الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    استعراض مسببات حوادث المدينة المنورة    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    نهاية الطفرة الصينية !    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    «كل البيعة خربانة»    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    الأمين العام لاتحاد اللجان الأولمبية يشيد بجهود لجنة الإعلام    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الانتخاب في المجتمع السعودي
نشر في الجزيرة يوم 28 - 02 - 2005


* بدر بن أحمد كريِّم-عضو مجلس الشورى :
محاضرة ألقيت بمكة المكرمة
مساء السبت 24 من شهر المحرم من عام 1426ه
5 مارس - آذار 2005م
(محاضرة عن: ثقافة الانتخاب في المجتمع السعودي) بدر بن أحمد كريّم
توطئة:
استيقظت مدينة الرياض يوم الأول من شهر المحرم من هذا العام 1426ه (10 فبراير - شباط 2005م) لتوضح للعالم، كيف يختار المجتمع السعودي ممثليه في المجالس البلدية، خدمة للوطن، وتجسيداً للطموحات، وتزكية للقادرين على العمل المخلص البناء، وتطويرا للخدمات البلدية (بعيداً عن المحسوبيات، والمصالح الذاتية، والنظرة الآنية الضيقة، ورغبة في تحقيق التوازن في الخدمات والمشروعات لكل الأحياء، ولكل السكان، وفقاً لأولويات دقيقة لا ترتهن لأي اعتبارات غير موضوعية)(1).
واستيقظت منطقة مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والقصيم، وتبوك يوم 7 محرم 1426ه (15 فبراير 2005م) على وقع خُطوات الناخبين وهم يسجلون أسماءهم في جداول الناخبين، لتكتمل معالم المشاركة الشعبية في صنع القرار، فالجميع (أمام رهان حقيقي لهذا الوطن، وهم أدواته في الإصلاح والتطوير، وهم غاية الإصلاح والمستفيد الأول منه، والاختيار مسؤولية لا تناط بغير القادرين عليها، والمشاركة فعل لا يقدر عليه سوى الأقوياء، وأما المواطنة فهي ليست مجرد بطاقة أحوال، أو جواز سفر، لكنها انتماء ومسؤولية، تتأكد بالمشاركة وبالاختيار).(2)
ومن هنا أتفق مع الرأي القائل: (إنه من المهم أن يعي المواطن السعودي أهمية هذه التجربة، وأهمية التأسيس للثقافة الانتخابية، التي ستؤدي مستقبلاً الدور المهم في بناء وتخطيط وإدارة الحياة، لأنها بوابة المشاركة الفعلية في صناعة المستقبل، وإن ممارسة حق الانتخاب أو الترشيح في عرف الحضارة اليوم، هي حق أصيل للإنسان، يعبر عن حرية الاختيار، والإسهام في تقرير الحياة، وليس أقل من أن يمارس الإنسان هذا الحق، كواجب محتم تجاه نفسه، ومجتمعه، ووطنه).(3)
المدلول الاجتماعي لمفهوم الانتخاب:
يعرّف الانتخاب (Election) في العلوم الاجتماعية بأنه (أحد أشكال الإجراءات التي تقررها قواعد منظمة ما، ويُختار بمقتضاه بعض أو جميع الأعضاء شخصاً أو عدداً من الأشخاص، لتولي السلطة في المجتمع).(4)
وعلى هذا النحو، فإن لكل مؤسسة اجتماعية، أن تضع قواعد تختار - وفقاً لها - فرداً أو أفراداً، يسهمون بجهودهم في إدارتها، بحكم أن هذه المؤسسة تناط بها مسؤولية تنظيم جماعة اجتماعية، ومن ثم تصبح سلطتها التنظيمية طبقاً لما اتفقت عليه وأقرته الجماعة.
الانتخاب في النظم السياسية:
ترى النظم السياسية أن الانتخاب (حق) يعتمد على أن كل مواطن، يعد جزءاً من سيادة الشعب، ومن ثم له حق الاشتراك في الشؤون العامة. ولا تجيز الأنظمة السياسية حرمان أحد من هذا الحق، إلا عديمي الأهلية ومن في حكمهم.(5)
ويوجد نظامان للانتخابات: الاقتراع العام والاقتراع المقيَّد، ولإيضاح المقصود بذلك ترى بعض المراجع العلمية، أن الاقتراع العام (ليس معناه أن يكون الانتخاب حتماً لكل فرد، دون قيد أو شرط، وإنما هو نظام لا يقيد بمقتضاه حق الانتخاب، بنصاب مالي أو أهلية معينة، مع جواز تقييده بما عدا ذلك من الشروط)(6) في حين يكون الاقتراع مُقيداً (إذا لم يُخول حق الانتخاب، إلا لمن تتوافر فيهم شروط مالية أو أهلية معينة)(7).
ويذهب بعض الباحثين، إلى أن الانتخاب قد يكون مباشرا، يختار فيه الناخبون أعضاء المجلس النيابي بأنفسهم، كما قد يكون غير مباشر، ويختار فيه الناخبون مندوبين يقومون عنهم باختيار أعضاء المجلس النيابي).(8)
الجذور التاريخية للانتخابات البلدية في المجتمع السعودي:(9)
عند دخول الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - مكة المكرمة أمر بتكوين (مجلس أهلي) تألف آنذاك من اثني عشر عضواً يختارهم المواطنون، لمساعدته في إدارة شؤون العاصمة المقدسة، وتم ذلك عند دخوله لها عام 1343ه (1925م). وقد تطور هذا المجلس، وامتد أفقياً ليشمل كامل المنطقة الحجازية، فإضافة إلى مكة المكرمة، امتدت فكرة تطبيق المجالس الأهلية لتشمل: المدينة المنورة، وجدة، وينبع، والطائف، وشارك في هذه المجالس الأهلية نخبة من العلماء والأدباء، والمفكرين، ورجال الأعمال (التجار). وكانت هذه المجالس الأهلية هي النواة الأولى لباقي المجالس المدنية، حيث من المؤمل أن تحصل المجالس البلدية - التي سوف تمارس أعمالها قريباً إن شاء الله - على صلاحيات تتناسب ورغبة الحكومة، في قيام هذه المجالس بما يناط بها من مسؤوليات في الرقابة، والإشراف، والاشتراك في صنع القرارات جنبا إلى جنب مع إدارات البلديات ومسؤوليها.
الملك عبدالعزيز وفكرة الانتخابات
يُعد الملك عبدالعزيز آل سعود - يرحمه الله - أول من نادى بفكرة الانتخابات، فعندما أصدر أول مرسوم ملكي بإنشاء الإذاعة، ذي الرقم (7-3-3669) والتاريخ 23 رمضان من عام 1368ه (18 يوليو 1949م) موجّهاً لابنه فيصل الملك (الملك فيما بعد) طالباً - في المادة الأولى من هذا المرسوم أن (ينتخب مدير أو مستشار مسؤول أمام الحكومة، عن محطة الإذاعة وما يذاع فيها، وعن الأعمال الإدارية وهي: تهيئة المقالات، والأخبار التي ستذيعها، وتدقيقها وتمحيصها، والعمل على تحسين هذه البرامج، وتمرين المعاونين، وتدريبهم على هذه الأعمال).(10)
ونفهم من كلمة (ينتخب) حسن الاختيار، وضرورة توافر شروط الفهم الكامل لسياسة الدولة، والإلمام الكافي والواعي بالأوضاع الدينية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية للمجتمع السعودي، مع الإدراك الكامل لأدوار ووظائف الإذاعة في مجتمع انتقل آنذاك من مرحلة تخلف إلى مرحلة حضارية متقدمة، تستوجب أن يكون الولاء فيها للوطن، لا للقبيلة أو العشيرة، بحيث ينصهر المجتمع بكل فئاته، وأنواعها، وأطيافه في بوتقة الوطن.
مصطلح (ثقافة) ومكوناتها:
المقصود بمصطلح ثقافة من منظور علم الاجتماع (كل ما هو موجود في المجتمع الإنساني، ويتم توارثه اجتماعياً وليس بيولوجيا، ويدل على الجوانب الرمزية والمكتسبة في المجتمع الإنساني)(11) ومن ثم فهذا التعريف ينطبق على ثقافة المجتمع السعودي، بما فيها ثقافة الانتخابات بمفهومها العلمي المعاصر، مكرسة الموافقة السامية على إجراء انتخابات بلدية، تشرك الفرد والجماعة في تنظيم أوضاع المجتمع.
ثقافة الانتخابات من أين تبدأ؟
تبدأ ثقافة الانتخابات من ثقافة الحوار (بالتي هي أحسن) بما تشتمل عليه من: مناقشة واستدلال. فقد ثبت أن الفقهاء المسلمين، استعانوا بالمقدمات اليقينية، في الاستدلال على الأحكام الشرعية، والرد على خصومهم، فيما تقوم ثقافة الانتخاب على: الحجة بالحجة، وسؤال، وجواب، وتبدأ ثقافة الانتخاب عندما نصغي لصوت الطفل في المنزل، ونجادله بالتي هي أحسن، ونعطيه فرصة إبداء الرأي، ونشركه في القرارات المصيرية له، ونعوده على تقبل التعددية في الاختيار، ونقنعه بصواب أو بخطأ ما يختار ليكرس المجتمع السعودي لثقافة الانتخاب، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الحوار الوطني، التي تمثلت في أكثر من مناسبة على الصعيد المحلي، حفاظاً على وحدة الوطن، وعدم تعرض المجتمع لعوامل الضعف أو الوهن، جراء ممارسات غير مسؤولة قد تبدد الجهود الواعية المخلصة، وتحاول بعثرة النوايا الحسنة.
لماذا نتعلم ثقافة الانتخاب؟
بما أن ثقافة الانتخابات لا يولد المرء مزوداً بها، بل يكتسبها عن طريق التعلُّم، فيحسنُ أن يتعلم الفرد أن تحقيق النفع الأكبر لمجتمعه، ثم لنفسه وللآخرين، أولى أدوات ثقافة الانتخابات، وأن إحداث تغييرات في أسلوب تفكيره وتصرفاته مع الناس، بما يتواءم مع أهداف الانتخابات، يجعل بوسعه توجيه وتحديد أولويات اختياراته، فأساليب التفكير المشوهة، تؤدي إلى ظهور سلوكيات معيبة وغير صحيحة.
ويحسن بالفرد وهو يتعلم ثقافة الانتخابات، أن يؤيد ويساند ما يعتقد أنه صحيح، وأن يرفض وينتقد ما لا يرقى إلى مستوى التطلعات الاجتماعية، وأن لا يضيره إذا غضب منه الآخرون عند قول كلمة حق، فقواعد انتخاب الآخرين، تبنى عادة على أساس أنهم يمدون العون لمجتمعهم ولنا، فيكونون أحسن صنعاً، والآخرون محط اهتمامهم، ونظرتهم متفائلة، وأن لا يفرطوا في الواجبات الاجتماعية، أو تتسم ردود أفعالهم بالسلبية، وأن يكونوا أصدقاء صدوقين يعتمد عليهم الآخرون.
إن من يسعى لأن ينتخبه الآخرون، لا ينبغي أن ينظر لنفسه على أنه طيب ولطيف بشكل عادي فحسب، ولكن أن ينظر إلى آماد بعيدة، ويبالغ في مجهوداته، ويضاعف منها، وهنا تكمن الوقاية والحماية، وهو ما يسمى بالنظام الفكري المنطقي المعقول الذي يرى (أن أفضل طريقة للبشر في حماية أنفسهم، من الضغط في العلاقات بين بعضهم البعض، أن تكون عطوفاً مع الآخرين، وهي طريقة مهمة جداً كوسيلة للعيش).(12)
اللائحة وبناء الثقافة الانتخابية:
جزم خالد السليمان بأن الانتخابات البلدية (تكتسب أهميتها من كونها الخطوة الأولى، على طريق بناء وتكوين الثقافة الانتخابية السعودية، أكثر من كونها تهدف إلى إنشاء مجالس بلدية منتخبة).(13)
وشدد على أن المشاركة الشعبية الواعية، هي صمام الأمان الذي نعول عليه، لزيادة فرص نجاح هذه التجربة الانتخابية، والجسر الآمن لعبور الكفاءات الجديرة بخدمة المجتمع، إلى الفوز بعضوية المجالس، بينما لن يقود التقاعس عن مثل هذه المشاركة، إلا إلى تهميش الأهداف التي قامت من أجلها هذه المجالس، والثغرة التي ينفذ منها أصحاب المصالح والغايات الخاصة، والكفاءات البسيطة لاحتلال المقاعد، مبينا أن الانتخابات البلدية (فرصة ثمينة ليشعر كل مواطن بدوره في صناعة القرار، والتخطيط للمستقبل، وممارسة حقه في اختيار الشخص المناسب، ليكون في المكان المناسب لخدمة تطلعاته، وتحقيق أحلامه، وترجمة آماله، وهي مشاركة وإن لم تتم في هذه الدورة، فإنها ستتحقق في الدورات القادمة، وتكوين الثقافة الانتخابية التي نرجوها).(14)
وأبدت إيمان القويفيلي اقتناعها بأن (هذه البلاد بصدد الانضمام للمشروع الديمقراطي)(15) وأقرت بأن هذه المشاركة الشعبية، تجعل المواطن في موقع المسؤولية المشتركة مع الجهات الرسمية، وهذا يزيد من مستوى الوعي والمبادرة لدى المواطنين، الذين عليهم أن يكونوا على قدر المسؤولية، وأن يؤدوا واجباتهم تجاه وطنهم.(16)
ولكنّ فاطمة العتيبي رأت أن زمن الكلام انتهى، ووصفت الناخبين بأنهم (المحكمة التي ستصدر حكم النجاح أو الفشل، في تحقيق وتنفيذ هذه الوعود، والعبارات والشعارات المنمقة)(17) وطالبت المرشحين بالتريُّث والتأني في رصف الكلمات (فكل شيء حين يفوزون سيحاسبون عليه.. لن يكون الناخبون مجرد بوابة عبور يدخل من خلالها المرشحون).(18)
في ضوء ما تقدم أرى أن الانتخابات البلدية، ستكون ثرة وعميقة لثقافة المجتمع السعودي. وإذا كان الناس ينتظرون نتائجها، فإن هذه النتائج ينبغي أن تكون موضع دراسة، وتمحيص، واستدلال، ليستفيد منها المجتمع فيما هو مقبل عليه، من تجارب على مستويات عليا، تبدأ بمجالس المناطق، وتنتهي بمجلس الشورى.
مَنْ تنتخِب؟
هذه مجموعة من الصفات والأخلاقيات التي أرى أنها جديرة بمن ينتخبه الناس (الناخبون):
أولاً: الإنسان العاقل. والعاقل في اللغة: هو الذي يحبس نفسه ويردّها عن هواها.(9) فحبس النفس عن معصية الله من العقل، وضبط النفس بقوة الإرادة من العقل، والصبر من العقل، والحكمة في تصريف الأمور من العقل، وعلى هذا النحو فالعقل ينطبق على الإرادة الحازمة، القوية، القادرة على ضبط النفس، المستندة إلى نتائج العقل العلمي الواعي، وما انتهى إليه من حقائق فهمها، ووعاها، وعقَلَها، وقدّم بها نصحه للعقل الإرادي.(20)
ثانياً: الإنسان الأمين: فالأمانة من أحاسن الأخلاق، ومن أفضل السلوكيات الاجتماعية، ومن كان ذا خلق حسن، وسلوك اجتماعي فاضل، فهو جدير بأن ننتخبه. والأمانة في الأصل تمثل ميلا فطريا في الإنسان قابلا للتنمية، حتى يكون خلقاً قوياً فعالاً راسخاً في النفس، مؤثراً في السلوك، وذلك بالتربية والتدريب، لأن الأمانة فطرية في بروزها، مكتسبة فيما وراء ذلك.(21)
ثالثاً: الإنسان القوي: والقوة تعني: القدرة والاستطاعة في الماديات والمعنويات. وهذه القوة المعنوية فضيلة من الفضائل، يُعنى بها رجال الأخلاق والأدب. وقد استعمل القرآن القوة بمعنى صدق العزيمة وصلابة الإرادة، إذ يقول الله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(22) ويُقصد بالقوة قوة الإيمان، وقوة الأخلاق، وقوة العلم، وقوة الرأي، وقوة الكلمة، فإذا توافرت هذه الأنواع لإنسان، فقد بلغ قمة ملحوظة في تقدير رجال الأخلاق والفضائل، وإذا توافر له جانب من هذه الأنواع، كان له من المنزلة بقدر هذا الجانب.(23)
رابعاً: الإنسان العادل: يعرّف العدل بأنه (إعطاء كل ذي حق ما يعادل حقه ويساويه، دون زيادة أو نقصان)(24) وحينما يتحول العدل من كونه أثرا من آثار حب الحق، أو ثمرة من ثمرات الإيمان، إلى كونه ظاهرة عملية متكررة في سلوك الفرد، كلما اقتضى الحق والإيمان بالعدل، فإنه يكون حينئذ خلقا من أخلاقه المتمكنة فيه، وذلك بسبب تكرار التدرب العملي عليه، وعدم الاستجابة لنوازع النفس وشهواتها، وأهوائها، ونوازغ شياطين الإنس والجن.(25)
خامساً: الإنسان الصادق: يعرّف الصدق بأنه (القول المطابق للواقع والحقيقة)(25) والإنسان الصادق لا يقول بلسانه، خلاف ما في قلبه، والكلام الصدق هو ما كان مطابقاً للواقع والحقيقة، والمتكلم الصادق هو المُخْبِرُ بما يطابق اعتقاده، وكما يكون الصدق والكذب في الأقوال، يكونان في الأفعال، فقد يصدق الناس في تعبيراتهم الفعلية، وقد يكذبون. روى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُطْبَعُ المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب).(26)
الخلاصة:
تأسيساً على ما تقدم يمكن القول: إن ارتفاع الوعي بثقافة الانتخابات، يفضي بالمجتمع السعودي (أفراداً وجماعات) إلى المشاركة في صنع القرار، وإن الانتخابات البلدية خطوة بالغة الأهمية، تصل بقطاع كبير من الناس إلى مواقع الخدمة الوطنية، فالمجالس البلدية - تزاول من بين ما تزاول - دوراً رقابياً، يؤدي إلى المساءلة والمحاسبة، ومن ثم يتوقع المواطن منها الكثير، ويجب تعزيز قدرة الفرد السعودي على الفرز، والتمييز، والتخطيط للمستقبل.
ولقد كان خطاب خادم الحرمين الشريفين (الملك فهد بن عبدالعزيز) في السنة الثالثة من الدورة الثانية لمجلس الشورى (16 ربيع الأول 1424ه) صريحاً عندما قال: (أقول لكل مواطنة: إن هذا الوطن للجميع، وإن المواطنة الصالحة شريكة في صنع المستقبل، كما هو المواطن الصالح) وأضاف المليك قائلاً: (إننا سنستمر في طريق الإصلاح السياسي والإداري، وسنعمل على مراجعة الأنظمة والتعليمات، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية، وفتح آفاق أوسع لعمل المرأة، في إطار تعليم الشريعة الغراء).
الهوامش
(1) صحيفة عكاظ، رأي عكاظ، س47، ع14051، 5 محرم 1426ه، 14 فبراير 2005م، ص1.
(2) صحيفة المدينة، كلمات المدينة. س 70، ع15274، 7 محرم 1426ه، 6 فبراير 2005م، ص1.
(3) خالد السليمان، ولادة الثقافة الانتخابية السعودية. مقال في مجلة المجلة، ع1403، 6 - 12- 2-2005م، ص26.
(4) أحمد زكي بدوي - معجم العلوم الاجتماعية، بيروت: مكتبة لبنان 1977م، ص129.
(5) المرجع السابق، ص129.
(6) المرجع سابق، ص129.
(7) المرجع السابق، ص129.
(8) المرجع السابق، ص129.
(9) صالح بن عبدالله المالك، انتخابات المجالس البلدية واختصاصاتها، معلومات تلقاها الباحث بناء على طلبه يوم 6 محرم 1426ه، 15 فبراير 2005م.
(10) انظر:
- عبدالرحمن الشبيلي، تاريخ الإعلام السعودي، محاضرات (مطبوعة) لطلبة قسم الإعلام بجامعة الملك سعود بالرياض، العام الدراسي 1400 - 1401ه، ص68.
- بدر بن أحمد كريم - نشأة وتطور الإذاعة في المجتمع السعودي من عام 1368 - 1419ه - 1949 - 1998م، الطبعة الثالثة مزيدة ومنقحة، الرياض: مطابع الفرزدق التجارية، 1420ه 2000م، ص ص 566 - 567.
(11) جوردن مارشال - موسوعة علم الاجتماع، المجلد الأول، مراجعة وتقديم وشارك في الترجمة محمد محمود الجوهري، ط1، القاهرة: المركز المصري العربي، 2000م، ص ص 511 - 512.
(12) هاريت بي. برايكر، داء إرضاء الآخرين، ط1، الرياض: مكتبة جرير، 2004م، ص36.
(13) خالد السليمان، مرجع سابق، ص26.
(14) المرجع السابق، ص26.
(15) إيمان القويفيلي، إرساء مبادئ العدالة والمساواة، مقال في: مجلة المجلة، ع1304، مرجع سابق، ص28.
(16) المرجع السابق، ص28.
(17) فاطمة العتيبي، الرياض.. أجواء انتخابات جديدة، مقال في: صحيفة الجزيرة، ع11814، 23 من ذي الحجة من عام 1425ه، 1 فبراير - شباط 2005م، ص9.
(18) المرجع السابق، ص9.
(19) عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني - الأخلاق الإسلامية وأسسها، ط1، ج1، دمشق: دار القلم، 1417ه، 1996م، ص113.
(20) المرجع السابق، ص327.
(21) المرجع السابق، ص184.
(22) سورة البقرة، الآية 63.
(23) أحمد الشرباصي، موسوعة أخلاق القرآن، ط3، مج1، بيروت: دار الرائد العربي، 1407ه، 1987م، ص ص 249 - 250.
(24) عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني، مرجع سابق، ص622.
(25) المرجع السابق، ص625.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.