إن ما أود قوله في هذا المقام، وأريد الحديث فيه في هذا المقال ليطول الكلام فيه، وهناك من هم أعلم مني وأفقه وأسهب حديثاً؛ فالمتحدثون في هذا المجال هم كثر، ولهم باع طويل في هذا المجال ولكني اجتهدت كابن من أبناء هذا الوطن الغالي المعطاء السخي في كرمه، القوي في أمنه بما أنعم الله به عليهم من نعمة محسودين فيها من كثير من الناس، ومن قيادة حكيمة واعية عادلة لا تخشى في الله لومة لائم، فالقوي عندهم ضعيف حتى يؤخذ الحق منه, والضعيف قوي حتى يؤخذ الحق له. فأنا ابن من أبناء هذا الوطن الغالي ،هزَّني وراعني ما نراه ونسمعه من أحداث إرهابية مؤلمة تحدث في بلادنا الغالية من فئة ضالة مضلة، أضلهم الشيطان وأغواهم، وأنا في هذا المقام أتحدث بصفتي رجل من رجال التربية والتعليم الذين عليهم مسئولية كبيرة أمام الله ثم امام ولاة أمرنا في وأد هذه الفتنة في مهدها وعليهم دور كبير في توعية الناشئة وتبصرتهم ونزع ما قد ينغرس في صدورهم وعقولهم من انحراف وتشويش. إن الإرهاب كلمة يطرحها الجميع ويقرؤها ويسمعها الجميع واحتار في تعريفها الناس خاصتهم وعامتهم، وكل ينظر إليها وفق منظار مختلف طرحت وقيلت كثير من التعاريف والتفسيرات في هذا المعنى، وكل أجاز وأباح التفسير الذي يروق له، ولكن تعددت المسميات والفعل واحد. فمنهم من عرفه: بأنه هو كل ما كان استقلالاً في الإرادة صد الإدارة.. ومنهم من يراه بأنه انفصال الجزء عن الكل وفرض معتقداته على الجميع بالقوة لا بالحجة،ومنهم من يراه هو القتل والتدمير للأفراد وللمجتع بهدف التدمير والخراب ليس إلا ؛ فالإرهاب له معاول هدم كثيرة فهو أحياناً من فرد ضد مجموعة أو مجموعة ضد مجموعات أو فئة ضد فرد، أو مجموعة ضد الكل لتحقيق الأهداف اللامشروعة واللا إنسانية واللا أخلاقية، وفي منظورهم أنهم هم الصواب، وأنهم على حق والجميع على باطل، وأنهم هم في الجنة والباقي في النار. في هذا الباب تحدث العلماء والأفاضل في مقالات طويلة وخطب ومحاضرات وندوات وبينوا لنا بالحجة القرآنية والسنة المحمدية حرمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (27) سورة المائدة وقوله : {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} (32) سورة المائدة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحج. وقال حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (هو أن تستحل من الحرام ما حرم الله عليك من لسان أو قتل فتظلم من لا يظلمك وتقتل من لا يقتلك). إن هذه الأحداث الأليمة التي تُقضُّ لها مضاجع أولي النهى، وتهتز لها أفئدة أولي الألباب، وأن هذا العدوان الذي تعرضت له هذه البلاد في بعض مدنها هو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، ينكره العقلاء أشد الإنكار، لأنه محرم بنصوص الكتاب والسنة، ولأنه تعد لحدود الله وانتهاك لمحرماته وعدوان على عباده، ولأنه فساد فنهى الله عنه، وأمر لا يحبه وأنه لا يصلح عمل المفسدين، وتوعدهم عليه بالعذاب الأليم، ولذا فإن من ولاه الله أمر هذه البلاد قد قام بحمد الله وسوف يقوم بما وجب عليه من إطفاء نار الفتنة وحماية الدين والحفاظ على الوحدة وصيانة كيان هذه الأمة وبالنزول على حكم الله وتحكيم شريعته، لقطع دابر الفساد والمفسدين وإعادة الحق إلى نصابه، حتى تبقى هذه البلاد كما كانت دائماً وكما أراد الله لها موئلاً للهداية ومنبعاً للنور ومثابة للناس وحصنا حصينا تنكسر عليه أمواج الفتن وترتد عن حياضه سهام المكر والكيد خائبة لم تبلغ ما أرادت شيئا، ولم تنل مما هفت إليه نفوس أصحابها قليلاً ولا كثيراً لأن هذا تقدير العزيز العليم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } سورة البقرة آية 208، 209 إن الشباب ذخيرة الأمة وعدة المستقبل فليس بدعاً تواصل الدعوات وتتابع الندوات من كل المخلصين الصادقين إلى ضرورة العناية بهم والرعاية لهم، حتى لا تنحرف بهم السبل ولا تضل بهم المسالك. وإن مظاهر هذه العناية وبوادر هذه الرعاية يجب أن تأخذ حظها منذ لحظات النشأة الأولى ببذر بذور المعتقد الصحيح الصافي من الشوائب في نفوسهم، وغرس معاني الحق والخير في قلوبهم، واستنبات فضائل الأخلاق في ضمائرهم، وزرع عواطف الحب لدينهم ومليكهم ووطنهم، وبتذكيرهم خلق الرفق والإحساس واللين وخفض الجناح للمؤمنين، والمعاملة بالعدل والإنصاف للخلق كلهم أجمعين. وعلينا التحذير من نزغات الشياطين ونزغات المضلين الضالين وأصحاب الأهواء من المفسدين والحاقدين الذين دأبوا على بث الدخيل من الأفكار والغريب من العقائد، وأيضا بدوام الحرص على المتابعة في جميع أحوالهم وتوثيق الصلة بهم، وبسؤالهم عما يشكل في عقولهم أو يحيك في صدورهم، وبإرشادهم إلى الأخذ عن العلماء الربانيين والصالحين المصلحين المشهود بصحيح العلم وصالح العمل، وهجر الأدعياء والمفرطين والشاذين الذين يختانون أنفسهم ويضلون غيرهم بسوء كلامهم وسوء فعالهم التي تحملهم على التقرير بصغار العقول وحدثاء الأسنان ودون مخافة الله المنتقم الجبار. إن الأسرة هي اللبنة الأولى في إنشاء مجتمع صالح أو مجتمع طالح، فهي البذرة الأساسية في الغرس كله فإن صلحت البذرة صلحت الشجرة بأسرها. إن الطفل يولد على الفطرة، أي فطرة الإسلام السليمة النقية، فأبواه إما أن يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، فللأبوين الدور الأعظم في النشء الصالح والتوجيه السليم للأطفال وخاصة في السنوات الأولى من حياته فهما اللذان يغرسان فيه حب الدين والوطن والعلم والأدب والأخلاق الكريمة. وفي هذا الجال تنقسم الأسر من حيث التربية إلى أقسام منها: القسم الأول: البعض منها يربي أطفاله على الدلال المفرط، افعل ما تشاء وقتما تشاء أينما تشاء لا حسيب ولا رقيب، اطلب تجب مهما كانت الطلبات، ومهما كانت الأفعال والأقوال وفي كل الاتجاهات فأنت الآمر الناهي. نحن ولا شك نلحظ أن هذه النوعيات والنماذج من الأطفال موجودة في بعض الأسر وإن كانت قليلة ولكنها موجودة، وهؤلاء الأطفال الذين تربوا هكذا تربية يكبرون ويترعرعون في أسرهم حتى إذا ما خرجوا للحياة المدرسية وإلى معترك الحياة يجد وضعاً مختلفاً مغايراً لما ألفه وتعوده وهنا تبدأ المشاكل الحقيقية ويبدأ جلب المشاكل له ولأسرته التي وضعته في هذا الوضع المؤسف. وعليه حتماً فإن الطفل ومع مرور الأيام يبدأ بممارسة الإرهاب الفكري والنفسي والجسدي مع مرور الأيام يبدأ بممارسة الإرهاب الفكري والنفسي والجسدي مع الآخرين ويمارس عليه أيضاً. القسم الثاني: وهناك نوع آخر على النقيض تماماً من النوع الأول حيث ينشأ الطفل في أسرة متطرفة في كل شيء لا تعرف إلا: ممنوع وحرام وخطأ وعيب.. وينشأ هذا الطفل في وضع لا يدري أين الصواب واين الخطأ كل تصرف يتصرفه يلام عليه ويوبخ ويعنف ، الأم لها رأي، والأب له رأي آخر، ويشعر هذا الطفل أنه عالة على البيت وأن الكل ضده فهو ضد الكل حتى إذا ما خرج إلى المدرسة وقارن نفسه بزملائه بدأ يمارس معهم ما يمارس عليه في البيت، وهنا الاصطدام حتماً ولا محالة مع الزملاء والمدرسين والمجتمع بأسره، فهناك في نفسه غصة وقهر لابد من تفريغه، وهذا نوع من الإرهاب النفسي الذي لا بد وأن يظهر يوماً ما في المجتمع. القسم الثالث: ونوع آخر وهي الأسر المعتدلة المحافظة على دينها وتقاليدها ومجتمعها ومواكبة للعلم والتطوير، متحابة متسامحة متعاونة، لها روابط وضوابط وقوانين تسري على الجميع، الطفل فيها محبوب مكرم والكبير فيها محترم له مكانته وقدره، التطرف ليس له مكان بينهم من أخطأ يحاسب، ومن يحسن يجازى كلُّ على قدر فعله. هذه الأسر فيها حرية مقننة متفتحة على المجتمعات تواكب التطور السريع الكل فيها كريم محترم، تفرق بين الحلال والحرام تراعي أمور دينها حق المراعاة، أسر فعالة في مجتمعها ، بناءة تعطينا الأجيال المتعاقبة التي هي نواة المجتمع السليم. من هنا يتضح لنا مدى خطورة الدور الذي تمارسه الأسرة في المجتمع، وما تنتجه في مجتمعها من أجيال متعاقبة لها دورها تؤثر فيه ويتأثر به الآخرون. وعليه يجب معرفة وتعلم كيفية التعامل مع أطفالنا الذين هم شباب الغد وعماد هذا المجتمع فإن صلحوا صلح المجتمع كله، وإلا فالعاقبة وخيمة لا قدر الله لان دورهم كبير وتأثيرهم أعظم على من يخالطهم من أقرانهم ومن يتعاملون معهم. قال الشاعر: وينشأ ناشىء الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه