تذكرت مقولة الإمام أحمد - رحمه الله - حينما قال: (موعدهم الجنائز)، تذكرت ذلك حينما رأيت الجموع الغفيرة التي حضرت للصلاة على الفقيد الغالي أبي مقبل سليمان بن مقبل الملحم الذي ودعته محافظة الزلفي عصر يوم الخميس 27- 4-1427ه. لقد اكتظ المسجد بالمصلين، وصلت عليه جموع غفيرة في المقبرة قبل دفنه، ثم صلت عليه جموع كبيرة بعد دفنه، وتبين ما يكنه أبناء المحافظة وغيرهم ممن حضروا من الرياضومكة والدمام والقصيم والمجمعة وغيرها من مملكتنا الغالية.. تبين ما يكنه هؤلاء من حب ووفاء لهذا الرجل الذي كرّس حياته مكافحاً من أجل لقمة العيش، ووفق لمشاريع خيرية تجمع بين الدنيا والآخرة مثل رحلات الحج والعمرة، ونقل الطلاب والطالبات إلى الكليات، وكذا التسجيلات التي بث من خلالها دروس وفتاوى علمائنا ومشايخنا، وخصوصاً دروس فتاوى الشيخين - رحمهما الله تعالى -، والشيخ صالح الفوزان، وغيرهم من أهل العلم. ولقد عرفت أبا مقبل كريما بشوشاً يتهلل وجهه بشراً، عاش حياته لغيره، فقد كافح وجدّ واجتهد لنفع غيره، وقد وقفت على بذله للأيتام والفقراء، فكم مسح من دمعة يتيم، وكم حجّ من أشخاص على حسابه، وأما العمرة خلال العام وفي رمضان فلا تسل عن الأعداد الكبيرة من الذين يؤدونها على حسابه. وكان يقول لي: لا تحرموني من فعل الخير، وأعينوني على ذلك، ولكم أجر ما تدلون عليه من الخير. أذكر أن أحد الحجاج قبل سنوات ونحن في عودتنا من مكة، قال رغم ما يبذله أبو مقبل من تعب وعناء في الحج إلا أنك لا ترى على وجهه إلا الابتسامة، وهذا ما جعلنا نحبه وندعو له في عرفات دعاء خاصاً لا يعلم عنه. سمعت أحد العمال القدامى في المؤسسة يقول: كل من يتعامل معه هم يتامى بعده، وقال لي يوم الخميس قبل دفنه: أشهد أنه كان يكفل الأيتام، ولا يريد أن يعلم عن ذلك أحد. لقد مضى أبو مقبل بعد حياة ملؤها الكفاح، مضى لما جاء أجله، فنهاية هذه الحياة الموت، وهو حقيقة قاسية رهيبة تواجه كل حي، فلا يملك لها رداً، وهي تتكرر في كل وقت، يموت الكبار والصغار، والعظماء والأخيار والأشرار، يموت الصالحون فيخلفون وراءهم عملاً صالحاً يذكرون به، ويموت العظماء فيخلفون وراءهم ما يشهد لهم، وصدق الله العظيم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، الكل يموت، لكن الفرق بين الناس في المصير والمآل {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}، ولله درّ الحسن البصري حين يقول: فضح الموت الدنيا فلم يبق لذي لب فرحاً. ودعنا أبو مقبل وقلوبنا تلهج له بالدعاء بالمغفرة والرحمة وأن يسكنه فسيح جناته، ويجمعنا به ووالدينا في دار كرامته، وأن يجعل البركة في ذريته ووالديه وإخوانه، وكل من يحبهم ويحبونه. ودعناه ولسان الجميع يلهج بقول القائل: فلو كان يفدى بالنفوس وما على لطبنا نفوساً بالذي كان يغلب ولكن إذا تم المدى نفذ القضا وما لامرئ عما قضى الله مهرب ودّعناه ونحن نردّد: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله الذي قدر الآجال والأعمار، ودعناه ونحن نأمل بحول الله وقوته أن يكون خلفه على مستواه عطاءً وبذلاً وإنفاقاً في وجوه الخير، رحم الله الفقيد ورفع درجاته في المهديين وأسكنه ووالديه عالي الجنان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.