أرى - كما يرى الكثير غيري - أن مهنة الإرشاد الطلابي في نظر الكثيرين من المنتسبين إلى التعليم في مدارسنا، لم تعد تحمل معنى: مساعدة الفرد وتشجيعه لكي يعرف ذاته ويدرس شخصيته وينمي قدراته ويحل مشكلاته.. إلى آخر ما قيل من تلك التعريفات البراقة، بل أصبح مفهومها السائد عندهم أن يحسن المرشد إجادة التعامل مع ذلك الزخم الكبير من السجلات والأوراق بما فيها من إحصائيات ومؤشرات وتقارير، فلا يكاد المرشد الطلابي - بهذا المفهوم إن أخلص فيه - يغادر مكتبه، فهو على موعد يومي معه يقسم وقت عمله ما بين إعداد السجلات والملفات، والتدوين المستمر فيها لكل شاردة وواردة، وبين استخدام الأعداد والأرقام والنسب المئوية في كل صغيرة وكبيرة، وما إن ينتهي قلمه من حصر الطلاب المعيدين والضعفاء حتى يشرع في حصر المتفوقين والموهوبين، وتجده تارة يدون نسب التفوق والإخفاق في كل اختبار وتارة أخرى يصنف المشكلات السلوكية التي حدثت وكيف حدثت، وكتابة أنواعها، وتكرارها، وفئاتها العمرية، وأسباب حدوثها، وأين حدثت، وكيف حدثت، وما الإجراءات والأساليب التي يتم اتخاذها لمعالجة المشكلة؟ حتى أصبحت كتابة المشكلة وتكييفها، وتسجيل ما يتعلق بها من أرقام وإجراءات مشكلة هي أكبر من المشكلة ذاتها. وأخشى أن يظن القارئ في أثناء قراءة هذا المقال أو بعده أنني أعارض إعداد السجلات الخاصة بالمرشد وكتابة ما يقتضيه حال المهنة من نص أو رقم، فأقول مبتدئاً - قبل أن يذهب في ظنه - إن السجلات وما تحتويه من تدوين وإحصاءات ما دام أنها لا تخرج عما تستسيغه العقول إدراكاً، وتألفه النفوس حاجة، ويتطلبه العمل حقيقة، فهي المصباح المنير الذي يضيء للمرشد الطلابي دروب عمله، وهي الوسيلة التي يدرك بها كمال غايته وأسمى أمانيه، وهي استصلاح الشباب من كل مجال من المجالات ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لكن من غير المعقول أن يجعل المرشد الطلابي أذنه راصدة لكل غمغمة وهمهمة وأن يجعل عينه راصدة لكل إيماءة وحركة، ليتباهى بتدوينها في سجلاته، فإن لم يجد شيئا من ذلك تكلف في اختلاقها أو عصف ذهنه ليزيد في تكييفها وتفصيلها، ليجعل ذلك أداة على توثيق أعماله التي صنع بعضها في خياله، ومن غير المعقول أن ينشغل بحصر الطلاب أو كتابة درجاتهم يدويا أو إعداد رسم بياني وقد أغناه الحاسب الآلي ووقاه شر ذلك العمل. غير أن المشكلة الأخرى هي المفهوم في تقويم عمله أيضاً، فكلما أسهب في التدوين وإعداد الرسوم البيانية وتفنن في تلوينها وتزويقها - ولو لم يكن لبعضها أي نفع منطقي - حكم المشرف على العمل بأنه صار أكثر جودة وإتقانا، ويا ليت شعري لماذا نعتب عليه في ذلك؟ ما دام أن برامج عمله وطريقة تقويمه لا تقوم إلا على ذلك. وإن هذه الطريقة السقيمة في التكليف والعمل والتقويم، جعلت اسم المرشد الطلابي يحمل معنى الغامض أو العدم عند الطلاب، ومعنى الدعة والراحة على الكرسي عند المعلمين، فأما تحقيق ذلك المعنى عند الطلاب فلا أبالغ إن قلت: إنني من خلال مشاهداتي لكثير من المرشدين على مدى عشر سنوات قضيتها في التعليم أن أكثر الطلاب لا يعلمون بوجوده في المدرسة أصلا، وإذا علموا بوجوده فلا يعرف غالبيتهم اسمه وإن عرفه فلا يكاد يفهم مهمته، وحق لهم ذلك لأن المرشد عندنا - إلا من هدى ربك - لا يتعامل مع الطلاب مهذبا لأخلاقهم ولا مزكيا لنفوسهم، بل مع الأرقام تلو الأرقام والحصر تلو الحصر حتى تتجه العام الدارسي نحو المغيب. وأما تحقيق معناه عند المعلمين فإنك تجد أن الكثيرين منهم تتوق أنفسهم شوقاً وتشرئب أعناقهم طلبا لهذه الوظيفة التي تحمل ذلك المعنى الذي صوره نظام المهنة كذلك، بما يكابدونه في التعليم من مشقة، فيتقدمون طالبين لها بالمئات كلما سنحت الفرصة لتعيين المرشدين، فلا يدرك أكثرهم لها فائدة غير تلك الفائدة، وليس لها معنى غير ذلك المعنى، ولا يغرك إن حفظ بعضهم تعريفاً من تعريفات الارشاد مع قشور من نظرياته وعدد من مجالاته التي ما حفظها الا ليسكبها قلمه في ورقة الاجابة عن الاختبار الذي أعد لترشيح المرشدين، وإذا ما قيل لهم إن الإرشاد فيه كتابة وتدوين وحصر وإحصاء قال بعضهم: إن نار الإرشاد خير من جنة التعليم، هذا إن كان للتعليم جنة. وأرى أن يكون اختيار المرشدين مبنيا على أسس تعتمد على دراسة سماتهم الشخصية، ومظاهر القدوة الصالحة، ونضوج أعمارهم العملية في التعليم، ومعرفة مدى قدرتهم على إجادة فنون الكلام وقدرتهم على إقناع الآخرين وبث روح الحياة والتفاؤل فيهم، يضاف إليها اختبارهم فيما تتطلبه المهنة من معلومات وفنون، مع إعطائهم المزيد من الدورات والمهارات الإرشادية على أيدي متخصصين متقنين مشهود لهم بالتفوق في التدريب. وأرى أن يكون من نقاط تقويمهم ما يعتمد على تزكية المعلمين والإدارة لهم، لمعرفة مدى تعاونهم معهم في حل مشكلات مدارسهم ولمعرفة مدى حضورهم الجاد في المدرسة، فإن ذلك خير من الاكتفاء بقراءة ما سجلوه في تلك السجلات، وأبلغ في معرفة حقائقهم، وأدعى لاحترام مهنتهم. ولعلى أنتقل بالحديث الآن إلى عمل بارز من أعمال المرشد الطلابي استحدث مؤخراً، فكان من أشدها إغراقاً له في الكتابة، وأعظمها إبعاداً له من واقع مجتمعه المدرسي، ألا وهو ما اصطلح على تسميته (قائمة المشكلات) وليس عندي شك في أن الوزارة عندما صدرت موافقتها بتطبيق هذه القائمة على جميع طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية إلا لظنها أن هذه القائمة أداة مساعدة للمرشد الطلابي. وقد سطر المعدون لها في سجل المرشد الطلابي لبيان أهدافها وأهميتها وفوائدها سطوراً عديدة لم تسلم بعض كلماتها من الأخطاء الإملائية والنحوية، وقد تعمقوا في بيان تلك الفوائد، وتقعروا تقعرا متكلفا حتى تجاوز ما كتبوه ست صفحات، فتلك فوائد تطبيقها التي تعود على المرشدين وعلى الطلاب وفوائد أخرى تعود على المعلمين وعلى إدارة المدرسة وعلى لجنة التوجيه والإرشاد وفوائد أخرى تعود على ولي أمر الطالب وعلى الحي السكني وأهله. وإذا بذلوا الكثير من الوقت في كتابة تلك الفوائد لبيان فضل القائمة وعلو شأنها، نجد أن بعض ما قد كتبوه وصل إلى درجة عميقة من السطحية والسذاجة، كقولهم: إن من فائدتها أن تجعل المعلم يشعر بأهمية عمل المرشد، وأن الإرشاد ليس ترفا. ومن تلك الفوائد أن تقوم مدارسنا بمطالبة الجهات المختصة بإنشاء مركز صحي في الحي إذا ظهر في القائمة أن بعض الطلاب يعانون من ظروف صحية.. وما العجيب؟! مدارسنا التي مازال ينقصها كوادر تعليمية وأولويات مهمة تقوم بدراسة مضنية تكلف بها منسوبيها، فتزيدهم شتاتا وشغلا عن أعمالهم وأولويات مؤسستهم الصغيرة من أجل تقديم خدمات للمؤسسات الأخرى التي لم تطلب منها ذلك، كمثل الذي يمزق قطعاً من ثوبه ليرقع به ثياب غيره في محاولة يائسة. إلى غير ذلك من تلك الفوائد والأهداف التي تشبه الهشيم المتهافت على الأرض ضعفاً وتكسراً، التي ما أظنها كتبت إلا تبريراً للإلزام بتطبيقها. وأعانك الله عزيزي القارئ على قراءة هذه الأسطر القليلة، إذ سأبين لك فيها كيفية تطبيق عمل هذه القائمة اختصاراً. فهي كتيبات صغيرة، يحتوي كل واحد منها على أكثر من مائة سؤال في جميع ما يخص وضع الطالب الأسري والاجتماعي والنفسي والصحي والمهني والتعليمي، وعلى المرشد الطلابي أن يطبق هذه القائمة على جميع طلاب المدرسة، تطبق في كل يوم على فصل واحد من الفصول، فيوزع على طلابه كتيبات الأسئلة والأوراق المعدة للإجابة، ويطلب المرشد من الطلاب الإجابة عن الأسئلة المائة، في وقت يمتد من ساعة إلى ساعة ونصف، ويقوم الطالب بوضع علامة (صح) على خيار واحد من أربع خيارات لكل سؤال هي (قوي - متوسط - بسيط - لا يوجد)، ثم يجمع المرشد تلك الأوراق والكتيبات، ويعود بها إلى مكتبه، حيث يقوم - ومعه معلم آخر يفرغه مدير المدرسة لمساعدته - باختيار إجابة (قوي) ويقوم بتفريغها في ورقة أخرى مستخدما الحزم الإحصائية، ثم يدون العدد الذي توصل إليه في أوراق مرفقة معدة لذلك، ويستغرق عمله في التفريغ وقتا مقارباً للوقت الذي قضاه الطلاب في الإجابة عن الأسئلة، وهذا عمل فصل واحد في يوم كامل، ثم يجمع عدد إجابات كل سؤال من صفوف المرحلة الدراسية على حدة، ثم تجمع أعداد إجابات كل فصول المدرسة عن السؤال الواحد، ثم تستخرج النسبة المئوية لكل إجابة من الأسئلة المائة، ثم يقوم برفع نتيجة تلك الإحصائية إلى إدارة الإشراف التربوي حيث يقوم المشرف هناك بوضع ملخص عن المدارس التابعة له، ويرفعها إلى إدارة التعلم. فإذا أخذنا في الاعتبار أن عدد طلاب المدرسة خمسمائة طالب تقريبا، فإن المرشد سيجمع خمسمائة ورقة تحتوي كل ورقة على مائة جواب، أي سيكون على المرشد النظر في خمسين ألف جواب، وإذا كان عدد الفصول في المتوسط خمسة عشر فصلا فهو حتما سيقضي ثلاثة أسابيع وربما تزيد لضغط العمل أو زيادة الفصول أو لعدم تفريغ أحد المعلمين لمساعدته، وتأمل عزيزي القارئ، كيف ان المرشد الطلابي لا يباشر عمله مرشداً، بل يقضي أسابيع متتابعة في مكتبه منغلقاً عن طلابه ومجتمعه المدرسي وهو يعد الحزم الإحصائية ويجمع الأرقام. وأرى أن (قائمة المشكلات) تلك اشتملت على الكثير من السلبيات وهي على النحو التالي: أ - سلبيات عامة: 1 - رغم استخدامها منذ خمس سنوات إلا أننا لم نر إلى الآن أي غاية مرجوة منها على صعيدها العام، ولم نطلع من خلالها على الخريطة السلوكية لطلاب مدارس المدينة وأحيائها - التي طالما تحدثوا عنها في لقاءات العمل وورشه - ولم تقصد أي مشكلة بالعلاج. 2 - أن الكثير من الأسئلة وإجاباتها لا تمت للتعليم ولا للإرشاد الطلابي بصلة وليس علاجها من مسؤولية المرشد ولا وزارة التربية والتعليم قطعاً (بل بعضها من اختصاصات وزارة الصحة، أو وزارة الشؤون الاجتماعية). 3 - عدم قناعة الكثير من العاملين في مجال التعليم بأهميتها (مدير المدرسة، والمعلمون، بل المرشدون أنفسهم، وبعض المسؤولين في الإرشاد) وعدم القناعة يدل على سقوط ما دبج لها من أهداف. سلبيات التنفيذ المتعلقة بالمرشد: 1 - العبء الكبير والمبالغ فيه الذي يصاحب عملها بداية من التوزيع وحتى التفريغ والجمع. 2 - عدم قناعة الكثير من المرشدين بجدوى الدراسة وفائدتها، حيث إنها في نظرهم لا تعد عن كونها إحصاء مجرد، طلب منهم عمله، هذا ما سمعته منهم في ورش العمل بل حتى المشرف الذي يدير الجلسة غير مقتنع بها، ولا يزيد على قوله: هذا عمل ونحن مكلفون بإنجازه ويجب ان ينتهي في تاريخه المحدد. 3 - لا يحق للمرشد وهو شريك العمل ولا للمدرسة التي فيها الطلاب الذين هم محور العملية التربوية والتعليمية أن يطلع على نتائج القائمة السنوية على مستوى إدارة التعليم في المنطقة، ولا إشعاره أن هناك مشاكل هي موضع اهتمام من الإدارة، أو أن هناك خططا علاجية معدة على مستوى الوزارة، هكذا، كما قال لنا المشرف في أحد اللقاءات الجماعية، إن النتائج العامة سرية ولا يمكن أن تظهر لأحد. 4 - عديمة الفائدة المباشرة في المدرسة حيث إن 95% منها لا يحتوي على أسماء، فإن رأى المرشد الكثير من المشاكل على ورقة من الأوراق فلن يستطيع الوصول إلى صاحبها، ولدى الكثير من المرشدين طرقا أخرى أشد اختصارا لمعرفة مشاكل مدرسته وطلابه كالاستبيانات المختصرة التي تعطي معلومات واضحة عن الطالب التي تساعد المرشد في أداء عمله تجاه طلابه. 5 - وبناء على السلبية الثالثة والرابعة، فإن المرشد إذا اعتقد بعدم أهمية القائمة في إنجاز عمله وعدم أهميتها لمدرسته وعدم معرفته لنتائجها في إطارها العام، فإنه سيشعر أن هذا العمل المجهد الذي تعوده مطلع كل عام دراسي سيذهب هباء منثوراً، مما يجعل بعضهم لا ينجزه بكل إتقان. سلبيات التنفيذ المتعلقة بالطالب: 1 - طول الأسئلة يدعو الطالب إلى الملل الذي يجعله يجيب عنها سريعاً ولا يتحرى الدقة والصحة. 2 - عدم فهم بعض الأسئلة إما لأنها لا تتناسب مع عمره واما لقلة إداركه وفهمه لمرادها أو لقصور أسلوبها في بيان المراد. 3 - عدم معرفته كثير من الإجابات كدخل الأسرة مثلا مما يجعله يخمن الجواب. 4 - استخفاف بعض الطلاب بها خصوصاً ممن يتكرر مرورها عليه سنة بعد سنة مما يجعلهم يختارون أي شيء دون قراءة. بل قد رأيت بعض الأوراق التي سلمت، وقد تركت إجابة أكثر الأسئلة. 5 - خجل بعض الطلاب من الإجابة عن بعض الأسئلة مما يجعلهم لا يعطون جواباً صحيحاً حتى ولو روعيت وضع مسافة كافية بينه وبين زميله (لا اعتقاده أنه مراقب حيث يرى نفسه أمام عدسة مكبرة أو أن خطه سيكشف). وهذا ما جعل الغالبية الساحقة لا يكتبون أسماءهم اصلاً مما يجعل الوصول للطالب والتعرف على مشكلته أمراً مستحيلاً. 6 - وقوع بعض الطلاب فيما يسمي (توهم المشكلة) وهي خواطر ظنية سرعان ما تتغير وتتبدل، خاصة إذا كانت الأسئلة كثيرة ومتشعبة، ما يجعل تلك الإحصاءات لا تعبر عن الحقيقة بدرجة كافية، يكشف ذلك لو أعدتها عليه بعد أسبوع، فإنك ستحد تبايناً في إجابة الطالب نفسه. وعلى ما سبق ذكره، وقبل أن يضع أحدهم استبياناً إحصائياً يمثل مؤسسة ما، ويعتمد على فريق كبير من العاملين الذين يبذلون جهدهم الكبير في عمل مرهق من الكتابة وجمع النتائج وتحليلها، فإنني أرى من الواجب عليه لإنجاح ذلك المشروع أن يراعي ما يلي: أولاً: أن تكون الدراسة أصيلة المبدأ في عمومها غير مستوردة، بحيث تنطلق من ظروف المجتمع ومبادئه وقناعاته الصحيحة. ثانياً: أن يكون عنده الاستعداد التام لمعالجة كل أو أغلب ما ستظهره الدارسة من نتائج، وإلا فإن دراسته تلك ستبقى مجرد أرقام. ثالثا: أن يكون لديه القدرة على إقناع من سيقوم بالعمل بأهمية المشروع. رابعاً: أن تكون الفكرة مقدورا على تنفيذها أو في حيز المستطاع الممكن وأن لا تأخذ وقتاً طويلاً على حساب أولويات العمل الأخرى. خامساً: أن يشعر المسؤول أو المقرر لها العاملين معه بقيمتهم في الدراسة كأن يشعرهم بجدوى الفكرة وتوضيح الخطة العلاجية التي ستقوم بها المؤسسة بعد إنهاء الدراسة أو التي قد قامت بها فعلا. سادساً: أن يحدد للعاملين وقت دراسة المشروع كأن يخبرهم بأنها لن تتعدى ثلاث سنوات مثلا. مما يشجعهم على التفاني والمضي في إتمامها حتى بلوغ غايتها. سابعاً: ان تكون الدراسة داخلة قدر الإمكان في دائرة اهتمام المؤسسة المعنية بذلك، ولا تتعدى ذلك إلى أمور لا ناقة لها فيها ولا جعل، فلا يجوز مثلا لمؤسسة تعليمية تعاني هي أصلا من نقص في كواردها وقلة في معلميها، ان تجمع إحصاءات هي من اختصاصات وزارة الصحة أو وزارة الشؤون الاجتماعية، أو النقل مثلاً، لأن تشعب الدراسة يؤذن بفشلها عموما بل يزيد في تشتيت طاقات المؤسسة والتراخي عن أداء الكثير من أولوياتها، إذ إن المؤسسة المحدودة النطاق لا تستطيع أن تدرك كل شيء في المجتمع بالرعاية والإصلاح. فإذا ما روعيت تلك النقاط، فإن تلك الدراسة سيكون مصيرها النجاح حتما، وستؤتي ثمارها ناضحة يانعة بنسبة كبيرة من الدقة والصحة، وستكون نورا يمهد الطريق للمرحلة التي بعدها وهي مرحلة البدء في خطة العلاج الكبرى. وإن اختلت تلك الأمور أو اختل بعضها فإن دراسته تلك ستدور في حلقة مفرغة لا تنتهي من العمل المنهك، وسيرى أمام عينيه مجموعة من الأرقام والنسب المبهمة التي كلفت الكثير من الجهد والعناء التي سيقف أمامها وغيرها من العاملين معه وقفة الحائرين في شأنها، لا تعبد لهم طريقاً، ولا تنير لهم مسلكاً، إلا إذا كانت غاية المشروع هو التسلي بقراءتها. [email protected]