من أعجب ما يلاحظ في حرب الفيتنام أن اتساع رقعتها في الأسابيع الماضية ، مع كل ما تبعه من تدابير أمريكية شديدة ولاسيما إلقاء الألغام في ميناء (هايفونغ) إنما جعل أكثر المراقبين يتنبأون باقتراب السلام ! .. فخلافاً لما كان يخشاه بعضهم ، لم يقع صدام بين العملاقين أي الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي ، حتى أن السيد روجرز وزير الخارجية الأمريكية قال منذ مدة بشيء من التفاؤل : (ان التسلق العسكري لم ينتج عنه صدام وجاهي بيننا وبين الاتحاد السوفيتي) .. بينما كان يلفظ تلك العبارة ، كانت السلطات السوفيتية منهمكة في التهيؤ لزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لموسكو. وكيف السبيل والحالة هذه إلى تفسير هذه الأوضاع الغريبة المدهشة ؟ بات ثابتاً للجميع أن سياسة (الفتنمة) قد أخفقت ، أي أن جيش الفيتنام الجنوبي عاجز عن الحلول محل الجيش الأمريكي في رد هجوم الشيوعيين الشماليين ، وقد تلاشت الأوهام في هذا الشأن في الأسابيع الماضية. غير أن انتصار الشماليين على جيوش الجنرال (تيو) ولئن تكرر ، إلا أنه لا يكفي لإنهاء الحرب ، فما دام الطيران الأمريكي سيد الجو في الفيتنام فإنه يستحيل على هانوي أن تكسب الحرب .. ومن ميزات هذه الحرب أنه لا رجاء لأي الجانبين في إنهائها بنصر عسكري ، ولهذا نلاحظ أن المفاوضات تجري حول البساط الأخضر كما يقال ، بينما يتواصل القتال على بساط المعارك ، ولا بد في هذه الحال من التخاطب في شروط السلام ، علماً أن المواقف متباعدة جداً حتى الآن. ولكنه يبدو لمعظم المراقبين أن أسهل مرحلة على طريق السلام إنما هي تقرير وقف النار ، وقد لاحظوا أن الرئيس ذكر ذلك مؤخراً ، ومما يدعم هذا الاتفاق أن مفاوضات باريس لم تنقطع ، ولئن طرأ عليها فتور أو انقطاع مؤقت من حين آخر ، إلا أنها (جارية) وخاصة وراء الكواليس ، ولا يفسر رجوع الممثل الشمالي لوكتو إلى مؤتمر باريس ، لولا أنه معول على مقترحات أميركية جديدة. ومما يذكر أنه أخذت تروج نظرية في الحلقات الديبلوماسية الباريسية ، مفادها أن نيكسون قد أخطأ عندما ظن أنه بمقدور موسكو أن تضغط على هانوي ، لكي تجرها إلى تغيير اتجاهها فلا شك أن موسكو هي التي تمد قوات هانوي بمعظم الأسلحة الحديثة اللازمة لها لغزو الجنوب .. إلا أن هانوي أبدت تمسكها الشديد باستقلالها رغم المعونة السوفيتية الضخمة ، كما أنه ليس بمقدور بكين أن تضغط على هانوي ، بدليل أن حكومة الفيتنام الشمالي تواصل تنفيذ خطتها الخاصة المستقلة ، رغم زيارة نيكسون للصين الشعبية فإن بعضهم كان قد فسر تلك الزيارة الفجائية بأنها محاولة أمريكية لإقناع بكين بضرورة الضغط على هانوي جارتها.