرياض للتقنية أن الجمعية وبجانب اهتمامها بالعقار كصناعة ضخمة تحتضن رؤؤس أموال كبيرة، وحرصها على تنمية الجانب الأكاديمي، ستهتم بالجانب التجاري والاستثماري في القطاع العقاري. وقال: (إذا ما قارنا الاستثمارات العقارية بالاستثمارات في أي صناعة أخرى كالبتروكيماويات والاسمنت على سبيل المثال لا الحصر فإنها لا تقل شأناً ، ولعل إعطاء الفرد الأساسي الأولوية العظمى لامتلاك المنزل ما هو إلا مؤشر على جدوى الاستثمار في هذا القطاع الذي يمثل اكبر الأوعية الاستثمارية للفرد السعودي بجانب أسواق الأسهم ، كما أن العقار يعتبر عنصرا أساسياً في بنية المجتمع فالمدن الصناعية والمدن الجامعية والإعلامية والثقافية والطبية وغيرها من مظاهر التنمية تعتبر في الأساس عقاراً). بدوره شدد الدكتور احمد المحيميد أمين مجلس الجمعية الأستاذ المشارك بكلية إدارة الإعمال بجامعة الملك سعود في مداخلته على حيادية الجمعية كونها لا تمثل أي جهة الأمر الذي سيدفع الكثير من الجهات ذات الاهتمام بالحصول على استشاراتنا ودراساتنا والبحوث العقارية التي تعدها الجمعية. مهنة من لا مهنة له وأضاف المحيميد: (لو عدنا لنشأة قطاع العقار وتطوراته لوجدنا أنها المهنة التي أوجدت نفسها في المجتمع من خلال الممارسة واقتحام لأناس غير مؤهلين وليسوا على درجه من التعليم المتخصص في هذا القطاع, حيث يبدأ البعض بملء فراغه من خلال ممارسة المهنة مساءً بعد عمله اليومي سواء كان معلماً أو موظفاً حكومياً أو غيره بدون الخضوع لضوابط تؤهله لممارسة نشاطات العقار المختلفة، حتى أصبحت مهنة مزاولة المضاربة أو الوساطة العقارية (مهنة من لا مهنة له). وعن دورهم في الجمعية حيال هذا الواقع قال المحيميد إن تصحيح الوضع الحالي للكوادر العاملة في القطاع أحد ادوار الجمعية التي تسعى إلى رفع مستوى الوعي العقاري لدى المتعاملين عبر إقامة الندوات وعقد الدورات التدريبية والمؤتمرات المتخصصة. وزاد: (نحن في جمعية علوم العقار نعتقد أن العقار علم يدرس ويعزز بالتطبيق والممارسة السليمة كما هو الحال في جميع أنحاء العالم). فرص عمل ضائعة وشدد ابن سكيت في معرض حديثه على أن هناك آلاف الفرص الوظيفية الضائعة بسبب ضعف التأهيل والتدريب في التخصصات العقارية وغياب الكفاءات المؤهلة، وقال: (أتصور أن في مدينة مثل الرياض تكتنف أكثر من 5 ملايين نسمة وأكثر من 700 ألف وحدة سكنية وتشهد زخما في الصفقات العقارية فإنه يوجد آلاف الوظائف وفرص العمل الحقيقية والتي يجب أن تذهب للمؤهلين في علم العقار من السعوديين الأمر الذي سيصب بشكل مباشر في الصالح العام). وتابع: (يدرس علم العقار في العالم أما تحت التخطيط العمراني والذي يظهر فيه الجانب الهندسي بشكل أو تحت إدارة الأعمال). وفي مداخلة للدكتور المحيميد قال: (إن امتلاك المنزل بات الهاجس الرئيس للمواطن السعودي ويتصدر قائمة اهتماماته وأولوياته في الحياة ويستمرا لادخار لنيل هذا المطلب لسنوات عديدة فيجب أن يحظى الفرد بمعامله شفافة وواضحة من خلال تعامله مع أشخاص أكفاء ومؤهلين عقاريا وعلى دراية كافيه بتفاصيل هذا النشاط ومخولين رسميا وفق ضوابط معينة تضمن الحقوق لجميع الأطراف). واستطرد المحيميد: (قد ينقاد المشتري لامتلاك ارض بمبلغ عالي في مخطط راقٍ وبعد أن يتكبد الخسائر الفادحة لبنائها يكتشف انه بجوار منشأة تجارية كالمطاعم والمغاسل وغيره تتسبب له بالأذى بالروائح والأصوات المزعجة دون أن يكون له سابق علم بما سيحدث وذلك لغياب التنظيم والمعلومات). وهنا يقول باكرمان: يخصص أكثر من 40% من دخل الفرد لامتلاك المنزل أو استئجاره في الوقت الذي يقوم بتسويق هذا المنتج وسطاء لا يتمتعون بالكفاءة العلمية للخوض في هذا العمل وقد يتسبب جهلهم في تراكمات سلبية من شأنها إيجاد الخلل والمشاكل على المدى البعيد وقد تضيع مدخرات الفرد نتيجة التسويق السيئ أو التلاعب والتحايل وعدم الانضباط. الدخلاء على المهنة وهنا تحدث ابن سكيت: (يقوم بتسويق العقار من ليس لديهم تدريب في مواصفاته حيث تفاجأ حين تجد وسيطا يقوم بعرض منزل للبيع وهو قد لا يعلم إن كان المنزل يحتوي على عزل حراري أم لا ولا يعلم ما هو مستوى جودة السباكة والتمديدات الكهربائية ومواد البناء التي استخدمت في بنائه، ونوعية الاستخدامات النشاطات المحيطة به سواء القائمة أو المتوقعة حسب نظام تخطيط الأراضي للمنطقة المعنية. وجميع هذه المعلومات يجب أن تتوفر للمشتري بشكل شفاف ليتمكن من اتخاذ قراره بشكل سليم). وأضاف: كما أننا لو نظرنا للوضع الحالي لمسألة التثمين وأهميتها كأحد اذرع العلم العقاري والتي قد يسبب أي خطأ فيها مشاكل كبيرة خصوصا في قضايا الميراث حيث يقوم من لا يعلم قيمة المنزل الحقيقية وبالاستناد على مجرد خبرة غير مقننة بتثمين المنزل وتحديد قيمته بدون الاستناد على معلومات الملكية العقارية الإنشائية والتخطيطية ومواصفاته وتكلفته الحقيقية وأفضل استخدام لذلك الموقع. وهنا والحديث لرئيس الجمعية يجب أن تسند مهمة التثمين العقاري إلى الكفاءات المؤهلة للقيام بذلك وينبغي أن تمارس نشاطات العقار وتخصصاته وفق تخويل رسمي وضوابط محددة على غرار جميع المهن الأخرى مثل المحاسبة وغيرها ويجتذب طرف الحديث الدكتور باكرمان حيث قال: ستكون زيادة الوعي العقاري احد دوافع الأسماء المعروفة في المجال للاطمئنان على مستقبل استثماراتهم, وآن الأوان لتصحيح الأوضاع وحماية القطاع من الدخلاء ورفع مستوى كفاءته، والمساهمة في تنظيمه بالشكل السليم، مشيراً إلى أن المستثمرين أنفسهم تفاعلوا مع الجمعية حيث تضمن مجلس الجمعية عدداً من المستثمرين الذين ينشدون الرقي الأكاديمي في القطاع ويتوقون لضمان جودة تعاملاته. جاذبية الاستثمارات الأجنبية وفي سؤال عن واقع الاستثمار في القطاع في المملكة رأى الدكتور احمد باكرمان أن المملكة تعيش أفضل أوقاتها من حيث النمو العمراني وأصبحت وجهة حقيقية ونقطة استقطاب للاستثمارات العقارية في العالم. وقال إن المراقبين يرون السوق العقاري الفعلي القادم هو السوق السعودي الأمر الذي يضعه أمام تحديات كبيرة لتوفير التنظيمات والقوانين المناسبة لاستقطاب تلك الاستثمارات. وتابع باكرمان: (ينبغي أن تتوفر لدينا الجاهزية الكاملة من جميع الجوانب لاستقبال الاستثمارات التي تملك الخلفية التنظيمية والقانونية الكافية للدخول في السوق السعودي وهنا يجب علينا وضع الترتيبات والتنظيمات المناسبة بالشكل الواضح). ولفت إلى أن الوضع الحالي للتنظيمات العقارية مازال دون المستوى الأمر الذي يهدد كفاءتنا لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية الضخمة، فالقطاع بلا مرجعية واضحة، فهو لا يتبع لوزارة التجارة ولا لوزارة الشئون البلدية والقروية ولا لهيئة السياحة بشكل كامل وآن الأوان (ومن الضروري) لتجهيز الأرضية المناسبة وإلا سنفقد مكانتنا في المنافسة عالميا. وهنا تحدث الدكتور ابن سكيت قائلا: لم نتسلح بالعلم والتدريب في مجال العقار الأمر الذي تسبب في ذهاب كثير من الفرص الاستثمارية لأسماء أجنبية دخلت السوق مؤخرا، حيث أصبحت تقدم منتجات وخدمات لا تتطلب سوى التأهيل العلمي المناسب والمجتمع السعودي أحق بتلك الفرص. وهنا يشدد باكرمان في مداخلة له على أهمية قطاع العقار كونه الوعاء الأكبر استثماريا إلى جانب أسواق المال، وقال: هناك العديد من المؤشرات ذات الدلالة على ضخامة القطاع وايجابية مستقبله، فقد أصبح تدافع الشركات العقارية لدخول المنافسة ملفتا بالإضافة للانتعاش العقاري في الدول المجاورة وأثرها على المملكة. أما في الجانب السكني تحديدا فتشير الإحصائيات إلى أكثر من 50% من الشعب السعودي هم من فئة الشباب تحت 18 سنه وهذا يقودنا للتفاؤل بنجاح المشاريع السكنية التي ستستوعب هذه النسبة مستقبلا فالسوق السعودي واعد بجميع المقاييس ويتطلب التنظيم المناسب في أسرع وقت ممكن.