الكثير من المرضى المقبلين على إجراء عمليات جراحية يتخوفون من التخدير أكثر من تخوفهم من الجراحة نفسها، ولهم في ذلك كل العذر؛ فإنه بالنسبة اليهم عالم مجهول يرتبط في أذهانهم بالغيبوبة وفقدان الوعي والإدراك.. والحقيقة أنه عملية مدروسة ومحسوبة تشبه في كثير من النواحي النوم الطبيعي إلا أنه مصحوب بفقدان أكبر للإحساس بحيث لا يمكن الاستيقاظ منه إلا إذا انتهى العمل الجراحي ورغبنا في ايقاظ المريض. وان المخاطر التي يتوقعها البعض هي نفس المخاطر التي تقابلك عند ذهابك إلى عملك أو منزلك وأنت تقود سيارتك أو تسافر بالطائرة وربما يكون أقل من ذلك. وكما أن في السيارة والطائرة وسائل أمان ومقاييس للسرعة والاتزان، فإن رحلتك في دنيا العمليات والتخدير مراقبة أيضاً وبعناية بأجهزة مراقبة الكترونية تقيس كل صغيرة وكبيرة، على سبيل المثال ضغط الدم الشرياني والوريدي وغاز الأكسجين وثاني أكسيد الكربون والنبض وقوة ضربات القلب وانتظامها وعدد مرات التنفس ومقدار عمقه وحرارة الجسم كما يمكن التحكم في كل هذه الأشياء والعودة بها الى المعدلات الطبيعية في حال حدوث أي طارئ. وقد يقابلنا كأطباء متخصصين في هذا المجال الحيوي مشاكل مع مرضى السكر أو ضغط الدم أو مرضى القلب أو كبار السن وكذلك مرضى السمنة المفرطة، وكل هذه المشكلات نكتشفها في مرضانا عند زيارتنا لهم قبل موعد العملية. ولحسن الحظ فإن معظم مرضانا ومع تقدم الوعي الطبي قد أصبحوا مدركين تماماً لمشاكلهم المرضية، وفي أغلب الأحيان فإن مريض السكري أو ضغط الدم المرتفع يأتي الى المستشفى وقد انتظم علاجه وبالتالي لا حاجة لنا في بذل مجهود اضافي وقضاء عدة أيام لتحضيره للعمليات، وأما المرضى ذوو المشاكل القلبية المزمنة ومرضى السمنة المفرطة فإننا كأطباء تخدير نوليهم اهتماما خاصا أثناء عملية التخدير باعطائهم أدوية تتناسب مع حالتهم وبجرعات محسوبة بدقة ويتم معايرة أجهزة التنفس الصناعي ومضخات المحاليل الطبية وكذا الأجهزة المساعدة الأخرى لضمان الأمان التام لهم أثناء وبعد فترة التخدير، وهناك مجموعة أخرى من المرضى مثل مرضى الأنيميا سواء المنجلية أو الأنواع الأخرى وكذا مرضى الغدة الدرقية التسممية وكذا الأمراض الصدرية المزمنة والفشل الكلوي، هذه المجموعة الأخيرة من المرضى يجب أخذ الوقت الكافي لتحضيرهم للتخدير واجراء العمليات حتى نحصل من خلالها على أفضل حالة ممكنة لأمراضهم المزمنة بالاستعانة بالأكفاء في التخصصات الطبية المناسبة وباجراء المزيد من الفحوصات وصور الأشعة وغيرها للتأكد من الأمان التام للمريض. وهكذا فإن المعرفة بحالة المريض الصحية والتحضير الجيد للمريض يجعل التخدير والعمل الجراحي متقناً وآمناً وأخيراً نطمئن مرضانا بأنهم في أيدٍ أمينة وبين أطباء ذوي خبرات وكفاءات متميزة وأن التخدير ليس مغامرة، بل هو عملية مدروسة وآمنة. ( * ) استشاري التخدير بمستشفى الحمادي بالرياض