مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    محترفات التنس عندنا في الرياض!    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    على يد ترمب.. أمريكا عاصمة العملات المشفرة الجديدة    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    الذاكرة.. وحاسة الشم    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    إرشاد مكاني بلغات في المسجد الحرام    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عدد من المتخصّصين والمهتمين يفندون مزاعم الفكر التكفيري
أكدّوا خطورته وقدّموا مقترحات للتصدّي له

يعدّ فكر التكفير من أخطر الأفكار المنحرفة، والفتن التي ظهرت في مجتمعنا خلال السنوات القليلة الماضية وأفرزت أعمالاً إرهابية ينبذها الإسلام ولا تمت إليه بأيّ صلة. والتكفير قضية خطيرة حذر منها العلماء؛ لما يترتب عليها من آثار وتبعات في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ولأهمية تجنيب شبابنا هذا الفكر والأفكار المنحرفة المماثلة، وإدراكاً من (الجزيرة) لمسؤولياتها تجاه حماية الشباب من هذه الأفكار استطلعت آراء عدد من المختصين والمختصات الذين أكدوا أهمية هذا الموضوع وضرورة توحيد الجهود وتكثيفها في هذا الشأن.
بداية تحدث قاضي محكمة محافظة الأسياح في منطقة القصيم الشيخ عبد الله بن محمد العميريني حيث تناول فتنة التكفير وأصولها والرد عليها وموقف أهل السنة والجماعة تجاه ذلك فقال: التكفير شره عظيم، وخطره جسيم، وعواقبه وخيمة، ونهايته مؤلمة، وفواجعه لا تنتهي.
وأكد أنه لا يسارع في التكفير من كان عنده مسحة من ورع ودين، أو شذرة من علم ويقين، ذلك بأن التكفير وبيل العاقبة بشع الثمرة، تتصدع له القلوب المؤمنة، وتفزع منه النفوس المطمئنة.
*******
يقول العلامة الشوكاني في السيل الجرار (4 - 58): وها هنا تسكب العبرات، ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر، لا لسنّة، ولا لقرآن، ولا لبيان من الله، ولا لبرهان، بل لما غلت به مراجل العصبية في الدين، وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين لقنهم إلزامات بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء، والسراب بقيعة، فبالله وللمسلمين من هذه الفاقرة التي هي أعظم فواقر الدين، والرزية التي ما رزئ بمثلها سبيل المؤمنين... والأدلة الدالة على وجوب صيانة عرض المسلم واحترامه تدل بفحوى الخطاب على تجنب القدح في دينه بأي قادح فكيف إخراجه عن الملة الإسلامية إلى الملة الكفرية، فإن هذه جناية لا تعدلها جناية، وجرأة لا تماثلها جرأة، وأين هذا المجترئ على تكفير أخيه من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام). أ. ه.
والأحاديث الخاصة بالترهيب العظيم من تكفير المسلمين كثيرة نذكر منها على سبيل المثال: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه)، (رواهما مسلم في صحيحه). وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك). وقال - صلى الله عليه وسلم -: (.. ومن رمى مؤمناً بكفر، فهو كقتله)، (رواهما البخاري في صحيحه).
وأضاف العميريني: التكفير حكم شرعي، مرده إلى الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن ثبت إسلامه بيقين، لم يزل عنه ذلك إلا بيقين، ولا يجوز إيقاع حكم التكفير على أي مسلم، إلا ما دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة، صريحة بينة، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن.
وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول، أو العمل، أو الاعتقاد: كفر، ولا يكفر به أحد عيناً إلا إذا أقيمت عليه الحجة بتحقق الشروط وانتفاء الموانع وهي:
(أولاً: العلم، وذلك بأن يعلم المسلم أن هذا العمل كفر ويقابله من الموانع الجهل فمتى حل الجهل ارتفع التكفير، قال سبحانه وتعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)(النساء: 115) فمن لم يتبين له الأمر فلا تنزل نُصوص الوعيد عليه.
ثانياً: قصد القول أو الفعل الكفري، والمراد به تعمد القول أو الفعل ويقابله من الموانع الخطأ، أي أن يقع القول أو الفعل دون قصد كسبق اللسان أو السهو ويدل له قوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(البقرة: 286)، قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (قد فعلت) رواه مسلم.
ثالثاً: الاختيار، ويقابله من الموانع الإكراه؛ قال تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ((النحل: 106).
رابعاً: التأويل غير السائغ، ويقابله من الموانع التأويل السائغ، ويدل له اتفاق الصحابة على عدم تكفير الذين استحلوا الخمر لأنهم تأولوا قوله سبحانه: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ} (المائدة: 93) بجواز شرب الخمر مع التقوى والإيمان (رواه عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح)، على أن الخمر محرمة تحريماً قاطعاً ولكن الصحابة لم يكفروهم لوجود الشبهة وهي تأويلهم الآية الكريمة.
وهذا كله لأن التكفير حق لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن لم يصب في إطلاقه فإنه يعود إليه كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من قال لأخيه يا كافر إن كان كما قال وإلا حارت عليه).
وكرر فضيلته التأكيد بالقول: إن التكفير حكم شرعي، مرده إلى الله ورسوله فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب إلى الله ورسوله، فكذلك التكفير وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل يكون كفراً أكبر مخرجاً عن الملة.
ولما كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله لم يجز أن نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن، لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة، وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات، مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير، فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات ولذلك حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر فقال: (أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه). وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر، ولا يكفر من اتصف به لوجود مانع يمنع من كفره، وهذا الحكم كغيره من الأحكام التي لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها كما في الإرث؛ سببه القرابة - مثلاً - وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين، وهكذا الكفر يكره عليه المؤمن فلا يكفر به وقد ينطق المسلم بكلمة الكفر لغلبة فرح أو غضب أو نحوهما فلا يكفر بها لعدم القصد كما في قصة الذي قال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك).. أخطأ من شدة الفرح. والتسرع في التكفير تترتب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم والمال ومنع التوارث وفسخ النكاح وغيرها مما يترتب على الردة فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة.
وأضاف: إذا كان هذا في ولاة الأمور كان أشد لما يترتب عليه من التمرد عليهم وحمل السلاح عليهم وإشاعة الفوضى وسفك الدماء وفساد العباد والبلاد ولهذا منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من منابذتهم فقال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)؛ فأفاد قوله (إلا أن تروا) أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة، وأفاد قوله (كفراً) أنه لا يكفي الفسوق ولو كبر، كالظلم وشرب الخمر ولعب القمار، والاستئثار المحرم وأفاد قوله (بواحاً) أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح أي صريح ظاهر وأفاد قوله (عندكم فيه من الله برهان) أنه لا بد من دليل صريح بحيث يكون صحيح الثبوت، صريح الدلالة، فلا يكفي الدليل ضعيف السند، ولا غامض الدلالة.
وأفاد قوله (من الله) أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وهذه القيود تدل على خطورة الأمر.
وجملة القول: أن التسرع في التكفير له خطره العظيم لقول الله عز وجل: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
إن ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال الخاصة والعامة وتفجير المساكن والمركبات وتخريب المنشآت فهذه الأعمال وأمثالها محرمة شرعا بإجماع المسلمين لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة وهتك لحرمة الأموال .. هتك لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها.
وأشار الشيخ العميريني إلى أن الإسلام حفظ للمسلمين أموالهم وأعراضهم وأبدانهم وحرم انتهاكها وشدد في ذلك وكان من آخر ما بلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته فقال في خطبة حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا) ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد)، متفق عليه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وقال - عليه الصلاة والسلام -: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة). وقد توعد الله - سبحانه - مَن قتل نفسا معصومة بأشد الوعيد فقال سبحانه في قتل المؤمن: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) وقال سبحانه في قتل الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ: (وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً)
فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة فكيف إذا قتل عمداً، فإن الجريمة تكون أعظم، والإثم يكون أكبر، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة).
وأوضح أن الإسلام بريء من هذا المعتقد الخاطئ وان ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة وتخريب للمنشآت هو عمل إجرامي والإسلام بريء منه، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه فإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة فهو يحمل إثمه وجرمه فلا يحتسب عمله على الإسلام ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام المعتصمين بالكتاب والسنة المستمسكين بحبل الله المتين، وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة؛ ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه محذرة من مصاحبة أهله قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)(البقرة 204 - 206)
لم نصل لمفهوم الظاهرة
كما تحدث مدير عام الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام في مدينة الرياض صالح بن عبد الله اليوسف فقال:
أولاً: إن مشكلة الإرهاب وما يتعلق بها من أفكار كالتكفير ليست ظاهرة في مجتمعنا - ولله الحمد - مشيراً إلى أن تعريف الظاهرة هي أن تكون منتشرة في المجتمع ولكن ذلك غير موجود في مجتمعنا والدليل أن جميع الأسر والمجتمع يرفضون بشكل مطلق هذا السلوك والمنتمين إليه.
وأكد أن التكفير وما يرتبط به من إرهاب أمر خطير ويعود ضرره على الفرد نفسه بداية حيث إنه يجرّ نفسه للويلات والمهالك والمصيبة الكبيرة إذا أقدم على الانتحار وبحجج واهية، وهذه مصيبة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حذر من قتل النفس وجعل ذلك من الموبقات السبع.
ثانياً: إن التكفير وما يرتبط به من أعمال إرهابية يجر المشاكل على أسرة الشخص ومجتمعه القريب فقد رأينا وسمعنا معاناة الآباء والأمهات الذين ابتلوا بأبناء يحملون هذا الفكر التكفيري الخطير، وهذا بلا شك من أعظم العقوق للوالدين.
ثالثاً: الإضرار بالمجتمع والوطن وأمنه ومدخراته فقد شاهدنا الدمار للمساكن والممتلكات واليتم للأطفال والترمل للنساء نتيجة التفجيرات التي حدثت في بلادنا - حفظها الله -.
والأمر الرابع هو الضرر على الدين حيث إن أصحاب هذا الفكر جعلوا الدين ستاراً وغطاءً لأعمالهم الإرهابية؛ وبالتالي شوهوا الإسلام وقدموا للآخرين صورة غير الصورة الحقيقية للإسلام وهذا كذب وافتراء؛ فالإسلام والعلماء والمشايخ وحلقات التحفيظ والمراكز الصيفية ليست لها علاقة بهذه الأفكار والتصرفات الفردية الشاذة.
وعن كيفية حماية شبابنا من هذا الفكر يرى اليوسف أن هذا يتم من خلال أربعة محاور؛ أولها العلماء والمشايخ والدعاة والخطباء فهؤلاء مطالبون بمحاربة تلك الأفكار من خلال توضيح سماحة الإسلام وقبوله الطرف الآخر وكيفية التعامل مع من يخالفنا في العقيدة والمنهج وتوضيح المنهج الشرعي في التكفير حتى لا يقع الشباب مع أشخاص يدّعون العلم ويوقعونهم في هذا الفكر.
والمحور الثاني المؤسسات التعليمية والاجتماعية والإعلامية والأندية الرياضية بحيث توحد أهدافها وتكثف برامجها في مجال تربية وتثقيف الأطفال والشباب وتوعيتهم عن هذه الأفكار الخطيرة وإيجاد قنوات للتحاور مع الشباب حتى لا يقعوا فريسة لهذا الفكر ومن يحمله من خلال الحوار الهادف المنظم سواء في المدارس أو الأندية أو البرامج التلفزيونية والإذاعية أو في المراكز الصيفية وكل الوسائل المتاحة.
والمحور الثالث الأسرة ممثلة في الآباء والأمهات والأقارب المحيطين بالشاب إذ ينبغي أن يركزوا على الأبناء وتصرفاتهم ومع من يختلطون والعمل على تنشئتهم تنشئة صحيحة متوازنة.
والمحور الرابع هو دور الشاب مع نفسه وهو ما يسمى التربية الذاتية، وتتمثل في تثقيف الشاب نفسه بنفسه ومعرفة ما يحاك حوله من مخططات وأفكار تضره وتضر مجتمعه، وأن يلتف حول العلماء المعروفين ليكونوا المصدر الأساسي له في طلب العلم والفتوى وبالتالي يجنب نفسه أصحاب الفتوى المضللة والمهلكة.
وسطية علماء الإسلام
يرى أمام جامع أبي بكر الصديق في الأسياح خالد محمد الحسن أن مسألة التكفير من المسائل الكبيرة والقضايا الخطيرة التي قد خاض فيها في هذا الزمن الصغير والكبير والعالم والجاهل حتى صاروا فيها بين غالٍ وجافٍ ومتسرع ومنصف، مع أن المفترض ألا يتكلم في هذه المسألة إلا من هو أهل لذلك، ولكن الله -عز وجل - قد هدى علماءنا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فقرروا هذه المسألة بعلم وعدل وتوسطوا بين أهل الغلو والجفاء وتنبهوا ونبهوا إلى خطورة هذه المسألة وعظم شأنها وما يترتب عليها من نتائج في الدنيا والآخرة فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (اعلم أن مسألة التكفير والتفسيق هي من مسائل الأسماء والأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدنيا والآخرة وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدنيا والآخرة؛ فإن الله أوجب الجنة للمؤمنين وحرّم الجنة على الكافرين وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان).
ويقول أيضاً - رحمه الله -: (وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وان أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة).
ويقول كذلك - رحمه الله -: (إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع). أ. ه.
ومن خلال هذا الكلام وغيره يتبين لنا الفرق بين التكفير المطلق وتكفير المعين ويتبين أيضاً الفرق بين من غلا وتجاوز فادعى تكفير المعين بإطلاق وبين من امتنع عن تكفير المعين بإطلاق، والوسط هو مذهب أهل السنة حيث إنهم ينظرون إلى توافر الشروط وانتفاء الموانع بكل عدل وعلم، وهذا واضح من كلام الشوكاني - رحمه الله - حيث يقول: (اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث المروية عن طريق جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - أن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما). انتهى.وأيضاً نتذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من كفر مسلما فقد كفر) وهذا الحديث ينطبق على من أطلق التكفير في غير محله، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من قال لأخيه يا عدو الله أو قال يا كافر وليس كذلك إلا حار عليه).
حماية الناشئة
أما المشرفة المركزية في وزارة التربية والتعليم منى عبد العزيز عبد الله البابطين فقد أكدت خطورة هذا الموضوع وضرورة الاهتمام بالأبناء والشباب والحرص على عدم الوقوع فيه، وأبرزت عدداً من الأمور التي ستسهم في تجنيب الأبناء والشباب هذا الفكر، أهمها القدوة الصالحة من الوالدين والتربية الصحيحة المستقيمة وتحصينهم بالعلوم الشرعية المبنية على الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح والعلماء المعروفين والحفاظ عليهم من الأفكار الهدامة والاعتقادات المنحرفة من خلال متابعة ومعرفة ما يقرأون ويشاهدون وتوجيههم ونصحهم وتوضيح الصواب من الخطأ لهم. كذلك توجيههم للرفقة الصالحة واختيار الجلساء والأصدقاء المعروفين بأخلاقهم واستقامتهم.
وحذرت البابطين من انفتاح الأبناء غير المنضبط على الشبكة العالمية (الإنترنت) مؤكدة انه لا بد من التعامل معها من البناء بحذر وأن يكون الأبناء والشباب على علم ومعرفة ودراية بالاستخدام الأمثل بعيداً عن المواقع المشبوهة التي تحارب الدين وتعادي الوطن مع أهمية مراقبة الأبناء وبيان الحق من الباطل والصالح من الطالح.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أهمية منح الوالدين الأبناء الحب والعاطفة والقرب منهم ومعرفة مشاكلهم وأفكارهم ومناقشتها بالحوار الهادئ والأسلوب المناسب لسنهم دون تعنيف أو شدة أو إهمال.
فيما تؤكد عروب محمد الريس من منسوبات الإشراف التربوي للبنات في الرياض أن كل مواطن ومواطنة لديهما مهمة كبيرة جداً ومداها يصل إلى سنوات إلى الأمام وهي التربية سواء كأب وأم أو كمعلم ومعلمة أو حتى كشخص غريب قد تتم مصادفته في الشارع، مشيرة إلى أن الأطفال والشباب هم مستقبل هذا الوطن ولكي نسهم في هذا المستقبل علينا التركيز على التربية أكثر فهي كلمة نسمعها كثيراً ويسهل قولها، ولكن أعتقد أن القليل جداً يطبقونها حرفياً فهي تعني الكثير فهناك عوامل كثيرة تؤثر في بناء شخصية الطفل في المنزل وفي المدرسة وفي الشارع وفي كل مكان فالطفل سريع التأثر بمن حوله؛ فبإشغال الطفل بنشاطات أو دروس أو حتى نظام معين يتبعه سيغرز لديه حب التفكير والتركيز على ما هو مفيد ومسل وممتع فأنا كأم أود أن أبني جيلا سليما وأعني بسليم ألا يكون فيه أي شوائب أو أفكار هدامة وعدوانية.
وتضيف الريس أن هذه الأفكار لا تأتي فجأة في عمر معين ولكنها تكون أفكارا مترسبة منذ الصغر وتقول: أنا أعني أن هناك آباء وأمهات لا يهتمون بأبنائهم ولا يركزون عليهم خصوصاً في أول سنوات عمر الطفل لأنها هي أساس الشخصية عند الكبر فالإهمال قد يحول الطفل إلى شخص غير مبال أو عدواني أو حتى مشوش كترك أبنائنا عند التلفاز لدرجة الإدمان ووصول الطفل لهذه المرحلة يكون بسبب عدم وجود الوالدين من حوله لملء هذا الفراغ الذي أدى إلى هذا التصرف وكذلك الإنترنت أو مصادقة أشخاص سيئين فعلينا الاهتمام بأدق التفاصيل.
أما نورة عبد الرحمن الدوسري (ماجستير في التربية) فترى أن حماية الأبناء والشباب من الوقوع في أفكار التكفير والتطرف تكون بعدة أمور أهمها العلاقات الأسرية الوثيقة بين أفراد الأسرة وعلاج المشكلات الأسرية ومشكلات الأبناء وإيجاد جو أسري للحوار والالتقاء ومتابعة الأبناء والاهتمام بالتحصيل الدراسي لهم وشغل أوقات فراغهم بكل مفيد لهم وللوطن وإيجاد آلية بين مختلف الجهات التربوية والإعلامية والاجتماعية والدعوية لتقديم برامج ونشاطات للأطفال والشباب طيلة العام وتنظيم ملتقيات شبابية دعوية وإنشاء مراكز شبابية في الأحياء وأندية للأطفال وتكثيف الدورات الشرعية للعلماء المعروفين حول مشكلات الشباب وفتح مجالات الحوار معهم في مختلف القضايا إضافة إلى تضمين المناهج الدراسية موضوعات تتصل بالتكفير وموقف الإسلام والعلماء منه بحيث نوضح للشباب الصورة الجلية حول هذا الموضوع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.