التهجير هو إسكان مجموعة من الناس في سكن مستقر كما نعرف من هجر البادية، أو هو عكس ذلك كطرد معينين من بلد إلى آخر، وشتان بين الهجرتين، فالأولى إلى الاستقرار والأخرى إلى الشتات، وكنموذجين تاريخيين سوف نرى تهجير الإخوان في عهد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله، ونرى تهجير آل مرة من الشقيقة قطر. جاء الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل ليستعيد ملك آبائه وأجداده، وكان لا بد من أن يكون السكان بمختلف نماذجهم عوناً على تطوير البلاد وخدمة العباد، ولكثرة البادية وانتشارها في أماكن من جزيرتهم العربية، ولأنه من الصعوبة أن يتم تطوير الحياة وتهيئة أجيال القوم الرحل، فكان لا بد من تهجيرهم في مستقرات بدوية يعيشون فيها، ويتعلمون واجباتهم ويكونون جندا من جند الوطن الذي يسعى إلى توحيده، وعندما أستعمل كلمة تهجير بدلا من توطين، فلأن التهجير هو أن يسكنوا في قرى سميت بالهجر جميع هجرة، أما التوطين فأن تأتي بأناس ليسوا من أهل الأرض ذاتها ليكونوا سكاناً لها، كما تفعل الصهيونية في توطين اليهود بفلسطين، وكان تهجير الملك للبادية فيه الخير الكثير على الوطن بوجه عام، فقد توفرت أعداد من الجنود للوطن، وحييت أراض كانت ميتة، وتعلم أولئك البدو للحياة الجديدة واستمر أبناؤهم في التعليم مثلهم مثل أشقائهم القرويين، الذين كانوا مستقرين في قراهم ويستصلحونها لمعيشتهم قبل توحيد المملكة، وهناك مصالح كثيرة عادت بالنفع على الأرض والبشر هنا نتيجة تهجير البادية. هذا الفعل والقرار الحكيم من الملك عبد العزيز - رحمه الله - قفز إلى ذهني بعد أن قرأت كثيرا من الكتابات عن تهجير آل مرة من وطنهم قطر إلى المملكة العربية السعودية، وهو ما كان يجب أن لا يكون مهما امتد الخلاف بينهم وبين حكومتهم في قطر، لأن هناك سبلا كثيرة يحكمها العقل والدين والعدالة وشهامة العربي القح كانت هي التي من المفترض أن يعالج بها الأمر، ومهما كان تعليل كل طرف (الحكومة القطرية وآل مرة) وأخطاء الآخر، إلا أن الطرد في زمن التحضر فيه نكوص إلى الوراء، فالأرض أرض الله، والقادمون إليها من كل أجزاء الجزيرة العربية ليس آل مرة وحدهم، بل معهم كثيرون وافدون إليها واستقروا فيها، سواء من أتى من وسط نجد وصار له فيها شأن أو من اليمن ومن بلاد الله الواسعة، المهم أنهم أصبحوا يحملون في عرف العرب ما يسمى (الجيرة) وهو خلق يحافظ عليه العربي بل يدافع عن جاره بكل قوته، فما بالك بطرده من أرضه التي قاسمه عليها الحلوة والمرة يوما ما، ومثل هذا الحدث يعيدنا إلى عصور الظلمة والانحطاط الفكري الذي كانت تعيشه القبائل، وهو إن دل على شيء يمكن أن نستشفه من ردة الفعل فهو يدل على فجيعة وفاجعة أكبر من التحكم في الأعصاب عند صنع قرار الطرد، ومهما يكن الأمر فإن الظلم ظلمات لها عواقب وعقوبة سوف تحل بالظالم لا محالة.تهجير الملك المؤسس للبادية جاء بلسما شافيا وحبا كافيا، وتهجير جيرانه لجيرانهم جاء مرارة لا يذوق طعمها إلا من تجرعها وترك بيته وأهازيج الشباب وجذور الجدود في أرض أعطاها ثم قذفت به.. أفلا يوجد عقل يحكم بما يعقل؟؟ إن الشجاعة هي الاعتراف بالخطأ، وهي تعني الثقة في النفس والقوة بالذات، والرجوع عن الخطأ هو الصح بحد ذاته.. اللهم دل الجميع على الخير لأمتهم.