الشباب هم محور اهتمام الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم كما هو الحال في المؤسسات التعليمية فكلاهما يعمل على ترسيخ القيم بين الشباب على أساس التربية والتهذيب والثقافة والسلوك، وإذا كان هناك مطالبة بتطوير مناهج التعليم فلابد أن يشمل التغيير والتطوير الجمعيات الخيرية وأنظمتها ومجالسها وإداراتها التنفيذية لإيجاد التكامل المطلوب من خلال الحوار بين الشباب ومعهم لتلبية احتياجات المرحلة القادمة وأن تكون هناك منهجية حيث تعمل الجمعيات على تحفيظ القرآن الكريم وبذلك تقدم أثراً إيجابياً واضحاً في سلوك الشباب. أي باحث في مدارس التعليم العام سيجد أن الأبناء والبنات الحافظين للقرآن الكريم أو المتقنين لقراءته هم الذين لهم ارتباط بمدارس وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وإذا بحثت عن المتفوقين والمتميزين فستجد أن معظمهم من رواد مدارس وحلقات تحفيظ القرآن في المساجد أو المراكز الصيفية التي ترعاها الجمعيات، وإذا بحثت عن الطلاب المنضبطين سلوكياً وأخلاقياً واجتماعياً لوجدت أن معظمهم من منسوبي حلقات تحفيظ القرآن الكريم أو المساجد أو المراكز الصيفية، وسمعنا كثيراً عن حالات لطلاب المدارس يحولهم المرشد الطلابي في المدارس إلى حلقات التحفيظ في المساجد أو للارتباط بإحدى المراكز التابعة لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم حتى يستقيم أمر الطالب، وبالتالي فإن الجمعيات تقدم دوراً إيجابياً فعالاً لصالح التعليم العام بشكل خاص وللمجتمع بشكل عام. فالشاب الذي تربى على مائدة القرآن الكريم وعاش في ظلالها وأجوائها سوف يناله من معينها ما هو مقاس وغير مقاس، فالمقاس مثل الحفظ القرآني والتفوق الدراسي، وغير المقاس مثل التقوى والورع والبعد عن أجواء الفساد، وذلك انطلاقاً من الحديث الشريف «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». هناك إحصائية قام به أحد المهتمين في محافظة جدة توضح بأن أغلب المتفوقين دراسياً هم من حفظة كتاب الله الكريم أو في طريقهم لحفظ القرآن الكريم كاملاً، والجمعية تتابع الموهوبين والمتميزين دراسياً حتى يكونوا من حفظة كتاب الله. الفراغ قاتل ولذلك يحتاج الطلاب بعد كل عام دراسي مضى إلى تجديد النشاط والترفيه المنضبط وفي أيدٍ أمينة ليكونوا أقدرعلى مواصلة العملية التعليمية، فجمعيات تحفيظ القرآن الكريم قادرة على توفير ذلك من خلال الإجازة الصيفية حيث تشرف على المراكز الصيفية وتقدم خدمة مهمة للطلبة والطالبات دون سن المدرسة فتعلمهم النطق الصحيح وتحفظهم قدراً من القرآن الكريم قبل دخولهم المدرسة، فإذا ما دخلوها كانوا أقدر على التميز والتفوق وحفظ الدروس. والجمعيات لها دور تكاملي مع التعليم في الاهتمام بالشباب لمراجعة القرآن الكريم خلال الإجازة الصيفية بإقامة الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم والمسابقات التشجيعية وجو التنافس الإيجابي فمراجعة الطالب لما حفظه في المدرسة يساعده على مواصلة حفظه لمقررات القرآن الكريم المدرسية في السنوات اللاحقة. المطلوب واقعياً هو التكامل المشترك بين الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية التي تعمل على بذل الجهود والطاقات وتذليل الصعاب لأجل بناء الشباب ديناً وفكراً وثقافة وسلوكاً. والدور الذي تؤديه جمعيات القرآن الكريم لا يستغني عن الدور التعليمي الثقافي الذي تؤديه المؤسسات التعليمية. والعكس صحيح فالشباب بحاجة لتكامل الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية لتحقيق التوازن بين العلم الدنيوي الذي أصبح ضرورة ملحة والحاجة إلى التمسك بالعروة الوثقى والارتباط بقيم الإسلام وتعاليمه. وهناك عدة جوانب يمكن أن نوضح من خلالها الآثار الإيجابية للتعاون بين الجمعيات والمؤسسات التعليمية أهمها ثلاثة آثار رئيسية: الآثار التربوية بناء الشخصيات وتنمية المهارات واكتساب العلوم والتفاعل مع الآخرين، عوامل مهمة تركز عليها إدارات التربية والتعليم بحيث يصبح الطالب واثقاً من قدراته وعطائه ولديه القدرة الفكرية والنفسية لخدمة الآخرين. والجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم تسعى لتأصيل هذا التوجه وتعميقه في نفوس الناشئة من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تعمق تلك المفاهيم بحيث يستطيع الشاب التفاعل الإيجابي مع مجتمعه والانطلاق من قدراته وثقته بالله عز وجل ثم بنفسه وتربيته على التخطيط المستقبلي من خلال رؤيته للواقع واستشرافه للمستقبل وأن يعمل عقله وثقافته ومهاراته فيما يعود عليه بالفائدة. فالجمعيات والمؤسسات التعليمية تشترك في صقل مواهب الطلاب والطالبات وقدراتهم وتربيتهم على الاعتماد على النفس والثقة بالقدرة على العطاء وبناء الروح المنتجة. ولا شك أن للأسرة أيضاً دوراً في إنجاح هذا الجانب أو إفشاله لأنها الأساس في تكوين نفسيتهم وتحديد توجههم التربوي الأولي، فهي التي تنتج الشباب الطموح النشط وهي التي تخرج الإنطوائيين السلبيين. فالأسرة والتعليم والجمعيات مسئولة عن الناشئة وإذا أدت كل جهة مسؤولياتها بإتقان وتكاملت مع الجهات الأخرى فستكون النتيجة من دون شك في صالح الجميع. الآثار المعرفية الثقافية * {إنَّمّا يّخًشّى اللهّ مٌنً عٌبّادٌهٌ العٍلّمّاءٍ} *فاطر:( 28){يّرًفّعٌ اللهٍ الّذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وّالَّذٌينّ أٍوتٍوا العٌلًمّ دّرّجّاتُ} *المجادلة (11) كلها شواهد على حض القرآن الكريم على تعلم العلم والمعرفة والاستزادة منهما {وّقٍل رَّبٌَ زٌدًنٌي عٌلًمْا} *طه: (114). وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم (تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والوقار وتواضعوا لمن تتعلمون منه). وقال عليه الصلاة والسلام (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم). فعندما يدرك الشاب والفتاة هذه التوجيهات الإسلامية العظيمة وأن المسلم مطالب بالجد والاجتهاد والحرص على الترقي في درجات العلم، لا شك أن ذلك سيكون له أثر كبير على تحصيله الدراسي والثقافي والمعرفي وحبه لذات العلم. أما إذا تغيبت تلك النظرة الصحيحة عن الشباب فستكون القضية مرتبطة بمصالح دنيوية بحتة بحيث يكون التحصيل العلمي والمعرفي لأجل غايات محددة كالوظيفة وتحقيق المتطلبات الشخصية وسيكون العلم وسيلة وليس غاية. الآثار السلوكية لا شك ان المؤسسات التعليمية تضطلع بدور هام في تربية الناشئة وتعليمهم الأخلاق الحسنة والمثل العليا خاصة وأنها تستمد منهجها من كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، واذا تضافر ذلك مع ما يستمده ابناؤنا وبناتنا كذلك من حلقات القرآن الكريم والأوامر والنواهي التي زخرت بها آيات القرآن تكونت لديهم مرجعية دينية أو ما يطلق عليه (وازع) يحكم سلوكهم وتصرفاتهم وتعاملاتهم. وإذا كان أبناؤنا وبناتنا غير الملتحقين بالجمعيات يستمدون قيمهم من مناهج التعليم العام فإن طلاب الجمعيات تزداد فرص استيعابهم والتصاقهم بقيم الإسلام وتعاليمه السمحة من خلال الجرعات الإضافية المركزة التي تتيحها حلقات تحفيظ القرآن الكريم. ولعل الواقع يوضح مدى الفائدة المتحققة لطلاب جمعيات القرآن الكريم سلوكاً ومظهراً وسمتاً. وهذا تنعكس آثاره الإيجابية على أسرهم وتعاملهم مع والديهم وأخوانهم ثم زملائهم وأقرانهم ثم مجتمعهم ككل. ولذلك فإن التمسك باستقطاب أبنائنا وبناتنا إلى حلقات التحفيظ وجعلهم قدوة لغيرهم كفيل بأن يوضح الغايات المباركة والآثار الإيجابية لحلقات التحفيظ. التكامل يتطلب من المؤسسات التعليمية بصفة عامة وإدارات التربية والتعليم بصفة خاصة أن تقدم بعض المميزات لحفز أبنائنا وبناتنا على الالتحاق بجمعيات القرآن الكريم من خلال: منحهم درجات في مقرر القرآن الكريم والتفسير والتجويد. شهادات تقدير للحفظة والتنويه عن ذلك في المدرسة. إعطاء معلمي التعليم المتعاونين مع حلقات التحفيظ إمتيازات كالإجازات. زيادة أعداد مدارس القرآن الكريم. وفي المقابل العمل على تطوير الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وإداراتها التنفيذية وأن تكون داعمة ومكملة لدور المؤسسات التعليمية وليست منفصلة عنها: وفي المحصلة هناك بعض التكامل والتطابق في الدور الإيجابي الفعال بين المؤسسات التعليمية والجمعيات الخيرية التي توفر للشباب تعليما للقرآن وآدابه الذي هو أساس كل تعليم ناجح، وتسعى إلى إيجاد معلم للقرآن الكريم لديه مهارات ميدانية تربوية وتعليمية وتوجيهية ترفيهية، فإذا قويت لدى الشباب قدرة الحفظ فإنه يسهل عليهم حفظ باقي الدروس، كما توفر الميادين التربوية التي يتخرج الشاب منها متأدباً بآداب القرآن. * ولكن المطلوب تعاون أكبر ليكون هناك تكامل وتطابق. وبالله التوفيق،،،