مهما بلغ الإنسان من عمر مديد.. ومال وفير.. وصحة متكاملة.. وجاه ورئاسة.. فلا بد له من الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء.. مخلفاً وراءه كل ما ينعم به من ملذات الحياة. وهذه سنة الله في خلقه، وتحقيق لقوله سبحانه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}. فلهذا فما أصعب الفراق عندما يغيب الوالد عن أسرته، والأبناء عن ذويهم في رحلة من تلك الرحلات التي لم يعد الأمل في عودة ذلك الغائب. ولكن تهون المصيبة إذا عُلم أن هذه إرادة الله وقضاؤه الذي كتبه على جميع المخلوقات.. كل نفس ذائقة الموت. وما قدره الله وقضاه على خالد العبد الله العبدان في الرياض.. وعبداللطيف العبدالله الحميد.. وأخوه يوسف.. وباسم.. وأسامة الغضيه في بريدة.. من حوادث مفزعة.. وأوجاع مؤلمة.. وحسرات مفجعة.. حدثت على هؤلاء الأحبة من أقربائي. كان ذلك اليوم الأربعاء في الخامس عشر من شهر ذي القعدة من عام 1424ه وفي الساعة الثانية ظهراً عندما تناقلت الأخبار العائلية ما حدث في هذا اليوم الذي ذهب ضحيته هؤلاء الشباب.. لم يعلم هؤلاء ولا غيرهم ما يخبئه لهم القدر في ذلك اليوم.. تلك مشيئة الله.. وتلك حكمته وهذا قضاؤه وقدره.. في ذلك اليوم وبعد مضي سبع ساعات.. توفي عبداللطيف في (بريدة) مع ما أُصيب به أخوه يوسف من كدمات ورضوض.. وما أُصيب به باسم.. في العمود الفقري.. وكسور متعددة في رجلي أسامة.. ولا يزالان يرقدان في المستشفى.. رحم الله المتوفَّين منهم وأدخلهم فسيح جناته.. وأسبغ على المرضى الشفاء والعافية.. شباب وفي مقتبل العمر.. أُزهقت أرواحهم.. والبعض الآخر مَن أصيب بإعاقة.. وغيرهم كثير.. وكثير.. ممَّن أعرفه وممَّن لا أعرفه.. كان ما قدره الله عليهم من أسباب تلك الحوادث.. حوادث السيارات التي لا ترحم إذا أسيء استعمالها.. رغم التعليمات والتحذيرات ورغم ملاحقة المخالفين من قِبَل ذات الجهة المختصة لتلافي وقوع الأخطار على الذين يتسببون على أنفسهم وعلى غيرهم ممَّن يحملون معهم من عوائل نساءً وأطفالاً.. ولم يتعظوا مما حصل على غيرهم.. وحسبوا أن السرعة في نظرهم في هذه السيارات سواء داخل المدن أو خارجها هي الشجاعة والتفوق على الغير.. وأن النتيجة لهذه السرعة ستؤدي بهم إلى الهلاك أو إلى إعاقة تدوم معهم مدى بقائهم في هذه الحياة.. والله سبحانه يقول: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وقال أيضاً: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. وهذا ما حصل ويحصل من بعض الشباب، فمتى نتخذ العبرة والعظة من تلك الحوادث التي نراها ونسمعها في كل يوم يمر من أيام الأسبوع؟! ومات خالد العبدان.. صاحب الفن التشكيلي برسوماته.. ذلك الشخص المحبَّب إلى القلوب بلطفه وتقديره للجميع، وبرِّه بوالدته وأخويه عبدالرحمن وفهد، وحبِّه لأفراد عائلته، وعطفه على جميع حمولته وأقربائهم.. بسبب هذا الحادث المؤلم على الجميع.. ولكن ما الحيلة وهذا قدر الله وقضاؤه.. وإن لكل شيء أجلاً موقوتاً.. ولكل أجل سبباً مقدوراً.. وليس في يد أي إنسان أن يسترد ماضياً.. ولا أن يرد آتياً. ولا شك أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر، ووعد الصابرين بقوله سبحانه وتعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. فالآن قد جفَّت الريشة.. واختلطت الألوان مع بعضها، وبقيت لوحاته تشكِّل رمزاً قائماً تحكي ما يبرزه هذا الشخص من فن، تحيي ذكراه مدى تعاقب السنين. رحم الله المتوفَّين، ورزق ذويهم الصبر والسلوان.. وأسبغ على مَن كان طريح الفراش الصحة والعافية الشاملة.. وليس لنا إلا الصبر والرضاء بقضائه وقدره، إنا لله وإنا إليه راجعون.