تصاعدت موجة الغلاء والمغالاة في الأسعار ولا سيما المواد الغذائية الأساسية ليصل إلى درجة توصف بأنها (أزمة)، ولأجل محاولة إدارة هذه الأزمة فقد حظيت باهتمام واسع على الصعيدين الرسمي والشعبي، واستقطبت الكثير من الدراسات والبحوث والتعليقات، ومن الواجب بطبيعة الحال أن يستمر ذلك ويتصاعد، لأنه يتعلّق بمقومات الحياة الأساسية للسواد الأعظم من المواطنين من جهة، ولأن موجة الغلاء هذه، والارتفاعات الكبيرة لأسعار الاحتياجات الأساسية للمواطن، مرشحة من جهة أخرى لأن تستمر. والواقع أن المشكلة ضخمة وبالغة التعقيد، لأن جذورها ومسبباتها تتداخل فيها عوامل الداخل، التي قد يمكن بأسلوب أو بآخر السيطرة عليها جزئيًّا أو كليًّا، وعوامل الخارج المتصلة باستيراد تلك الاحتياجات، ومن الصعب السيطرة عليها. وإذا كانت آراء الخبراء وذوي الاختصاص، قد اختلفت حول أساليب علاج هذه الموجات المتتالية، وهل سيكون ذلك بزيادة الرواتب أو تقديم الدعم لأسعار الاحتياجات الأساسية، أو غير ذلك من الأساليب، فإن من المتفق عليه أن المواطنين وهم المستهلكون، هم أولى الجهات بالاهتمام بالعلاج، وأحقها بالمشاركة فيه، وأقدرها على حصار هذه الموجات المتصاعدة من الغلاء، وأن علينا أن نقدم لهم الدعم بكل صوره، والتطوير السريع اللازم للأنظمة التي تحكم الجهود الشعبية في هذا المجال. وبالرجوع إلى تصريح صحفي سابق لمعالي وزير الشؤون الاجتماعية الأستاذ عبد المحسن العكاس، أفاد أن هناك توجيهًا ملكيًّا بدراسة موضوع الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، وذلك للحد من ارتفاعات تكاليف المعيشة، وتحسين الحالة الاقتصادية للمواطنين، سواء لأعضاء الجمعيات أو المستفيدين منها، ذلك أن إنشاء هذه الجمعيات الأهلية، هو الخطوة التوأم لجمعيات حماية المستهلك، التي صدر النظام الخاص بها مؤخرًا، ومن شأن كلتا الخطوتين أن تؤسس لتعميق الوعي لدى جمهور المواطنين، وتجعل منهم أكثر الأدوات فعالية، في الحد من ارتفاعات الأسعار، وفك أي احتكار لبعض السلع الاستهلاكية. وغير خافٍ أن هذه الجمعيات تقوم عادة في المجتمعات الحديثة، ليس بمراقبة جودة المواد وأسعارها، بل تراقب أيضا توفر خدمات ما بعد البيع، وهي مشكلة يعاني منها الجمهور بصمت، وقد آن الأوان للجمعيات الاستهلاكية، وجمعيات حماية المستهلك، أن تقوم بدورها الأساسي في مراقبة الأسواق بكل جوانبها، واستيفاء حقوق المواطن المستهلك، كما نصّت عليها الأنظمة. كما أن دورا بارزا قد يصب في نفس الاتجاه تتبناه الجمعيات الخيرية على اعتبارها جهات غير ربحية، وأنها على اتصال وثيق ومباشر بالطبقة الفقيرة الأكثر تضررا من تداعيات موجة الغلاء. أما على الصعيد الرسمي فقد بدا الاهتمام الكبير واضحا من الدولة بمواطنيها والمقيمين فقد أعلنت مؤخراً حكومة خادم الحرمين الشريفين عن دعم سلع غذائية أساسية من أبرزها الرز والحليب، إضافة إلى خطوات وقرارات في اتجاهات أخرى تصب أيضا في خانة خفض الأسعار، هذا على الصعيد المحلي أما على الصعيد الخليجي فما زالت الخطوات تتسارع فقد أقر مسؤولون خليجيون توصيات عدة لمعالجة ارتفاع أسعار السلع خلال اجتماع وكلاء وزارات التجارة في الرياض فقد أقروا توصيات فريق العمل المكلف بدراسة ظاهرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية وذلك تمهيداً لإقرارها بشكل نهائي من قبل وزراء التجارة في اجتماعهم المقرر خلال مايو المقبل، ومن المقترحات التي توصل إليها الفريق المكلف ضرورة تبني المجلس استراتيجية المخزون الغذائي وإيجاد الآليات لكيفية معالجة هذه الظاهرة وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار مباشرة في المشروعات الغذائية وكذلك الاستثمار في الدول ذات الميزة النسبية العالية في بعض السلع المهمة والمصدرة للمواد الغذائية كاستراتيجية لدول المجلس. إلى ذلك اعتبر مجلس الغرف السعودية على لسان رئيس مجلس إدارته الأستاذ عبدالرحمن الراشد، أن أمام الحكومة خياراً جيداً وعملياً لمواجهة أزمة الغلاء محلياً في المواد الأساسية والتخفيف عن شريحة واسعة من المواطنين، مبيناً أن هذا الخيار يتمثل في قيام الحكومة بمنح المواطنين المتدنية مدخولاتهم الشهرية بطاقات تموين تقدم لهم السلع الغذائية بأسعار رخيصة. وقال الراشد: إن الدعم الحكومي قد يكون مفيداً إذا كان مباشراً ومحدداً لفئة وشريحة معينة تكفلها الدولة حتى لو كانت نسبة تلك الشريحة كبيرة من المواطنين، مضيفاً: (أصحاب المداخيل المتدنية لا يستطيعون الحصول على ما يحتاجون إليه بسبب الغلاء.. والخيار المطروح قد يكون حلاً جذرياً لتخفيف معاناتهم). وتابع الراشد: (البطاقة التموينية ستجنب الطبقة الفقيرة مخاطر ارتفاع أسعار السلع، داعياً في الوقت نفسه إلى تعديل النمط الاستهلاكي ليتواءم مع القدرة الشرائية للفرد). وبدا الراشد مقتنعاً بشكل تام بالمبررات التي ساقتها وزارة التجارة والصناعة وقبلها التجار حول موجة غلاء الأسعار التي طالت جميع المنتجات سواء ذات المنشأ السعودي أو المستوردة، مؤكداً أن ما يحدث في الأسواق يعدّ موجة اقتصادية ناتجة عن ارتفاع غير مسبوق للنفط وتعديل في أنماط السلوك الاستهلاكي في الدول المصدرة للمنتجات الغذائية، إضافة للتغيرات في السياسات النقدية. وأكد أن ارتفاع النفط ساهم في ارتفاع المواد الأولية وأجور الشحن، مشيراً إلى أن النفط ومشتقاته تدخل عنصراً مهماً في الصناعة سواء كانت مواد غذائية أو زراعية. من جهته أعرب أحد المتسوقين عن قلقه من الارتفاعات المتصاعدة للأسعار واعتبرها مما ينغص العيش وأنها لا تتناسب إطلاقا مع الراتب الذي يتقاضاه، مؤكدا على أن الدولة لها خطوات حثيثة في كبح جماح الأسعار من خلال سن قوانين وتقديم الدعم إلا أن التجار يتذرعون بأن هذا الارتفاع يرجع إلى موجة الغلاء العالمية التي تشتكي منها جميع دول العالم بسبب التضخم وانخفاض قيمة الدولار. كما أعربت إحدى المتسوقات عن غضبها من استغلال بعض المراكز التجارية لموجة الغلاء تحت مظلة محاربة الغلاء والبيع بأسعار قد تزيد 30% عن مراكز أخرى لنفس الصنف من البضاعة، ما يجعل الأمر أشبه بالفوضى. وفي الجهة المقابلة يؤكد التجار أن السلع ولاسيما المواد الغذائية الرئيسة ارتفعت في الآونة الأخيرة ما اضطرهم إلى رفع السعر، وأن هامش الربح بسيط جداً وجميع السلع متوفرة دون استثناء مؤكدين أن السلعة عرض وطلب نافين وجود استغلال من جانب التجار وأن الزيادة عالمية فارتفاع السلعة من بلد المنشأ إضافة إلى تكاليف الشحن هو السبب الرئيس في ارتفاع الأسعار.