عندما بدأت وزارة الصحة بافتتاح العديد من مراكز الرعاية الصحية الأولية في شتى الأحياء المنتشرة في المدن والمحافظات، فقد كانت تهدف من وراء ذلك الى التخفيف من الازدحام الذي كانت تعانيه المستشفيات من المرضى والمراجعين، والذي كان يرهق الاطباء والعاملين في المستشفيات ويشتت جهودهم في علاج الحالات الطارئة التي تستدعي ذلك. ومع التوسع في افتتاح هذه المراكز استطاعت وزارة الصحة من خلالها ايجاد نوع من الخدمات الطبية الجيدة التي تصل الى المواطن في مقر سكنه داخل الحي الذي يقطنه، وتقدم له كل ما يحتاجه من رعاية طبية وعلاج، كما انه يُحتفظ لكل مريض بملف صحي دائم تسجل فيه كافة زياراته للمركز والمرض الذي يعاني منه والدواء الذي تم صرفه له، ويكون مرجعاً لكل طبيب يقوم بالكشف عليه، فيعرف نوعية مرضه والعلاج الذي كان يستخدمه.. ولكن يبدو أن هذه المراكز اصبحت مع مرور الوقت تشيخ ويدب الملل في اركانها، فليس جميعها بقيت على حالها رغم ان سياستها واضحة ومدعومة من الوزارة، ولكن ما أراه يعكس هذا الرأي حيث تحولت بعضها -وأحمد الله انها ليست الكل- إلى مراكز (إسعافية) وليست علاجية، بحيث انك بمجرد ان تجلس على الكرسي بجانب الطبيب وقبل ان تشتكي ما تعاني منه حتى يسبقك قلمه الى الروشته لتسجيل العلاج المناسب برأيه لحالتك المرضية. ومع الوقت اكتسب المريض بنفسه خبرة طبية من هذه المراكز حتى بات يعرف لكل داء دواءه المناسب، فيتجه مباشرة الى أقرب صيدلية من المنزل لطلب مضادات للالتهابات ومسكنات للصداع وآلام الاسنان وشراب للسعال... حتى استغنى عن الذهاب للمراكز لأنه يعرف انها لن تقدم له ما يحتاجه من رعاية كاملة خاصة اذا كان فيها اطباء بدون كفاية علمية وعاملين ارهقهم دوام الفترتين.. ولهذا يفترض لتنشيط عمل هذه المراكز والرفع من كفاءاتها دعم هذه المراكز بكفاءات طبية وتمريضية مؤهلة تأهيلاً عالياً، وأجهزة طبية متقدمة، بالاضافة الى ضرورة دعم هذه المراكز بعيادات ثابتة للنساء والولادة والاسنان، فهي اكثر العيادات التي يزورها المرضى في المستشفيات، كما ان البعض منها بحاجة الى انواع محددة من الادوية التي قد يفاجأ البعض من المرضى بعدم وجودها إلا في المستشفيات أو يضطر الى شرائها من الصيدليات، وكذلك ضرورة افتتاح عيادة خاصة لمتابعة الامراض المزمنة كأمراض الضغط والسكري والامراض الاكثر انتشاراً بين الناس، كما ان هذه المراكز بحكم وجودها داخل الاحياء يجب عليها ان تقوم بدور كبير في عملية التثقيف الصحي ونشر التوعية بين افراد المجتمع.