المملكة تختتم مشاركتها في الدورة الوزارية للتعاون الاقتصادي والتجاري "الكومسيك"    ترمب يوجه كلمة عاطفية للأميركيين في اللحظات الأخيرة    المرصد الإعلامي لمنظمة التعاون الإسلامي يسجل 2457 جريمة لإسرائيل ضد الفلسطينيين خلال أسبوع    خسائرها تتجاوز 4 مليارات دولار.. الاحتلال الإسرائيلي يمحو 37 قرية جنوبية    شتاء طنطورة يعود للعُلا في ديسمبر    يعد الأكبر في الشرق الأوسط .. مقر عالمي للتايكوندو بالدمام    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    "إنها طيبة".. خريطة تبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بالمنطقة    أمير الشرقية يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الملك عبدالعزيز الملكية    الموافقة على الإطار العام الوطني والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    الاستخبارات الأمريكية تكثف تحذيراتها بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات    منتدى "بوابة الخليج 2024" يختتم أعماله بإعلانات وصفقات تفوق قيمتها 12 مليار دولار    رابطة محترفان التنس..سابالينكا تحجز مقعداً في نصف النهائي.. ومنافسات الغد تشهد قمةً بين إيغا وجوف    كيف يعود ترمب إلى البيت الأبيض؟    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يرأس اجتماع المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف    محافظ الخرج يستقبل مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    انعقاد مؤتمر الأمراض المناعية في تجمع عالمي وطبي    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    إشكالية نقد الصحوة    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    إعادة نشر !    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    «DNA» آخر في الأهلي    سلوكيات خاطئة في السينما    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    تنوع تراثي    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    مسلسل حفريات الشوارع    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    أمير تبوك يستقبل القنصل البنجلاديشي لدى المملكة    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفاق:مرض خبيث إذا توطن قلب إنسان أفسده
« الجزيرة » تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «9»
نشر في الجزيرة يوم 20 - 02 - 2004

جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة.
وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره.
و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله..
آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
سلمان
النفاق من الأمراض الخبيثة متى توطن في قلب إنسان أفسده، وأفسد عليه عقيدته.. فالمسلم الحقيقي لابد أن يوافق ظاهره باطنه، والمنافقون ذكرهم الله في كتابه الكريم بأنهم أشقى الأشقياء.
والقرآن الكريم كشف صوراً من ممارسات المنافقين، وخصائصهم النفسية، ومواقفهم الاجتماعية، وانهم من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع المسلم، ويساهمون في ترويج التحلل والفساد.. لكن ما هي أسباب النفاق؟ ولماذا يلجأ البعض إلى هذا السلوك المشين.. وكيفية التخلص من هذا الداء؟
******
في البداية يؤكد الشيخ الدكتور عبدالمحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف أن الإسلام دين الحق هو تحقيق العبودية لله، إلا أنه في كثير من الأحيان ما يخالط النفوس من الشهوات الخفية، ما يفسد تحقيق عبوديتها لله، وإخلاص الأعمال لله هو أصل الدين، وبذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالإخلاص في قوله: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن عبادته قائمة على الإخلاص، فقال له: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} وبذلك أمرت جميع الأمم، قال جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، وأحق الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من كان أخلصهم لله، قال أبوهريرة رضي الله عنه: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) رواه البخاري.
ويوضح الدكتور القاسم أن الإخلاص مانع بإذن الله من تسلط الشيطان على العبد، قال سبحانه عن إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}، والمخلص محفوظ بحفظ الله من العصيان والمكاره، قال سبحانه عن يوسف عليه السلام: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}، به رفعة الدرجات وطرق أبواب الخيرات، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة) متفق عليه، وإذا قوي الإخلاص لله علت منزلة العبد عند ربه، يقول بكر المزني:( ما سبقنا أبوبكر الصديق بكثير صلاة ولا صيام، ولكنه الإيمان وقر في قلبه والنصح لخلقه)، وهو سبب لتفريج الكروب، ولم ينج ذا النون سوى إخلاصه لمعبوده: {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
توبة المنافق
ويبين القاسم أن الإخلاص لله تعالى شرط في قبول توبة المنافق، قال عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} ففي الإخلاص طمأنينة القلب، وشعور بالسعادة وراحة من ذل الخلق، يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: (من عرف الناس استراح)، أي:إنهم لا ينفعونه ولا يضرونه، وكل عمل لم يقصد به وجه الله طاقة مهدرة، وسراب يضمحل، وصاحبه لا للدنيا جمع ولا للآخرة ارتفع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغى به وجهه) رواه النسائي، وإخلاص العمل لله وخلوص النية له، وصوابه أصل في قبول الطاعات، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (لا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا بما وافق السنة).
والإخلاص يتحقق بأن تكون نيتك لله لا تريد غير الله، لا سمعة ولا رياء ولا رفعة عند أحد ولا تزلفاً، ولا تترقب من الناس مدحاً ولا تخشى منهم قدحاً، والله سبحانه غني حميد، لا يرضى أن يشرك العبد معه غيره، فإن أبى العبد إلا ذلك رد الله عليه عمله، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: قال الله عز وجل: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) رواه مسلم.
فالعمل الصالح، وان كان كثيراً مع فساد النية، فإنه يورد صاحبه المهالك، فقد أخبر الله عز وجل عن المنافقين أنه يصلون وينفقون ويقاتلون، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم أنهم يتلون كتاب الله في قوله: (ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر) متفق عليه، ولفقد صدقهم في إخلاصهم قال الله عنهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (وأول ما تسعر بهم النار يوم القيامة قارئ القرآن والمجاهد والمتصدق بماله، الذين لم تكن أعمالهم خالصة لله، وإنما فعلوا ذلك ليقال فلان قارئ وفلان شجاع وفلان متصدق) رواه مسلم، في حين أن العمل وإن كان يسيراً يتضاعف بحسن النية والصدق والإخلاص، ويكون سبباً في دخول الجنات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة) رواه مسلم، (وامرأة بغي رأت كلباً يطيف بركية كاد يقتله العطش، فسقته بموقها ماء فغفر الله لها) متفق عليه. يقول عبدالله بن المبارك: (رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية)، قال ابن كثير رحمه الله في قوله: {وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} أي: (بحسب أخلاصه في عمله).
ويطالب الدكتور القاسم المسلمين بكثرة الصالحات مع إخلاص النيات، فكن سباقاً لكل عمل صالح، ولا تحقرن أي عمل تخلص نيتك فيه، فلا تعلم أي عمل يكون سبباً لدخولك الجنات، ولا تستخفن بأي معصية، فقد تكون سبباً في دخولك النار، كما قال عليه الصلاة والسلام: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) متفق عليه والله جل وعلا متصف بالحمد والكرم وإذا أحسن العبد القصد ولم تتهيأ له أسباب العمل فإنه يؤجر على تلك النية وإن لم يعمل، كرماً من الله وفضلاً، يقول عليه الصلاة والسلام: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) رواه مسلم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي لا مال عنده وينوي الصدقة: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، قال: (فهو بنيته) رواه الترمذي، بل ان الهم بعمل صالح يؤجر عليه العبد وان تخلف العمل، قال عليه الصلاة والسلام: (من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة) متفق عليه.
النية الصادقة في كل خير
وينصح د. القاسم المسلم بأن يجعل نيته صادقة في كل خير، يقول عمر رضي الله عنه: (أفضل الأعمال صدق النية فيما عند الله، فإن صدق العمل النية فذاك، وان حيل بين العمل والنية فلك ما نويت، ومن سره أن يكمل له عمله فليحسن النية، فإن الله يؤجر العبد إذا حسنت نيته حتى بإطعام زوجته)، إذا قوي الإخلاص وعظمت النية وأخفى العمل الصالح مما يشرع فيه الاخفاء، قرب العبد من ربه وأظله تحت ظل عرشه يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منها: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) رواه مسلم، وكلما خفي العمل كان أقرب إلى الإخلاص، قال جل وعلا: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ}، يقول بشر بن الحارث: (لا تعمل لتذكر، اكتم الحسنة كما تكتم السيئة).
وعلى العبد أن يصبر عن نقل الطاعة من ديوان السر إلى ديوان العلانية، وإذا أخلص في العمل ثم أثنى عليك الخالق وانت غير متطلع إلى مدحهم فليس هذا من الرياء، إنما الرياء أن تزين عملك من أجلهم، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه، فقال: (تلك عاجل بشرى المؤمن) رواه مسلم، ومن كان يعمل صالحاً ثم اطلع الخلق على عمله فأحجم عن الاستمرار في تلك الطاعة ظنا منه أن فعله بحضرتهم رياء فذلك من حبائل الشيطان، فامض على فعلك، يقول الفضيل بن عياض: (ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما).
والإخلاص ليس مقصوراً على الصلاة والصدقة والحج كما يعتقد بعض الناس دون غيرها من الأوامر، فمن رحمة الله ورأفته بعباده أن الإخلاص يستصحب في جميع العبادات، ليثاب العبد على جميع حركاته وسكناته، فزيارة الجار وصلة الرحم وبر الوالدين هي مع الإخلاص عبادة، وفي جانب المعاملات من الصدق في البيع والشراء، وحسن عشرة الزوجة، والاحتساب في إحسان تربية الأبناء، كل ذلك مع الإخلاص يجازى عليه بالإحسان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى اللقمة تضعها في فيّ امرأتك) متفق عليه، قال شيخ الإسلام: (من عبد الله وأحسن إلى الناس فهذا قائم بحقوق الله وحق عباد الله في إخلاص الدين له، ومن طلب من العباد العوض ثناء أو دعاء أو غير ذلك لم يكن محسناً إليهم لله).
الإخلاص عزيز.. لماذا؟
ويضيف الدكتور القاسم ان الإخلاص عزيز والناس يتفاضلون فيه تفاضلاً كبيراً، ودفع عوارضه من آفة الرياء والعجب بالعمل، يكون باللجوء إلى الله دوماً بالدعاء أن تكون من عباده المخلصين، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وكان أكثر دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً)، لذا يجب على المسلم مطالعة أخبار أهل الصدق والإخلاص، وقراءة سير الصالحين الأسلاف، واحتقار كل عمل يقدمه، والخوف من عدم قبوله أو حبوطه، وفليس الشأن الإتيان بالطاعات فحسب، إنما الشأن في حفظها مما يبطلها.
ومن وسائل حفظ العمل عدم العجب وعدم التفاخر به، والزهد في المدح والثناء فليس أحد ينفع مدحه ويضر ذمه إلا الله، والموفق من لا يتأثر بثناء الناس وإذا سمع ثناء لم يزده ذلك إلا تواضعاً وخشية من الله، وأيقن أن مدح الناس لك فتنة، واستشعر عظمة الله وضعف المخلوقين وعجزهم وفقرهم، واستصحب دوماً أن الناس لا يملكون جنة ولا ناراً، وأنزل الناس منزلة أصحاب القبور في عدم جلب النفع أو دفع الضر، والنفوس تصلح بتذكرها مصيرها، ومن أيقن أنه يوسد في اللحد فريدا أدرك أنه لن ينفعه سوى إخلاصه مع ربه، وكان من دعاء السلف: (اللهم إنا نسألك العمل الصالح وحفظه).
ويوضح الدكتور القاسم أن ثوب الرياء يشف ما تحته، يفسد الطاعة ويحبط الثواب، وهو من أقبح صفات أهل النفاق {يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}، وهو من أشد الأبواب خفاء، وصفه ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: (أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل)، قال الطيبي رحمه الله: (وهو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها، يبتلى به المشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة)، والنبي صلى الله عليه وسلم خافه على أمته، وحذرهم منه. قال عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الشرك الخفي، يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه). رواه أحمد.
والإخلاص يحتاج إلى مجاهدة قبل العمل وأثناءه وبعده، وآفة العبد رضاه عن نفسه، ومن نظر إلى نفسه بعين الرضا فقد أهلكها، وامارة الإخلاص استواء المدح والذم، والله يحب من عبده أن يجعل لسانه ناطقاً بالصدق وقلبه مملوء بالإخلاص وجوارحه مشغولة بالعبادة.
الانتهازية والنفاق
ويشخص الدكتور عبدالرحمن بن زيد الزنيدي الأستاذ بكلية الشريعة بالرياض النفاق بأنه مرض نفسي خبيث، إذا توطن قلب إنسان أفسده فساداً يصعب برؤه منه، وهو جريمة لضخامتها يندر أن يعتذر عنها أصحابها، ويقول: إن المنافق أخطر على الإسلام والأمة من الكافر الصريح الذي يعلن عداوته من الخارج، ويتعامل معه الناس بوضوح، ولهذا كان لجريمة النفاق في دين الإسلام عقوبة من أشد العقوبات وانكئها يوم القيامة، وهي تعذيب صاحبه في قعر جهنم، حيث الكفار والمشركون {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}.
ويوضح: وكثير من الآيات التي ورد ذكرها في القرآن جاءت لتكشف صوراً من ممارسة المنافقين، وخصائصهم النفسية، ومواقفهم الاجتماعية، وتحذر من كفر وانحراف أفكار وضلال فلسفات المنافقين، ومحاولة إلصاق الشر بالأمة، فهم يزعمون تمويهاً على الناس انهم مؤمنون، ويسعون للإصلاح، وحب الوطن {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ}، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.
وهم أيضا الذين إذا انتقد خروجهم على منهج الله وتجاوز سبيل المؤمنين، وقيل لهم لماذا تخرجون على ما يدعو إليه المصلحون ودعاة الإسلام، ثارت ثائرتهم، وصاروا يتهمونهم بأنهم سذج وسفهاء {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ}، كذلك المنافقون يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع المسلم، حيث يسهمون في هدم عفة المرأة، وفي ترويج التحلل الخلقي، والفساد الجنسي، بمفارقته مباشرة، أو بترويجه بالحديث والكتابة والأدب والفن، وهم على الرغم من فقدانهم الارتكان إلى حقائق سليمة، ومواقف صحيحة إلا انهم يتخذون الأدب وصناعة الكلام من أجل التمويه وتغطية نفاقهم والتلبيس على الناس، وبالذات على القيادات {وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}.
فضحهم القرآن
من جانبه يوضح الشيخ الداعية سليمان بن عبدالله الطريم أن الإسلام في معتقداته الصحيحة الموافقة للفطرة، وتشريعاته المبنية على الخيرية والمصلحة، وأخلاقه القويمة وآدابه العظيمة التي تسمو بالفرد والمجتمع إلى الأقوم في الحياة والأزكى في النفوس، تجعله منشرحاً صدره لإسلامه، كارهاً ما يخالفه وما يعارضه من الكفر والشرك والبدع والضلال، بل ويكون داعياً صادقاً لدينه، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وبهذا الأمر والنهي تحفظ سفينة المجتمع، إلا أن في إطار هذا المشهد الرائع مما جاء به الإسلام تظهر فئة تنخر في المجتمع وتخرق سفينة علانية ان قدرت، وسراً حين لا تستطيع الجهر بما تخفيه من مخالفة لدين الله وشرعه، ومعارضة لكتاب الله وسنة نبيه، تكيد للدين وتمكر بأهله بالليل والنهار تارة بمناقشة ثوابت الدين وأسسه، وأخرى طعناً في علمائه ودعاته، وثالثة ورابعة في الشبهات والشهوات وهكذا.
والخطورة أمر هؤلاء على المجتمع الإسلامي فضحهم القرآن وبيّن أوصافهم، وسميت إحدى سور القرآن باسمهم سورة المنافقين، وجاء ذكرهم مفصلاً في هذه السورة وفي سورة البقرة، وفي سورة النساء بيّن الله تعالى بعض وصفهم، قال عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً}.
وفي وقت الشدة والابتلاء والخوف يعظم خطر نفاق هذه الفئة الضالة، وتفريق الصف المؤمن، وفيهم يقول الله تعالى عنهم في سورة الأحزاب حين وصف سبحانه حال هذه الغزوة الشديدة: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}.
ويضيف الشيخ الطريم: وتمضي الآيات في بيان حالهم من الشك والريب والخداع والكذب ونقض العهد لتبين عِظم خطر النفاق على الأمة، وتأثيره على الصف المؤمن، ولذلك توعد الله المنافقين بالدرك الأسفل من النار إلا الذين تابوا من نفاقهم وأصلحوا عملهم وأخلصوا دينهم وصدقوا مع ربهم واعتصموا بالله وبكتابه، ونصحوا لله ورسوله وللمؤمنين، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}.
امتداد خطر النفاق
ويؤكد الطريم أن خطر النفاق ممتدا إذ لا يقتصر على أهل الإيمان بل ان جزاء المنافق أشد الجزاء وعذابه أشد العذاب والدواء الناجع من هذا البلاء، والخلاص الكامل من هذا العذاب بالإيمان الصادق والتسليم التام والاستجابة المطلقة لله ولرسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
ومن أسباب النفاق الواضحة على مدى تاريخ الأمة فقدان جاه أو مال أو شهرة أو منصب، أو بغضاً وكراهية لبعض أوامر الله ورسوله أو إلحاد وجحود أو استكبار، فهذه الطائفة حين تريد السلامة والنجاة من هذا النعت القبيح، والوصف الشنيع تنظر في عواقب الأمور وتعلم أن الدنيا زائلة بزخرفها، وأن عمرها ومداها قصير وأن ما عند الله خير لها حين تصدق وتؤمن بوعد الله، وتقرأ آيات الله ومعجزاته في الخلق والكون والنفس {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}.
وفي هذا العصر كثيراً ما نسمع من يتحدث بمنطق النفاق والكذب على الدين وأهله وويل لهؤلاء مما يصفون، والمسلم الذي أنجاه الله من النفاق يخاف الله في قلمه ولسانه، ويخشى الله في سره وعلانيته، ويعيش الدين في عقيدته وتصوراته، وعلمه وعمله، ومعاملته وعبادته، فلا يرتضي حكماً غير حكم الله ورسوله، ولا عقيدة غير عقيدة التوحيد ولا حياة إلا حياة المؤمنين الراكعين الساجدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.