من المصائب العظام، والرزايا الجسام، أن يتعب الإنسان نفسه، ويكلف جوارحه، في عمل يأمل ثوابه، وينتظر أجره، ولكنه يعود وبالاً عليه، ويصير شراً بين يديه. أي خسارةٍ هي تلك الخسارة، وأي ضلالٍ هو ذلك الضلال، وأي خيبةٍ هي تلك الخيبة لمن كان عمله كذلك، يقول جل جلاله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَة . عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ . تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} تعمل أعمالاً كثيرة إلى درجة التعب، ولكنها لا تنتفع بأعمالها، إنما هي {تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} إنها لخسارة عظيمة عندما يشقى الإنسان بأعمالٍ فتكون هباءً منثوراً، أو كسراب بقيعة، كما قال تبارك وتعالى عن أناسٍ وقعوا في شيءٍ من هذا، عملوا أعمالاً حسب أهوائهم، فقدت شروط القبول، لم تكن خالصة لوجه الله، ولم تكن على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك جعلها الله هباءً منثوراً كما جاء في قوله تعالى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} صار العمل: لا شيء، هو كما قال جل وعلا: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} إنها الخسارة التي لا تعوض، أن يعمل الإنسان العمل، ويتقرب به إلى الله، ويجعله ديناً يدين الله به، وهو بعمله من الضلال الأخسرين أعمالاً، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} يقول ابن جرير رحمه الله: هم كل عامل عملا يحسبه فيه مصيباً وانه لله بفعله مطيع مرض له، وهو بفعله لله مسخط وعن طريق الإيمان به جائر من أهل أي دين كان. وما أكثر أولئك الذين ضل سعيهم في هذه الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، يجتهدون في أعمال لم تشرع لهم، ويتقربون إلى الله بأفعالٍ لا تزيدهم من الله إلا بعداً، منهم كل من حاول شق عصا الطاعة وفارق الجماعة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية). وروى الإمام مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعةٍ لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)،وفي رواية: (ومن مات وهو مفارق للجماعة، فإنه يموت ميتة جاهلية)، فالذي ينكث بيعته، ويخرج على إمامه ولا ينقاد لطاعته في غير معصية، فإنه على خطرٍ عظيم، وقد تشبه بأخلاق أهل الجاهلية. إن ما يفعله بعض الناس من دعوةٍ للخروج على ولي الأمر، وما يسمونه الزحف الكبير، وما يتبع ذلك من مظاهرات واعتصامات، لأمورٍ محرمة منكرة شرعاً، هي ورب الكعبة ليست من الدين، وها هي فتاوى العلماء تحرّم مثل هذه الأفعال المشينة، يقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -: ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباط، دين نظام، ودين سكينة، والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين، وما كان المسلمون يعرفونها، ودين الإسلام دين هدوء ودين رحمة، لا فوضى فيه ولا تشويش ولا إثارة فتن. وسُئل عن الاعتصامات والمظاهرات ضد الحكام والعلماء، فقال: الضرر لا يزال بالضرر، فإذا حدث حادثة فيها ضرر أو منكر فليس الحل أن تكون مظاهرات أو اعتصامات أو تخريب، هذا ليس حلاً، هذا زيادة شر، لكن الحل مراجعة المسؤولين، ومناصحتهم، وبيان الواجب عليهم لعلهم يزيلون هذا الضرر، فإن أزالوه وإلا وجب الصبر عليه تفادياً لضرر أعظم منه. ان ما يدعو إليه من يسمون أنفسهم بالإصلاحيين عبر قنواتهم، لأمرٍ منكر من الخطورة بمكان، يترتب عليه مفاسد عظيمة، وله نتائج خطرة جسيمة، ومن الأمور التي لا يجيزها الدين ولا يدعو إليها الشرع. لأن الدين يحث على جمع الكلمة وتوحيد الأمة، ويحرم ما يخالف ذلك، روى الإمام مسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل - يعني يسابق بالرمي بالنبل والنشاب - ومنا من هو في جشره - يعني دوابه -، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتن يرقق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر). فهي دعوة صادقة للمسلمين عامة ولأهل هذه البلاد خاصة، عبر هذه الصفحة المباركة لجمع الكلمة وتوحيد الصف، والحذر من كل حاقد وحاسد وضال منحرف.