(الجمعيات التعاونية الزراعية) خطوة رائعة بدأت مع بداية النهضة الزراعية في بلادنا، وهي تقوم على مبدأ التعاون والتكاتف بين المزارعين، وخصوصاً الصغار منهم. ومبدأ التعاون هذا له نتائج باهرة جداً لا يمكن تصورها ولا يمكن تعداد فوائده الكبيرة التي يمكن أن تنتج لنا نهضة زراعية تفوق كل التوقعات. يجب نفض الغبار عن هذه الجمعيات من جديد وبداية بنائها من جديد.. وأن تكون هذه الجمعيات تحت إشراف وزارة الزراعة مباشرة.. ولعلّي أعرف مدى تفاني وإخلاص وجهد معالي وزير الزراعة الدكتور فهد بن عبد الرحمن بالغنيم وحديثه عن ضرورة دعم هذه الجمعيات والنهوض بها.. وهو رجل فريد من نوعه قلّ أن يتكرّر مثله في فكره وجهده وتواضعه وإخلاصه؛ فقد عرفته أستاذاً لي في قسم الهندسة المدنية بكلية الهندسة بجامعة الملك سعود؛ فهو يتميز بالواقعية والإخلاص والصدق والنصح والتواضع الجم الذي يكسر الحاجز الرهيب بين الطالب وأستاذه، وأراه حالياً يقوم بكسر الحاجز بين المزارع ووزارة الزراعة، وأراه حالياً يقوم بجولات مستمرة لأخذ آراء المزارعين ومعرفة همومهم وآرائهم وبحث مشكلاتهم في كل مناطق المملكة، فمرة في الجوف، ومرة في الأحساء، ومرة في القصيم، ومرة في نجران، وغيرها من مناطق المملكة. ولعل موضوع دعم الجمعيات التعاونية الزراعية يستحوذ على اهتمام معالي الوزير.. فهذه الجمعيات هي دعم ذاتي يمكن أن يؤازره البنك الزراعي العربي السعودي، بل إنها يمكن أن تقوم بدور يفوق ما يقوم به البنك الزراعي؛ نظراً للنتائج الباهرة التي يمكن أن تُجنى من هذه الجمعيات في حال تأسيسها بطرق إدارية ومالية صحيحة وناجحة. وأرى أن تتدخل وزارة الزراعة ومديريات الزراعة في المناطق لتشكيل هذه الجمعيات وطريقة المساهمة بها والعائد على كل مزارع من جرّاء المساهمة بهذه الجمعيات كما يلي: 1- أن يكون هناك انتخابات لمجالس هذه الجمعيات في كل محافظة أو مدينة أو قرية؛ حتى يشارك جميع مزارعي هذه المحافظة في الانتخابات، وأن يتم وضع أسس لهذه الانتخابات كأن يكون رئيس مجلس الإدارة هو من يقدّم القسط الأكبر من المساهمة برأس مال الجمعية، أو من يقوم بجهود كبيرة لدعم الزراعة والمزارعين أو من يتّفق المزارعون على إدارته. 2- يجب ألا يكون الهدف الربحي هو الذي تقوم عليه هذه الجمعيات؛ فهي ليست مؤسسات تجارية، وإنما يكون هدفها دعم المزارعين وتسهيل الخدمات لهم بدلاً من البحث عن مشروعات ربحية، فمثلاً يمكن أن يكون الهدف من أموال المساهمين هو إقامة مشروع زراعي، وهذا بطبيعة الحال شيء خاطئ، أو إقامة مشروع استثماري كبير، وهذا شيء خاطئ أيضاً ينأى بهذه الجمعيات عن هدفها، وهو (التعاون)، الذي قامت على أساسه. 3- يمكن أن يكون لهذه الجمعيات مشروعات استثمارية تفيد المزارعين أنفسهم وتدرّ ربحاً على المساهمين منهم في هذه الجمعيات، وأعتقد أن ما يناله المزارعون من خدمات هذه الجمعيات يفوق بشكل كبير الأرباح التي يمكن أن تعود من هذه الأنشطة.. ويمكن أن يكون الهدف الأساسي من هذه الأنشطة الاستثمارية للجمعيات هو هدفاً تشغيلياً لأنشطتها؛ أي سداد تكاليف رواتب عمالة وموظفي الجمعيات وإدارتها. ويمكن اقتراح عدد من المهام والمشروعات التي يمكن أن تقوم بها هذه الجمعيات والميزانية المقترحة لها عن طريق المساهمات فيها: أ- يجب أن تقوم وزارة الزراعة بتشجيع قيام هذه الجمعيات التعاونية الزراعية عن طريق دفع إعانة سنوية لها لا تقل عن مليون ريال لكل جمعية من هذه الجمعيات وحسب أنشطة كل جمعية ومساهمتها في الاقتصاد الزراعي، والأهم من ذلك هو قيام وزارة الزراعة بتأسيس مقارّ لهذه الجمعيات قبل البدء في تأسيس إداراتها كشراء أرضٍ لها وتأسيس مبنى أو استئجار مبنى لها وتسليمه إلى إدارة الجمعية والإشراف على انتخاب مجالس إداراتها. ب - بعد الخطوة (أ) يقوم مجلس الإدارة بفتح المجال للعضوية لهذه الجمعيات، ومعنى العضوية هو الحصول على خدمات هذه الجمعيات، وأن تكون هذه العضويات على مستويات؛ فمثلاً العضوية الذهبية لمن يساهم بمبلغ 10.000 سنوياً، والعضوية الفضية لمن يساهم بمبلغ 5.000 سنوياً، والعضوية الشرفية لمن يساهم بما هو أقل من 5.000 سنوياً، وكل فئة من هذه الفئات لها خدمات معينة أو أسعار خدمات مخفضة، لمن يقدم عضوية ذهبية مثلاً يتم نقل رد السماد أو الرمل له بمبلغ 20 ريالاً، والفضية بمبلغ 40 ريالاً، والشرفية بمبلغ 50 ريالاً.. أو أن يحصل على البذور سنوياً وكل جديد في هذه البذور.. أو أن يحصل على خدمات تنسيق وجذاذ النخيل مجاناً، أو للعضوية الذهبية عدد معين من النخيل يتم خدمتها سنوياً، وهكذا. ج- لو افترضنا أن عدد المزارعين الذين سيتقدمون للعضوية بإحدى هذه الجمعيات هو 1000 مزارع، ومبلغ العضوية متوسطه 7000 ريال سنوياً، فمعنى هذا أن الميزانية السنوية لا تقل عن 7 ملايين ريال، فلو فرضنا أن التكاليف التشغيلية تقرب من مليون ريال (رواتب وخدمات ونقل وسفريات) تتكفل بدفعها وزارة الزراعة والمياه ويتم توزيع الميزانية السنوية كما موضح بالجدول: ومن هنا يتضح من هذه الميزانية على الرغم من أنها ميزانية مفترضة وليست دقيقة أنها توضح أثر (التعاون)، وخصوصاً في المجال الزراعي؛ نظراً لأنشطته المتعددة. وبالطبع سيلاحظ المزارع (العضو) في هذه الجمعيات أنه وإن لم يتم توزيع أي أرباح عليه فإنه هو المستفيد الأول من خدمات هذه الجمعية، فكلما زادت مساهمته زادت فائدته وتوفيره للمبالغ الطائلة التي يصرفها على المعدات الزراعية وصيانتها وعلى خدمات المزارع.. فعلى سبيل المثال سيلاحظ أن حصوله على خدمة معدة زراعية (تعمل لديه 1000 ساعة مثل القريدر) ستكلف 100.000 ريال إذا كان إيجار القريدر 100 ريال/ ساعة في حال استئجاره من خارج الجمعية، وإذا كان عضواً ذهبياً سيحصل على هذه الخدمة بمبلغ 50.000 ريال إذا كان إيجار العضو الذهبي 50 ريالاً/ ساعة. وبهذا فهو قد وفّر ما يزيد على 50.000 ريال مقابل عضويته بمبلغ 10.000ريال، وهو شيء لا يمكن أن يلاحظه معظم المزارعين، وهو شيء أساسي يجب أن تقوم على أساسه هذه الجمعيات التعاونية؛ إذ توفر مبالغ طائلة يمكن أن يدفعها هذا المزارع مقابل الخدمات الزراعية التي تُقدَّم له، كما أن بحثه عن هذه الخدمات في حد ذاته يكفي لقناعته بأهمية مثل هذه الجمعيات. ج- يجب أن تقوم مثل هذه الجمعيات بخدمات تساهم في الأمن الغذائي، إضافة إلى خدمة المزارعين والتكاتف والتعاون فيما بينهم.. ويمكن أن تكون هذه الخدمات بمشروعات استثمارية؛ مثل إقامة سوق للخضار والتمور التي يتم زراعتها زراعة عضوية، وتشجيع الزراعة العضوية في هذا المجال، كأن تقوم هذه الجمعية بنقل الأسمدة العضوية لمن يريدها من المزارعين مجاناً، وبهذا سيكون هناك إقبال منقطع النظير على الزراعة العضوية.. وألا تنظر الجمعية إلى الربح الذي ستجنيه في مقابل نقل هذه الأسمدة إلى المزارعين؛ حيث إن ذلك سيساهم في دعم الاقتصاد الوطني.. ماذا لو قامت هذه الجمعيات بإقامة مبنى أو مظلة في كل محافظة لبيع الخضراوات التي تزرع زراعة عضوية؛ مثل (الطماطم، الخيار، الجزر، البطاطس، الباذنجان، الكوسة، القرع)، وأن يتم استئجار محل في هذا المبنى من قبل كل مزارع عضو يقوم بالزراعة العضوية كشرط أساسي للحصول على محل في هذا المكان لبيع منتجاته الزراعية. د- يجب أن تفكر وزارة الزراعة جدياً في دعم هذه الجمعيات بالتعاون مع البنك الزراعي؛ فإن دعمها فكرة رائدة ستوفر كثيراً من الأموال على الوزارة وعلى البنك الزراعي، فلو فرضنا أن هناك 10 مزارعين يريدون الحصول على ذرّايات فنجد أن دعم الجمعية مجاناً بذراية واحدة أو أكثر تقدّم خدماتها الرمزية والقليلة التكاليف لكل هؤلاء المزارعين سيمكن الوزارة من تقديم عدد كبير من المعدات الزراعية التي يشتريها أحد المزارعين وتظل لديه دون أي عمل، بل إنه ينفق أمواله لشرائها دون طائل.. واشتراكه في عضوية هذه الجمعية سيدعمه ويدعم الاقتصاد الوطني أيضاً. 4- بعد تأسيس هذه الجمعيات يمكن توسيع خدماتها بشكل أكبر؛ كإيجاد ورشة لصيانة المعدات الزراعية لأعضاء الجمعية؛ حيث إن الصيانة للمعدات الزراعية وأعمال التركيبات، وخصوصاً المضخات والأنابيب والرشاشات المحورية، تشكل عائقاً أمام كثير من المزارعين في تطوير أعمالهم وإنتاجهم؛ نظراً إلى ضخامة تكاليف التشغيل والصيانة؛ حيث تخضع هؤلاء المزارعين لجشع أصحاب المؤسسات الزراعية المختصة في التشغيل والصيانة. 5- يجب أن تساهم هذه الجمعيات في التثقيف الزراعي والإرشاد الزراعي بدلاً من الدور الرسمي الباهت الذي تقوم به وزارة الزراعة ويكاد يختفي.. يمكن أن تقوم هذه الجمعيات بتنظيم ندوات للمزارعين عن كيفية الري السليم والترشيد في استخدام المياه وما تحتاجه كل نبتة من المياه يومياً بدلاً من السحب الهائل والزائد للمياه دون أي فائدة، بل إن هذا السحب يضرّ النبات في كثير من الأحيان. وفي رأيي فإن الترشيد المهم الذي كان يجب أن تقوم به وزارة المياه هو في ترشيد استخدام مياه الزراعة التي تستنزف أكثر من 90% من المياه مقابل 10% في الاستخدام المنزلي الذي شنّت له وزارة المياه حملة إعلامية كبيرة كان يجب توجيه ولو جزء يسير منها إلى مياه الزراعة، كما يجب القيام بحملة كبيرة لإقناع المزارعين بالمساهمة في هذه الجمعيات عن طريق إمارات المناطق ومجالس المناطق ومحافظي المحافظات ومديريات الزراعة والمياه، وأن يكون الاتجاه مستقبلاً لتأسيس مثل هذه الجمعيات للمساهمة في الأمن الغذائي وفي ترشيد استهلاك المياه ووضع كثير من المهام عن كاهل وزارة الزراعة، ولعل عند معالي وزير الزراعة الدكتور فهد بالغنيم الخبر اليقين.