لا تخجل يا قلمي ولا تبخل بأن تسطر أجمل الذكريات قبل أن يرحل، بأن تبين جميل الصفات والأخلاق النبل.. بأن تخبر الجميع بما قد فعل، لله دره ابتلي بالأمراض فصبر فزادت عليه فشكر وأقعده على الفراش فاحتسب، لم أره قد تضجر لم أره قد تململ ولا تسخط، مرت عليه أعاصير من الشدائد والمصاعب منذ بداية حياته فقاومها فتغلب، كان مثالاً يحتذى به ومنارة يهتدي بها في كل شيء وأولها حرصه الشديد على صلاة الجماعة حتى عندما ثقلت خطاه وزاد ألمه وتعبه، ذكرناه بأن الله قد رخص له الصلاة في البيت لكنه رفض وبشدة وأصرّ على الذهاب للمسجد فأقنعناه بالذهاب بالسيارة ففعل، وكان إذا تأخر من سيذهب به دقيقة واحدة ذهب بنفسه وكأنه لا يشكو من شيء، سبحان الله ما هذه العزيمة وهذا الإصرار. وفي أوج مرضه وتعبه لم يتكاسل أو يتهرب عن بناء المسجد الذي قد تكفل به فيذهب ليشرف على العمل بنفسه وينتقل من محلٍ لآخر ليشتري ويختار الأنوار والسجاد. لم يترك الصيام في رمضان لكن عندما زاد ألمه وأصبح يحتاج إلى المغذي والمسكنات رفض الأطباء صيامه ففعل، كان -رحمه الله- راضياً بالقضاء والقدر حريصاً على الأخذ بالأسباب والاتكال على الله لم يعارض الأطباء في أي شيءٍ من إجراء عملية أو أخذ علاج أو مكوث في المستشفى ولو لأشهر فقد أجريت له خمس عمليات في عشرة شهور، كان - رحمه الله- حريصاً على صلة الرحم وحضور الجنائز، يزور هذا ويعود ذاك وفي الأصل هو من يحتاج للزيارة. رحمه الله وغفر له لم يمهله المرض طويلاً، انتشر بسرعة وقضى على رئتيه وانتهى الأوكسجين عنه وانتهت معه حياته في يوم الأحد 16 من رمضان 1427ه الساعة السابعة صباحاً، فقدت بعدها كل شيء قد اعتدت عليه، فقدت ذلك الإنسان العظيم المستلقي على ذلك الفراش وسماعنا لسعاله كل لحظة.. فقدت تكليف أبي لي بأن أملأ له ثلاجة الماء كل فترة، فقدت رنين هاتفه المميز، فقدت جلوسنا معه على الغداء والعشاء، فقدت ترددنا على المستشفى لزيارته، فقدت ذلك الإفطار الذي نأخذه معنا له في المستشفى.. وقبل ذلك كله فقدته (هو)، نظرت إلى فراشه إلى بقية ملابسه إلى سيارته التي لم يحركها منذ شهر علمت بعدها يقيناً أنه قد رحل، التفت إلى الكمية الهائلة من أدويته شدني شيء غريب متربع بينها، أخذته فإذا هو (مسجل)، فتحته، إذ بداخله شريط كُتب عليه، (سورة التوبة سعود الشريم). اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه واكرم نزله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم أبدله بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً واجعل اللهم ما مضى عليه تكفيراً لذنوبه ورفعة في درجاته اللهم افسح له في قبره وانره له واجعله روضة من رياض الجنة وصبرنا اللهم على فراقه واجمعنا به ومن نحب ومن يقرأ في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا واجعل اللهم حب الناس له في الأرض علامة على حبه وقبوله في السماء، اللهم اجزِ والدي وأعمامي وعماتي وكل قريب على ما قدم الأجر العظيم والثواب الجزيل، واجزِِ اللهم كل من زاره في مرضه أو صلى عليه وتبع جنازته ودعا له وعزانا فيه بعد موته من محبيه ومن أمراء ومسؤولين خير الجزاء، وأخص أبناء العم سليمان وعبدالرحمن الصالح الشبيلي ومحافظ عنيزة والمشرف العام على مستشفى الملك سعود. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين.. { إنا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }