تحاورت مع قلمي، ودخلنا في جدال وهو يحترق للأحداث الراهنة، وأنا كذلك حزين ومتألم، قال لي: اكتب عن مصائب الأمة والشعب الذي قتله اليهود في فلسطين ولبنان، قلت له: غيري كتب وشجب وصرخ وندد فليس لي مزيد، قال لي: ألا يحزنك لغة الحوار الهمجية التي يستخدمها الصهاينة مع اللبنانيين والفلسطينيين؟ قلت له: بلا، والله تحزنني هذه اللغة الهمجية المتخلفة، إنها لغة المدفع والرشاش، قال لي: عندي رأي جميل، قلت له: تفضل، فقال: سمعت عن الحوار مع الآخر، فلماذا لا نعلمه الصهاينة حتى يكفوا عن ذبح إخواننا في فلسطين ولبنان؟ ويسترجعون الجنديين المخطوفين عن طريق الندوات والمؤتمرات والجمعيات الخيرية، قلت له هؤلاء القوم يسوقون هذا الكلام للاستهلاك وإلهاء الشعوب، وإلا فهم لا يعرفون إلا لغة القوة والسلاح، انظر إلى الداعم القوي الوحيد للصهاينة (شرطي العالم)، كم احتل من أراض للمسلمين بقوة السلاح والعنف والإرهاب، ولم يتخذ منطق الحوار والنقاش قال لي: فما بال بعض اخواننا من الكتاب شغلونا ب(الحوار مع الآخر) وقالوا لنا: كونوا هينين لينين مع الآخر ودرسوا معتقدهم وثقافتهم في مناهجنا، وقالوا لنا: استبدلوا الكلمة التي نعتهم الله بها بكلمة (الآخر) حتى لا نجرح مشاعرهم، قلت له: هؤلاء الكتبة - وفقهم الله - الآن تقطر وجوههم خجلا لأن الآخر أخلف وعوده وفضحهم أمام العالمين، واكتشفوا انهم مبشرين للخراب والدمار وليس للديمقراطية و(الشرق الأوسط الجديد) فالواقع يقول انه: (الشرق الأوسط للحديد والنار) قال لي: إذا ما قصدهم بالحوار مع الآخر؟ قلت له: الخضوع والخنوع للآخرين، وإعجاب مزر بالآخر قصدوا أو لم يقصدوا، قال لي: الآخر لا يعرف لغة الحوار الراقية، فكيف نعامله بها؟ قلت له: هكذا يريدوننا أن نلغي عقولنا ومبادئنا، ونكون إمعات تابعين للآخر؟ قال لي: سئمت من هذا الكلام، أريدك أن تشجب العدوان الصهيوني، قلت له: إن لم تكن قويا فلن يسمع أحد صوتك وشجبك، والظالم لا يهمه صوت الضحية، قال لي: كيف نكون أقوياء؟ قلت له: نحن أمة، ولا يمكن أن نكون أقوياء في مواجهة الأمم الظالمة بقوة أفراد قليلين إنما بقوة الأمة بأجمعها، أمة العرب المسلمة لا تملك نصف قنبلة نووية، ولا ربع وحدة عربية إسلامية، ولا ثمن قوة علمية ولا عشر عقلية واحدة، قال لي قلمي: هذا شيء مخيف، كيف يستجيب الآخر لصوتنا؟! قلت: وما خلف (الكواليس) أخوف، فكيف تريد من الأمم الأخرى أن تسمعنا ونحن لا نملك أي نوع من أنواع القوة المادية، فأصواتنا شتى، وصراخنا في كل اتجاه والضجيج ينطلق من زوايا كثيرة، قال لي: إذا ما الحل؟ قلت له: الحل ان تجتمع الأمة العربية والإسلامية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتتوحد القلوب والأعمال والأقوال عليهما، وأن نسعى لامتلاك جميع أنواع القوة ونستخرج كنوز الأرض بأنفسنا ونضع الحضارة بسواعدنا لا بسواعد غيرنا ولا مانع من الاستفادة من الآخرين وأن ننشئ أجيال الأمة الإسلامية والعربية على الوحدة والكيان الواحد، ونضع لهذا الهدف منهجا موحدا يدرس في جميع مدارس العالمين الإسلامي والعربي، وأن نزيح اللثام عن العقول الخلاقة والبارعة ونعطيها المجال الرحب الفسيح لتنير للأمة دروب الرقي والتقدم، وألا نعتبر الإبداع خيانة، وأن نبني علاقاتنا من الآخرين على مبادئ الشريعة الإسلامية، وهي بلا شك تستوعب كل متطلبات العصر وتعقيداته وطرائق تعاملاته، التفت إليّ قلمي صارخاً وقال: أقول لك استنكر العدوان الصهيوني على الشعب المسلم في فلسطين ولبنان، وذهبت لتغرق في أحلامك الوردية!! قلت لقلمي الغضبان وفي هدوء: ما قلته هو ما اعتقده، فمهما كانت نواياك حسنة وأخلاقك عالية ومبادئك رفيعة فسوف تحتاج أحيانا للقوة الرادعة ليحترم الآخرون كل صفات النبل فيك، وأخيراً قال لي في حسرة: لقد أكثرت عليّ من ذكر القوة، قلت له: لقد أوصانا الله العليم الخبير بها عندما قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} فاليهود أعداء الله قالوا {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ} وهم أعداء المسلمين، فهل لدينا قوة نرهب بها عدو الله وعدونا من الصهاينة المعتدين ومن يقف خلفهم؟ قال لي: معك حق لن يفيد الشجب والاستنكار ما لم يكن هناك قوة، فقام وانصرف وقال: سأذهب لكتابة أسباب القوة وارجع إليك فقلت له: سأنتظر حتى تأتي بها، وقد يعجل الله بالقوة للأمة قبل مجيئك حينها يكون للكلمة وزن وللتصريح صدى.