أنعم الله جل وعلا على نبيه - صلى الله عليه وسلم - بتوفيقه للاتصال بمكارم الأخلاق وكمال النفس وجميل الخصال. و{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(4) سورة الجمعة، ولقد أثنى الله عليه بما تحلى به من جميل الصفات وذلك في كتابه العزيز حيث قال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(4)سورة القلم، ولما سُئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: (كان خلقه القرآن). قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين تقوى الله وحسن الخلق. لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه. وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه. فتقوى الله توجب له محبة الله. وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته). ولو رجعنا سوياً إلى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلبنا شيئاً من صفحاتها المشرقة المليئة بالإيمان والعدل والخير للبشرية جمعاء لوجدنا أمثلةً شتى وعبراً كثيرة. لأنه عليه الصلاة والسلام امتاز بكمال الإيمان والعدل والخلق العظيم بما لا يحيط بوصفه. وكان من أثر ذلك أن القلوب فاضت بإجلاله. والرجال تفانوا في حياطته وإكباره بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره. نعم أيها الإخوة إنه محمد - صلى الله عليه وسلم - اسم على مسمى، علم على رمز، ووصف على إمام، جمع المحامد وحاز المكارم والقيم. وتفرد بالمُثل وتميز بالريادة. محمود عند الله لأنه رسوله المعصوم ونبيه الخاتم وعبده الصالح وصفوته من خلقه وخليله من أهل الأرض. ومحمود عند الناس لأنه قريب من القلوب حبيب على النفوس. رحمة مهداة. ونعمة مسداة مبارك أينما كان. محفوف بالعناية أينما وجد. محاط بالتقدير أينما حل وارتحل. حمدت طبائعه لأنها هُذِّبت بالوحي. صاحب الحوض المورود. واللواء المعقود والمقام المحمود. صاحب الغرة والتحجيل. المذكور في التوراة والإنجيل. المؤيد بجبريل حامل لواء العز في بني لؤي. وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي. أشرف من ذكر في الفؤاد. وصفوة الحواضر والبوادي وأجل مصلحٍ وهادٍ. جليل القدر مشروح الصدر. مرفوع الذكر رشيد الذكر رشيد الأمر. القائم بالشكر. المحفوف بالنصر البريء من الوزر. المبارك في كل عصر. المعروف في كل مصر. في همه الدهر وجود البحر وسخاء القطر الذي وصفه الله تعالى بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107)سورة الأنبياء.... والذي قال عليه السلام عن نفسه: (أنا محمد.. نبي التوبة ونبي الرحمة).. (رواه مسلم).. إذ عمت رحمته واتسعت شفقته وعظمت رأفته. وانتشر عطفه حتى صار أرحم الناس بالناس. صلوات الله وسلامه عليه، ما نجم بدا وطائر شدا ونسيم غدا ومسافر حدا. أغرٌ عليه للنبوة خاتم من نورٍ يلوح ويشهدُ وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذ قال في الخمس المؤذن أشهدُ وشق له من اسمه ليجلَّه فذو العرش محمود وهذا أحمدُ نعم إنه محمد بن عبدالله.. هذا الاسم الأعلم. إذا ذُكر ذكرت معه الفضيلة في أجمل صورها. وذكر معه الطهر في أرقى مشاهده. وذكر معه العدل في أسمى معانيه. نعم إنه محمد بن عبدالله.. اسم كتب بحروف من نور في قلوب الموحدين فلو شققت كل قلب لرأيته محفوراً في النياط مكتوباً في السويداء. مرسوماً في العروق. والله لو شُق قلبي في الهوى قطعاً وأبصر اللحظ رسماً في سويداه لكنت أنت الذي في لوحه كتبت ذكراه أو رسمت بالحب سيماه إنه محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - الذي بشرت به الرسل. وأخبرت به الكتب وحفلت باسمه التواريخ. وتشرفت به النوادي. وتضوعت بذكره المجامع. وصدحت بذكراه المنائر. ولجلجت بحديثه المنابر. وفي هذه الأيام المتأخرة تناقلت وسائل الإعلام المختلفة ما أقدم عليه بعض الحاقدين على دين الإسلام ونبي الإسلام عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم من نشر صور وقحة وتعليقات قبيحة مصاحبة لها وذلك في الصحف المحلية في الدنمارك والنرويج. زعم ناشروها أنها تمثل الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (5)سورة الكهف. ألا وإن تلك الصور والتعليقات لا توجد إلا في مخيلة مروجيها ممن أكل الحقد والكراهية للإسلام ونبي الإسلام قلوب دعاتها. ومعلوم أن أنبياء الله ورسله هم خير البشر. وهم الذين اختارهم الله لحمل رسالاته. وإبلاغها لعامة الخلق. لذا فإن واجب الخلق تجاههم الإيمان بهم ونصرتهم وتعزيرهم وتوقيرهم وقبول ما جاؤوا به من عند الله. قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} (285)سورة البقرة. وإننا إذ نستنكر هذا البهتان العظيم الموجه لنبي الإسلام وخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام لعلى يقين بأن الله سبحانه وتعالى ناصر لنبيه وخاذل لأعدائه. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (61) سورة التوبة. ألا إن وعد الله سبحانه حق وقوله الصدق. ومعلوم أن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاستهزاء به انتهاك لحرمته وتنقص لقدره. وإيذاء لله ولرسوله ولعباده المؤمنين. وتشجيع للنفوس الكافرة والمنافقة على اصطلام أمر الإسلام وطلب إذلال النفوس المؤمنة وإزالة عز الدين وإسفال كلمة الله تعالى. وهذا من أبلغ السعي فساداً. ألا وإن معاداة أنبياء الله وأوليائه والسخرية بهم أو النيل منهم أو الوقوع في أعراضهم لهي من أعظم الذنوب وأشد الرزايا في دين الإسلام. وذلك أن من عاداهم فقد عادى الله تعالى وحاربه.. روى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن وهب بن منبه قال: (إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام حين كلمه: اعلم أن من أهان لي ولياً أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وعاداني وعرض نفسه ودعاني إليها. وإن أسرع شيء إليَّ نصرة أوليائي. أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي. أو يظن الذي يعاديني أن يعجزني. أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني. وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة فلا أكل نصرتهم إلى غيري). فاللهم احفظ نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - من كيد الكائدين وعدوان المعتدين وظلم الظالمين. اللهم إنا نشهدك وملائكتك وجميع خلقك بأن عبدك ونبيك محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده.. فاللهم اجزه خير ما جزيت نبياً عن أمته. اللهم بلغ رسولنا عنا الصلاة والسلام ما غيث همع وبرق لمع وظبي سنح وبلبل صدح. اللهم آته الوسيلة وامنحه الفضيلة. وابعثه مقاماً محموداً وأعطه حوضاً موروداً. وأجب شفاعته وكرم وفادته. إنك خير مسؤول. والحمد لله رب العالمين.