حالة من الزخم السياسي شهدتها مصر الليلة قبل الماضية؛ إذ تبارى ثلاثة من مرشحي الانتخابات الرئاسية في تقديم الوعود الإصلاحية على كافة المستويات وبحلول سحرية لمشكلات الشعب المصري المتفاقمة. وكانت كل الأنظار في مصر قد توجَّهت صوب حديقة الدراسة شرق القاهرة؛ حيث بدأ الرئيس حسني مبارك مرشح الحزب الوطني الحاكم للانتخابات الرئاسية حملته الانتخابية بخطاب ألقاه على الشعب المصري تعهَّد فيه بإصلاحات دستورية وسياسية وتشريعية. وأوضح مبارك في بداية خطابه أن انتخابات الرئاسة والانتخابات التشريعية المقبلة تضع مصر على أعتاب مرحلة جديدة، وأنها ستحدِّد مستقبل هذا الوطن، وستضع الشعب أمام خيارات عديدة، وهي الجهد الحقيقي لتعديل المادة 76 من الدستور الذي صوَّت عليه الشعب في 25 مايو الماضي. وأكد مبارك أن نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة سوف تحدِّد معالم الغد الذي نأمله لأبنائنا وأحفادنا، وستدفعنا إلى القدرة على العبور إلى المستقبل. وأشار مرشح الحزب الحاكم إلى أنه تحمل المسؤولية بصدق خلال المرحلة الماضية، وحقق نجاحات شهد لها التاريخ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأكد أنه سوف يمضي لتحقيق أمل المستقبل، وتساءل: أين كنا؟ وكيف أصبحنا؟ وأوضح مبارك أن برنامجه ينبع من رؤيته لمستقبل مصر، وأنه يستند إلى مزيد من الإصلاحات الدستورية والسياسية، وأنه سيتم خلاله استكمال بناء الديمقراطية. وتعهَّد في كلمته بتعزيز دور البرلمان في مراقبة ومساءلة الحكومة، وزيادة فرص تمثيل الأحزاب بالبرلمان، وتعزيز استقلال القضاء، وتبنِّي قوانين جديدة للإرهاب كبديل تشريعي لمكافحة هذا التهديد دون الحاجة إلى العمل بقانون الطوارئ. كما تعهَّد بتعزيز حرية الرأي والتعبير، والتصدي بكل حزم لمشكلة البطالة، وخلق ما يزيد على أربعة ملايين فرصة عمل، وتشجيع المشروع الصغير، وتوسيع القاعدة الصناعية بفكر جديد، واستصلاح مليون فدان جديد في الظهير الصحراوي، وتطوير قطاع السياحة، وتحقيق حياة أفضل للمواطن، وإيجاد مدرسة متطورة، ومد مظلة التأمين الصحي لكل مواطن مصري. كما تعهَّد مرشح الحزب الحاكم بإعادة تخطيط القرية المصرية، وبناء مساكن جديدة بالريف المصري، ومواجهة المشكلات التي ترهق سكان المحافظات، ومساعدة أصحاب الدخول الصغيرة حتى تزيد أجور الدرجات الوظيفية الصغرى بنسبة 100 في المائة و75 في المائة للدرجات الأخرى، وتطوير نظام المعاشات، وتحقيق زيادة في الأجر الأساسي للمعلمين. وتعهَّد مبارك بأن تظل مصر قوية آمنة مستقلة القرار والإرادة الوطنية الملتزمة بمسؤولياتها العربية. وفي الوقت نفسه الذي كان مبارك يتحدث فيه عن برنامجه الانتخابي والآمال والطموحات التي ستُحقَّق خلال السنوات الست القادمة أعلن الدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد والمرشح الرئاسي برنامجه الانتخابي الذي حدَّده بفترة انتقالية مدتها عامان يتم خلالها إلغاء قانون الطوارئ، وإلغاء حبس الصحفيين، والإفراج عن المعتقلين، وإطلاق حرية إصدار الصحف، وتحقيق استقلال القضاء، وإجراء انتخابات برلمانية حرة بالقائمة النسبية، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب، وتشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد، وإعلان رقابة الشعب على السلطة التنفيذية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في 2007م. وعلى الجانب الاقتصادي، أكَّد نور أنه سوف يعالج مشكلات البطالة والفقر والتعليم والصحة عبر صرف إعانة لكل عاطل، وتقديم دعم مادي لغير القادرين، إلى جانب ضرورة تخفيف الأعباء البيروقراطية والضريبية، ودعم التنافسية، وتنمية الطلب على المنتج المحلي، وتيسير الاقتراض الاستهلاكي لتنشيط الأسواق، وخفض الضرائب، إلى جانب وعود أخرى مُفصَّلة في الجانب الاقتصادي شملت البنوك والتجارة والاستثمار والصناعة والزراعة. وتعهَّد نور الذي أعلن برنامجه في دائرته الانتخابية بباب الشعرية بوسط القاهرة بضمان الحريات العامة والشخصية وحرية الرأي والعقيدة. أما مرشح الرئاسة عن حزب الوفد الدكتور نعمان جمعة فقد غاب عن أول مؤتمر لحملته الانتخابية، واكتفى الحزب بنواب جمعة وسكرتير عام الوفد الذين شرحوا في مؤتمر صحفي عُقد بالحزب البرنامج الانتخابي لحزب الوفد. وقال محمود أباظة نائب رئيس الوفد: إن برنامج حزبه يُعالج مسألة إدارة الموارد، كما يهدف إلى وحدة الموازنة المصرية، والكف عن الإسراف غير المبرَّر المتمثل في الاستثمار في مشروعات غير مدروسة؛ مثل توشكى التي ابتلعت مليارات الجنيهات في رمالها. وأوضح أن برنامج حزبه يهدف إلى توفير فرص العمل المطلوبة، وعددها 700 إلى 800 ألف فرصة سنوياً تتكلف حوالي 150 مليار جنيه. وأكد أباظة أن الدكتور نعمان جمعة مستعد لمحاسبته على هذه المبادئ بعد دورته الأولى، وأكد أن الوفد دخل الانتخابات وهو طامع في الفوز، وليس من باب التمثيل المشرِّف. وقال: إن الوفد يخوض الانتخابات كي يُعطي الشعب المصري بديلاً يُمارس من خلاله حقه في الاختيار. وأكد أباظة أن حماية الانتخابات مسؤولية المواطن المصري. وحول القضايا العربية قال نائب رئيس الوفد: إن العمل العربي يحتاج إلى إعادة صياغة شاملة بما يأخذ في الاعتبار مواجهة المشكلات القائمة والأخطار القادمة. ويرى المراقبون أن هذه الوعود الإصلاحية التي هبطت على المصريين في ليلة واحدة ليست جديدة؛ حيث إن كل مرشح قدَّم للناس ما اتَّفقت عليه كل القوى السياسية المصرية على كافة المستويات، ولكن يبقى التنفيذ. وبما أن الرئيس مبارك هو المرشح الأكثر حظاً في الفوز فإن عليه مسؤوليات كبيرة، فيحتاج الشعب منه خلال السنوات الست القادمة أن يحقق له طفرة إلى الأمام على كافة المستويات، وخصوصاً الاقتصادية والسياسية، وهي فترة كافية كي يحقِّق فيها مبارك ما وعد به. ولكنَّ المراقبين يرون أن الرئيس مبارك لم يقدِّم جديداً في هذا البرنامج؛ فقد سبق أن أعلن ذلك في مناسبات عدَّة، آخرها إعلان ترشيحه قبل عدة أسابيع. ومع ذلك يرون أنه الأصلح لقيادة مصر في الفترة المقبلة، وأعربوا عن ثقتهم في أن مبارك سوف يحقق الغالبية العظمى من وعوده الانتخابية في الفترة المقبلة على الأقل. أما المرشحون الآخرون فجاءت برامجهم الانتخابية نسخة من برامج أحزابهم، وهي عبارة عن جمل ووعود جميلة، ولكن لم يتحدث أحد منهم عن كيفية تحقيق هذه الوعود. ومن المتوقع أن تظل مصر طوال هذه الفترة الانتخابية التي تنتهي بإجراء الانتخابات الرئاسية في 7 سبتمبر المقبل مشغولة عما يجري على الساحة السياسية، وقد يصرف هذا الزخم السياسي الناس عن مشكلاتهم اليومية من غلاء وانخفاض أجور، وقد يصيبهم بنوع من الإحباط من كثرة الوعود التي يرون تحقيقها بعيد المنال.