عقد نادي القصة بحائل ندوة أدبية ثقافية حافلة لمناقشة رواية الكاتبة الشابة رجاء الصانع (بنات الرياض) بدأها سكرتير النادي عبدالسلام الحميد بكلمة ضافية عن الرواية وما دار حولها من جدل وشد وجذب، وما أثارته من ضجة رأى أنها تعبر عن أهمية الرواية بغض النظر عن قبولها أو رفضها، وأن نادي القصة بحائل حين يطرح هذه الرواية للنقاش إنما يقوم بمبادرة فاعلة للمشاركة بدور حيوي في الساحة الثقافية والأدبية تعبر عن حيوية قطاع مهم من أفكار شباب المثقفين في حائل، وتضعها في مواجهة قوية مع عقول وتاريخ بعض النقاد الكبار لإثراء الحوار وتعميقه. ******* بدأ اللقاء بعدة مشاركات أولها من الأديبة الحائلية هند التميمي أرسلتها مكتوبة لقراءتها في اللقاء، وجاء في مشاركتها أن الروائية ذات الثلاثة والعشرين ربيعاً قدمت صورة واضحة عن فتيات أقرب لها سناً بدراية بهمومهن من حيث تقييد الحرية، والأفكار الجديدة، واستهجان المجتمع لها، وهي بذلك لم تقدم سوى حقيقة مخفية بين طيات المجتمع لن ترضي من يودون غض الطرف عنها. وأضافت التميمي أن الروائية استفادت من خبرات العصر التكنولوجية في تقديم شكل فني على شكل الإيميل الذي يقوم بدور حكواتي مبتكر ينتظره جمهوره كل يوم جمعة، واستخدمت لغة سهلة تتفق مع الشكل وطعنتها بألفاظ عامية، وأخرى من لهجات عربية، واللغة الإنجليزية أيضاً، وقدمت صوراً بلاغية مبتكرة كقولها (حتى تنغمس الشمس في كوب البحر) إضافة إلى براعتها النسوية في وصف الأماكن، وكانت حريصة على تقديم بطل نموذجي بل وزعت البطولة بالتساوي بين شخصيات روايتها وجعلت البطل الحقيقي هو شعور البطلات بالحب وفشلهن ونجاح واحدة فقط منهن في هذه العلاقة، في أسلوب برعت الكاتبة في تصوير المشاعر الإنسانية من خلاله. ولعل أبرز ما يميز هذه الرواية هو واقعيتها، وعصريتها سواء من حيث الأفكار، أو التقنيات بشكل جعل بنات الرياض جزءاً منا، وجعلنا جميعاً بنات الرياض. شارك أيضاً الكاتب السعودي سعود البلوي ببريد إلكتروني عنونه ب (بنات الرياض بين تيارين) جاء فيه أن الرواية ليس بمستوى (الزوبعة) التي أُحيطت بها معارضة أو تأييدا؛ إذ لم تقدم شيئاً يمكن وصفه بالمميز، ولكن يمكننا وصفها بالمثيرة، وأن العنوان هو سبب هذه الإثارة التي ستختفي لو اختارت الكاتبة عنواناً آخر. وقال البلوي إن الكاتبة قدمت تجربة روائية تتسم بالبساطة الفنية، لم تتكلف في كتابتها، واستخدمت لغة بسيطة جداً، قدمت بها تجربتها الإنسانية ومعلوماتها المتاحة. وأضاف أن الرواية اتسمت أيضاً بالتشويق وهو ما يهم شريحة واسعة من القراء عادةً.فاتسمت بعنصرين: (الإثارة: من خلال العنوان، والتشويق: من خلال أحداث الرواية) ولم تتجاوز الكاتبة أي خطوط حمراء كما قيل. ولكن يبدو أن الكاتبة عملت بذكاء جم على الطرح الدعائي للرواية، واستفادت بشكل كبير من احتفاء (كثير) من النقاد والكتاب بالرواية، الذي يبدو أنه لم يكن إيماناً منهم بأنها رواية (خارقة) بقدر ما هو احتفاء بها كونها تمثل - في نظر البعض - وجهاً حضارياً للمبدعة السعودية، كما استخدمت الرواية من جهة أخرى في صراع بين تيار فكري على حساب تيار آخر على النقيض. فطغى الصراع بين التيارين على النقد الأدبي (الفني) الذي لا يقل أهميةً عن النقد الثقافي في المجال الأدبي، فالمفترض في النقد العلمي أن يعنى بالبحث في سلبيات وإيجابيات العمل الإبداعي بموضوعية وحياد بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع المضمون أو شخص الكاتب، أما أن يتم توظيف النقد لإبداء آراء معينة على حساب حقيقة العمل، فهذا غير مفيد بالنسبة للكاتب، لأن العمل سينسى متى ما انتهت الحاجة التي وُظِّف من أجلها. لذلك فإن العمل القادم للكاتبة (رجاء الصانع) هو الاختبار الحقيقي الذي سيضعها على المحك واستمرار الاحتفاء بأعمالها. المثقف السعودي سعود السويدا شارك هو الآخر ببريد إلكتروني قال فيه: ربما لسوء أو لحسن حظ هذه الرواية أن قارئها لن ينجو من بعض الأحكام المسبقة حولها بفعل الضجيج الذي أثاره منعها وهو ما توقعته بما يشبه المفارقة، ما يوحي بأن واقعنا الثقافي شديد الاستسلام للتنبؤات، وهذه القابلية للتنبؤ استثمرتها الروائية على نحو ساخر عبر الردود المتخيلة لقراء ايميلات بطلة الرواية، ثم ردت بما يشبه الضربات الاستباقية على نوعين من النقد: الأول أخلاقي: ليس كل بنات الرياض هكذا.. هذه دعوة للتحرر.. ليس كل الرجال بهذا السوء.. الخ. والثاني: نقد فني تواجهه الراوية بقولها إن عملها ليس رواية (بل مجرد جمع لهذه الايميلات المكتوبة بعفوية وصدق)، ما يذكرنا بالرسام رينيه ماغريت الذي رسم غليونا وعنون لوحته (هذا ليس غليوناً). وترك الحيرة التأويلية لمتذوق عمله لتتفق التأويلات جميعها على أنها أمام عمل فني وربما هذا هو ما عناه الفنان تحديداً (هذا ليس غليوناً إنه عمل فني). ولتتضح الصورة أكثر، الفرق بين الراوية وبين الروائية هو أن الراوية تقول (هذه ليست رواية)، لكن الروائية رجاء الصانع المطبوع اسمها على الغلاف تقول: هذه رواية، فنحن أمام رواية وليس إنكار الراوية أكثر من محاولة قطع طريق التناول النقدي بحيث لا تعود عبارات مثل: (الرواية ضعيفة فنياً.. الشخصيات غير مقنعة.. البناء الروائي متهالك.. الرؤية تبسيطية..الخ)، شديدة الضرر أو مبررة أصلاً، فهذا الإعلان شبه الانتحاري ليس أكثر من آلية دفاعية مبعثها قلق اختبار الكتابة الأدبية والنشر، وهو أيضا ما يفسر النبرة الهازلة التي اختارتها الروائية للراوية.ولا يمكن لصادق إنكار الاعتناء الحقيقي والجاد بالبناء الفني، والجهد الكبير في تلوين الشخصيات وإعطائها فرادتها، ومحاولة ضخ الحيوية في الحوارات، وتجاوز الرؤية التبسيطية ذات البُعدين، ما حقق بالفعل الكثير من الطموح الفني لهذه الرواية. وأضاف السويدا عنواناً فرعياً (شهرزاد العنكبوتية) قال فيه: لم يكن للكاتبة خبرة روائية تستند إليها، لكنها أدركت أن حشد عذابات أربع نسوة لن يكون كافياً لإثارة الاهتمام في ثقافة عربية بطريركية، تعودت أن تسمع هذا النواح المستهلك عن قهر المرأة والظلم الاجتماعي وجور العادات والتقاليد..الخ، فأدركت بموهبتها وذكائها أن أذن شهريار تبلدت من سماع الاسطوانة المشروخة، فابتكرت حيلتها الفنية الخاصة لتمرر حكايتها في حبكة تشويق تتمحور حول هوية الراوية، وصنع مسافة موضوعية بين الراوية والشخصيات، والتوصل إلى إيقاع مخفف يعادل الوطأة الميلودرامية لوقائع الرواية. وأضاف في عنوان فرعي آخر (كشف المستور): كما هو متوقع إزاء عمل يقترب من التابو الاجتماعي (عالم المرأة) سيكون هناك صرامة أخلاقية في إدانتها من جانب ومسارعة إبداء الاستحسان والتبني (الأبوي في جوهره) من جانب آخر، وفي كتلا الحالتين تضيع فنية الرواية بينهما، بين أحكام الجائز والمستحب والمكروه فيضيع الفني من الرواية بالتناول الأخلاقي. وقد أثر الشكل في المضمون، فإن كان ممكناً إيجاد مبرر فني لإيراد بعض الأغاني العاطفية، فمن العسير أن تجد ما يدعو لإيراد مقاطع كاملة لنزار قباني وأحيانا للقصيبي تبدأ بها الفصول، ومعادلتها ببعض الأحاديث والآيات القرآنية في فصول أخرى مع بعض الحكم المنتزعة من البرامج الإذاعية، التي لا تتعدى الزخرفة الكلامية التي تشبه الكتابة بأقلام ملونة وتزيين إطراف الصفحة بالورود. لكن لنتذكر في النهاية أن هذه الرواية كبيرة الحجم (أكبر مما يجب على أي حال) نجحت في اجتذاب قارئها دون مشهد جنسي واحد (قارن برواية لم أعد أبكي) والأهم أنها حققت ذلك دون أن توحي بأنها تجنبت ذلك لأسباب ثقافية أو رقابية. ثم تعرض الناقد الكبير الدكتور محمد صالح الشنطي للرواية مؤكداً أنها فاجأته بفنيتها المقصودة وبنائها المحكم، وأن القصدية في البناء الفني وهندسته واضحة، لعل أبسطها وأوضحها هو أن فصول الرواية عددها خمسون واختيار هذا الرقم المغلق لا يأتي عبثاً. وأضاف الشنطي أن قراءة الروائية لحياة طبقة مخملية من المجتمع السعودي، وبوحها بالمسكوت عنه في هذا العالم النسائي والشعور الذي يوحي باختراق المحرم والممنوع يجب ألا يعيقنا عن القراءة المحايدة لما هو فني وإبداعي في هذا العمل بعيداً عن المحتوى الاجتماعي أو الثقافي الذي قد تتفق أو تختلف حوله التيارات الفكرية المتنوعة، وأن نعامل هذا العمل الفني بما يليق به من تناول علمي يضع في اعتباره عمر وخبرة الكاتبة وظروفها الموضوعية، وكيف أثر كل ذلك في إبداع عمل مختلف عليه كثيراً، ورغم ذلك يجب ألا نختلف حول فنيته التي يعكسها استفادة الكاتبة من العالم الذي تعيش فيه، وقدرتها على عكس خبرتها الخاصة بشكل فني، واستخدامها لتقنية الرسائل الإلكترونية كوعاء تقدم من خلاله سردها، إضافة لموهبة يجب تشجيعها، ما يجعل الرواية معبرٌ جيدٌ وصادقٌ عن جيل مختلف في أفكاره وأدواته. وقال إن ما كتبه روائي وشاعر ومثقف كبير كالدكتور غازي القصيبي، والناقد الكبير الدكتور عبدالله الغذامي ليس مجاملة أو تشجيعاً كما يظن البعض، ولكنه رأي موضوعي له مبرراته الموضوعية، وأكد حرصه على إتمام دراسة جادة عن هذا العمل الروائي. تحدث بعد ذلك الإعلامي مفرح الرشيدي مؤكداً أن قراءته للرواية لم تزل في مرحلة الانطباع، وأن القراءة النقدية تستلزم منه منهجاً في القراءة والنقد يحتاج وقتاً أطول، وقال إن الغلاف لعب دوراً في الترويج والإقناع بالرواية، فمصمم الغلاف حاول أن يختزل الرواية كلها في التصميم الذي ضم نماذج من شخصيات النص، يضاف لذلك الغلاف الخلفي الذي ضم إشادة القصيبي. وقال الرشيدي إن السرد جاء غير تقليدي باستخدام قصة قامت بدور الإطار العام جعلت منا نحن القراء متلقين لرسائل إلكترونية ما غيب الشخصية المحورية وجعل البطل سيرة أربع فتيات صديقات إضافة للراوية دون أن تتداخل شخصية بأخرى في زمان ومكان غير واضحي المعالم كقصة مشوهة من حكايات ألف ليلة وليلة. واستغرب الرشيدي لغة الرواية التي شكلت خليطاً غريباً يضم في الصفحات الأولى لغة فصيحة سهلة، تتحول إلى أشكال متنافرة من الفصيح والعامي الإقليمي، ولهجات عربية واللغة الإنجليزية والفرنسية، مشيراً إلى تناص ذلك مع لغة عبدون المكتوبة بلهجة القصيم، متسائلاً عن قدرة فهم أبناء البلاد العربية الأخرى لهذه اللهجة. وقال رغم كل ذلك فنحن أمام عمل جيد إلى أبعد الحدود كونه تجربة أولى. وكان للرشيدي رأي في الزخم الإعلامي الذي تحقق لهذه الرواية معتقداً أن سببه جاء من كون الكاتبة شابة سعودية تكتب عن بنات وطنها بجرأة، وشارك في هذا الزخم نشر الرواية خارج السعودية وانتشارها قبل فسحها، وما تم ترويجه سلباً وإيجاباً عن الرواية حتى لبعض من لم يقرأها. تناول الشاعر والكاتب الصحفي شتيوي عزام الغيثي الرواية من خلال قراءة محتوى الرواية والأدوات الفنية التي استخدمتها الكاتبة، وكان رأيه أن الرواية تقرأ الواقع الاجتماعي السعودي المتغير في ظرف الزمان والمكان، وساعدت حيلة البريد الإلكتروني على توسيع مساحة الحرية في التناول، فالراوية تملك حرية مطلقة في الحكي وإبداء الرأي من خلف ساتر الاسم المستعار والشخصية المجهولة، وأيضاً انعكاسات ما يكتب في الردود التي تأتيها وتعليقها الساخر عليها، أو صمتها عنها، وأن ما حازت عليه الرواية من شهرة جاء من خرق المحظور الاجتماعي المتعارف على السكوت عنه، وتوصيف مشكلات نسائية بتوصيف نسائي عن حالات إنسانية كانت المعانة فيها ناتجة عن الرجل. وتناول الغيثي بنية النص فقال إنه نص كلاسيكي بحت قامت الروائية بحيلة مبتكرة لتحديثه باستخدام صيغة البريد الإلكتروني وسيلة ثقافية أنتجتها التكنولوجيا، لذلك فإن الشخوص رغم بنائها الواضح إلا أنها ليست نماذج سائدة، والمقاطع الروائية لم تساهم بالقدر الكافي في إقامة الصلة الفنية المعادلة للصلة الإنسانية بين الشخصيات، ما جعل حكاية كل بنت من البطلات تبدو كأنها حكاية منفصلة، ولو تحقق للكاتبة خبرة أكبر في البناء السردي، وتخلصت من الترهل في تفاصيل الحكايات لأصبحت الشخصيات أكثر ارتباطاً، والعلاقات بينهن أكثر وضوحاً. تحدث بعد ذلك عبدالله الحربي معلقاً على ما نالته الرواية من شهرة وانتشار مؤكداً أن ذلك ما حدث إلا لأن الكاتبة سعودية عرت الكثير مما يرفض المجتمع تناوله في مرحلة تؤكد فيها المؤسسات على حرية التعبير والتناول، وأنه غير معجب بالرواية وأنها من وجهة نظره رواية عادية، وقال إنه بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق مع رؤية الكاتبة يرى أن نشر مثل هذه الأعمال ظاهرة صحية لا تكتمل إلا بالنقد العلمي الجاد من متخصصين سواء من حيث المضمون أو الشكل الفني. تحدث مطلق البلوي عن الحوار الدائر عن الرواية وتشعب الآراء ما بين تقريظ، وترحيب متحفظ إلى الرفض، مؤكداً أن كل أولئك مجرد آراء شخصية إعلامية استفاد منها أصحابها إلا أنها أفادت الرواية والروائية بالدرجة الأولى، وأن هذا الاختلاف ظاهرة صحية تشير إلى انفتاح مساحة الحوار داخل المجتمع وبين كافة تياراته الفكرية التي بدأت في الحوار الوطني لأول مرة، ويستلزم ذلك الابتعاد عن الاتهامات الجاهزة والمعلبة، وتنسيق الحوار بإشاعة روح التسامح وقبول الآخر، وتقبل الاختلاف وآلياته، والتخلص من الشخصية المتماهية مع الشخصية الجمعية، والاقتراب ولو ببطء من روح التحرر، وإعمال العقل دون الإخلال بالثابت من العقيدة، وإدراك ما هو اجتماعي وثقافي بشكل واضح وعدم نسبته للدين. وقال إن النفس السردي الطويل للكاتبة في سرد أربع حكايات نسائية بما زاد على الثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط أعطى الكاتبة الفرصة لتقول كل ما تريد أن تقوله، يضاف إلى ذلك حديث الرواية عن مساحة مغلقة من المجتمع السعودي المتحفظ بطبيعته ما ساهم في انتشار الرواية، وأن العمل الفني لرواية الصانع استهدف توضيح الطبيعة الإنسانية الخطاءة، وانكسارات النفس البشرية، وأفراحها، وأحزانها دون إصدار أحكام على الضعف البشري، وأن انتشار الرواية بين هذا العدد من القراء، وما أثارته من جدل يتراوح ما بين الانطباع إلى الحكم النقدي الصارم حتى الدعوة للتبرؤ منه يؤكد أننا أمام حقيقة إبداعية قائمة، يؤكد الاختلاف حولها أحقيتها في الوجود. ثم قال شكراً بنات الرياض فقد أزحتم ستار الخصوصية، وأرحتمونا منه. وأثار الصحفي سالم الثنيان قضية الاهتمام بالعمل لمجرد أنه ينتمي لعالم النساء والكاتبة امرأة، وقال إن الرواية ضعيفة من الناحية الفنية، ولا تختلف موضوعاتها عن بعض الروايات الساذجة من روايات الجيب مثل روايات عبير وتلك التي توجه للتسرية عن الشباب وتسليتهم، وأن الرواية لو خُلع عنها غلافها، وغُُلفت بغلاف آخر يحمل اسماً ذكورياً، وانسحب تقريظ الدكتور القصيبي لما نالت ما نالته من اهتمام. تحدث بعد ذلك الناقد أحمد إبراهيم أحمد الذي قال إنه سيتناول العمل على مستويين: الأول خاص بالبيئة التي تجرى فيها أحداث الرواية وعلاقة ذلك بالبيئة الاجتماعية والأنثربولوجية للروائية للتعرف على العلاقة بين الذات الشخصية والذات الإبداعية والأدوار المتبادلة بينهما في الرؤي. وقال إن القول بتناول الرواية لطبقة معينة من المجتمع السعودي هو قول مغلوط، فشخصيات الرواية الأساسية والهامشية ليسوا إلا شريحة تنتمي للكومبرادور الذين يقومون بأعمال الوساطة التجارية والخدمات، وليسوا من نبلاء المجتمع، وهم بذلك شخصيات تتمتع بصفات وأخلاق برجوازية من نوع خاص، وأن الكاتبة تنتمي بشكل من الأشكال لهذه الشريحة، لذلك فخبرتها الذاتية بتفاصيلها غنية بشكل كبير ما ساهم بقوة في دعم خبرتها الإبداعية وتمويلها بالكثير من المعارف حتى التفاصيل الدقيقة عن التكوين المادي والمعنوي والعقلي لأبناء هذه الشريحة، لذلك جاءت الرواية كما لو أنها نتاج عمل باحثة اجتماعية أجرت دراسة بمنهج أنثروبولوجي عايشت فيه الحالات التي تدرسها، ولم تقف على الحياد، وسبب ذلك أن الكاتبة تنطلق من موقف نسوي feminism يرى أن المجتمعات تمارس مع النساء الإقصاء والتهميش، وفي الحالة المتطرفة يعتبر المرأة أقلية. وأضاف أحمد إبراهيم أنه بدأ قراءته للرواية متخوفاً من حكم مسبق نتيجة التأثيرات العديدة من سماع وقراءة، إلا أنه بعد الفصل الرابع لم يستطع إلا أن يُقر بأن هذه رواية محكمة الصنع، مكتوبة بهندسة مقصودة، اختارت الكاتبة فيه الكون الافتراضي virtual cyber ليكون أرضية للسرد، مختارة تقنية مجموعات البريد الإلكتروني لتحكم بناء هذا العالم فلا يخرج عن سيطرتها، واختارت عدداً محدوداً من الشخصيات صنعتها بشكل يكاد يكون نمطياً، ونجحت في الهروب من سذاجة التنميط بالتوصيف الإنساني للشخصيات، ونقلها من حالة إلى حالة مغايرة، وعرض خطايا الرجال سببا للمصائب التي تصيب النسوة، ومعاناتهن في الحياة نتيجة سيادة ثقافة ذكورية إقصائية قاسية من وجهة نظرهن. وأضاف أن قراءته بعض الاتهامات التي توحي أن كاتباً متمرساً ساهم في كتابة الرواية دفعته لإجراء قراء فيلولوجية للنص، فتبين له أن الكاتبة تعرضت لتأثيرات شفهية نتيجة قيامها بالتحضير المسبق لكل ما تكتبه، وأن الكاتبة تعيش في بيئة مثقفة لحد بعيد من أجيال أكبر منها عمراً تركوا تأثيرهم عليها سواء بما تضمه مكتباتهم من كتب لا تطبع الآن مثل أعمال كازانتازاكس، أو أشرطة أغاني فرق موسيقية ومطربين موجودة منذ شبابهم ولا زالت تسمع في هذه البيئة، ولكن البنية اللغوية رغم تفاوتها تنتمي لحالة واحدة وتتحقق فيها الخصوصية اللغوية، ويؤكد الاختيارات المقتبسة من الشعر، والتراث الديني والإنساني وحدة الكتابة فهي تعبير عن حالة يعيشها الكتاب غير ذوي الخبرة حين تمر بهم أزمة الكتابة writer block فيلجؤون لنصوص جاهزة لتجاوز هذه الأزمة وللتعبير عما يريدون التعبير عنه بنصوص غيرهم.. ويبدو أنها اكتشفت إمكانية الاستفادة من هذا الأسلوب لتوضيح اهتمامات المؤلفة وليس الراوية بكل الأطياف المعرفية أو كما قالت هي (سمك لبن تمر هندي). ثم اختتم مداخلته بتحية لأسرة الروائية التي شكلت الحاضنة الثقافية لهذا المشروع الإنساني الجميل.شارك أيضاً في الندوة من أساتذة كلية المعلمين الدكتور الشوادفي علام، والدكتور سليمان خاطر، والدكتور عهدي السيسي الذين أفادوا بأنهم لم يستطيعوا الحصول على الرواية وقراءتها، وأن حضورهم يستهدف محاولة التعرف على هذا العمل من خلال القراءات النقدية المختلفة، والمشاركة في مناقشة المفاهيم النقدية والثقافية التي تتناول العمل الإبداعي، ما أطال النقاش والحوار حول تفاصيل الرواية وقضايا ثقافية وإبداعية عامة فجرها الجدل.