في هذا اليوم المبارك يوم الثامن من شهر ذي الحجة (يوم التروية) يوم انطلاقة الحجيج إلى أول المشاعر المقدسة إلى (منى) لافتتاح مناسك الحج العظيم. من هنا تبدأون مشاعركم عاقدي النية بالحج محرمين من مواقعكم مرتدين (ثياب الإحرام) ملبين: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. في هذا اليوم المبارك تتجه وفود الحجيج، ضيوف الرحمن إلى (منى). وفي هذه الانطلاقة العظيمة لابد لكل حاج مسلم أن يستشعر عظمة الله وهو يفتتح برنامج حجه، فينبغي أن يتجرد من كل مشاغل الدنيا، وينيب إلى ربه، ويتوب ويستغفر من كل الذنوب التي اقترفها مع العزيمة أن لا يعود إليها، يتذكر الإنسان المسلم أعماله وتعامله مع الآخرين فيرتقي، ويسمو، ويحاول أن يصحح منهاجه وأسلوبه وسلوكه متذكراً أن (الدين المعاملة) وأن هذا الحج يعلم الإنسان المسلم أن لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج فيجدد توبته من ظلم الناس وما اقترفه من إساءات لهم، ويتمثل الأخلاق في تعامله مقتدياً بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم القدوة في تواضعه ودعوته وسلوكه وأخلاقه التي جبله الله عليها فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}وقد كان (خلقه القرآن) كما قالت عنه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فينبغي أن نتأمل تلك السيرة ونحن نشهد أول المشاعر التي انطلق منها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أثناء حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة. وفي نطاق الاستعداد للحج في هذا اليوم وقبله لابد أن يكون الحاج قد ألم بما عليه من واجبات، وأن يتذكر كل الخطوات التي ينبغي أن يخطوها في رحلة الحج ويستفسر، ويسأل العلماء وأهل الذكر عما لا يعلم عنه لكي لا يتعرض للخطأ والنسيان، أو فوات أي عمل في المناسك. لابد من الوعي والحضور والتأمل للتمكن من أداء مناسك الحج على الوجه الأفضل، وإدراك أنه في البلد الآمن الذي جعله الله مثابة للناس. وأمام هذا المشهد العظيم لانطلاقة الحجاج تتجلى الوحدة الإسلامية في أسمى أبعادها ومعانيها، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} هكذا منذ خمسة عشر قرناً ألغى الله الفوارق بين المسلمين، وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى). في هذا اليوم العظيم نستشعر الأمن والطمأنينة بين جموع الحجيج الوافدة، وتتداعى الذكرى ومشاعر الوجدان معبرة عن هواجس هذه السوانح الجميلة. يا أيها الوطن المضمخ بالأريج في عصرك الذهبي تنتفض المروج بشراك.. بشراك بالأمن البهيج متألق الأضواء فوق ذرى الصباح وعلى جبين المتقين ألق توضأ من مناهل زمزم وندى الحطيم وأضاء في الركن (اليمان) وقبل الحجر العظيم ألق تدثر بالسناء، وبالدعاء وبالنشيج متنقلاً بين الصفا ورؤى الحجيج متبتلاً بين الصفوف نسيت مشاعري الوقوف فظللت من شغفي أطوف أستلهم الأضواء، والأبعاد كفأي تمتدان في زمر الكفوف متشبثاً بخيوط كعبتك الشريفة في خشوع أدعو، فتنهمر الدموع يا رب: حجاً مشرق البشرى لكل المسلمين يا رب: ميعاداً ضيائياً يعود وبه تفتق كل أنسجة الوجود يا رب وف الصابرين الصادقين المخلصين وامنحهموا الأمل الموشح بابتهاجات العلاء غيث البشائر والتفاؤل والصفاء في حضرة الحج العظيم تنداح كل بشائر الذكرى ونصر المؤمنين وروائع الفتح المبين فاجعله يا رب العباد أسمى مواسم بهجة للحب في الظرف الحزين وسنابلاً تذرو التشرد والتشتت والأنين يا رب حجاً مشرقاً بالأمن والحب الأثير في مهبط الوحي العظيم (3) (1) سورة القلم الآية 4 (2) سورة الحجرات الآية 13 (3) من شعر عبدالله الحميد.