في مكةالمكرمة، وبجوار بيت الله الحرام، وفي البقاع الطاهرة التي عطَّرها نزول القرآن الكريم على أفضل الأنبياء والمرسلين، تم افتتاح المؤتمر الثاني للأوقاف الذي دعت إليه جامعة أم القرى بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. مؤتمر حافل بالبحوث المتعددة التي عالجت موضوع (الوقف) قديماً وحديثاً معالجة شاملة، وتضمنت عدداً من الاقتراحات للتطوير، وعدداً من طرائق العلاج لبعض المشكلات التي تعاني منها الأوقاف في عالمنا الإسلامي. وبالرغم من أن طرح مشكلات الوقف قد أخذ مساحة أكبر من مساحة الحلول والنظرة المستقبلية، فإنّ إثراء الجلسات بالمداخلات والمناقشات قد فتح كثيراً من الآفاق في هذه القضية المهمة. لقد اتفق الباحثون على ضرورة علاج المشكلات، وتطوير الأدوات، وتسهيل الإجراءات القضائية المتعلِّقة بالوقف، وإعادة النظر في شروط الواقفين، وفي مسؤوليات (النُظَّار) الذين يقومون بالإشراف على الأوقاف، وأكَّدوا أنَّ ذلك مهم جداً في هذه المرحلة التي بدأت فيها حكومات العالم العربي والإسلامي ترفع عن كاهلها كثيراً من الخدمات التي كانت تقوم بها في مجال المصالح العامة، وذلك (بخصخصة) تلك الخدمات وتحويلها إلى ما يشبه الشركات التي تقوم بهذا الدور، كما هو الشأن في الدول الغربية التي أناطت الخدمات العامة بالقطاع الخاص منذ زمن بعيد. (والوقف) بصورته الشرعية المعروفة عمل إسلامي بحت كما أشار إلى ذلك الباحثون في المؤتمر، لم تعرفه أمة قبل الأمة الإسلامية. وهو مع ذلك يعاني من كثير من المشكلات بسبب ما حدث من إهماله فترة من الزمن، وتركه بلا دراساتٍ جادَّةٍ تساعد في تطويره والرُّقيِّ به. لقد طرحت بحوث المؤتمر حلولاً كثيرة، واقتراحات ممتازة في مجال الصناديق الوقفية المعاصرة، ومجال الوقف الذهني المتعلِّقة بحقوق الملكية الفكرية والثقافية، وتلبية احتياجات المجتمع بتوجيه مصارف الأوقاف نحوها، وضبط تصرُّفات النظَّار من قبل القضاء الشرعي، وموضوع ولاية الدولة على الوقف بدراسة المشكلات والحلول لها. كما تناولت البحوث موضوعات الوقف المؤقت للنقود لتمويل المشروعات الصغرى للفقراء، ووقف المنافع، وكتمان الوقف واندثاره، ومخالفة شروط الواقفين. وكان من أهم الموضوعات المطروحة موضوع المقارنة بين نظام الوقف الإسلامي والنظم المشابهة في العالم الغربي، والعلاقة بين الوقف ومنظمات العمل الأهلية مع طرح صيغ جديدة للتكامل وعرض نماذج واقعية لذلك، واقترح نماذج لتحويل المشروعات الوقفية الى جهات مانحة، وإدارة الأوقاف على أسس اقتصادية مع الإشارة الى دمج الأوقاف الصغيرة. وقد طرح مشروع شركة مكة للإنشاء والتعمير نموذجاً لذلك. وتناولت بعض البحوث موضوع المؤسسات الوقفية الأجنبية المعاصرة وإمكانات الإفادة من بعض تجاربها وأساليبها الحديثة. وقد أقيمت ندوتان مصاحبتان للمؤتمر إحداهما بعنوان (الإسلام والوطنية) والأخرى (الإسلام وواقع المسلمين)، تحدَّث فيهما بعض العلماء والمفكرين عن قضايا كثيرة تهم المسلمين في هذا العصر الذي تكالبت عليهم فيه الأمم كما هو مشاهد ملموس في العالم كلِّه، وفي العالم العربي بصفة خاصة. لقد حظي المؤتمر بشرف الموضوع، وشرف المكان، وشرف الزمان في أشهر الحج، ونرجو أن تحظى توصياته بشرف التطبيق. إشارة: الأمة المسلمة قوية بطاقاتها، وإنما تحتاج إلى جمع الشمل، والعمل الجاد.