إن المتابع لأخبار الصحف اليومية بدون استثناء.. سواء من الوسط التربوي والتعليمي أو من خارج الوسط.. لا بد وأن يطالعه موضوع محلي يدور الآن حول سن قبول الطالبات بالصف الأول ابتدائي.. وعلى سبيل المثال لا الحصر.. ما ورد بإحدى الصحف بعنوان «تورط مدارس في سن المقبولات وإعادة السنة للمتجاوزات».. وبالطبع وجدنا أنه قد تعددت الآراء وطرحت وجهات نظر مختلفة ومن عدة جهات.. وربما ازدادت الكتابة الصحفية حول هذا الموضوع في الآونة الأخيرة وبأقلام شتى.. للفت الانتباه.. وللنظر في الموضوع بشكل استثنائي يستحق الوقوف والمناقشة! وحين نجد أن الموضوع يمس بالدرجة الأولى أولياء أمور هؤلاء الطالبات.. فإن أغلب الكتابات في مختلف الصحف كانت بأقلامهم.. كون الصحافة.. مساحة نيرة للرأي والمشورة وطرح الحلول والنقاشات.. والتماساً لعلاج الوضع بشكل يتناسب وتطلعاتهم المستقبلية لأبنائهم محور القضية! بل ذهب البعض منهم إلى جمع قصاصات لتلك الكتابات الصحفية والتوجه بها إلى أروقة ومكاتب المسؤولين بوزارة التربية والتعليم وإداراتها التعليمية.. لعل وعسى!! وحين لم يتوقف أولياء الأمور عن الكتابة.. ظهرت أيضاً الوسطات الودية.. والتغطيات الصحفية.. والمقابلات الإعلامية.. وعرض الأمر على الأصدقاء والصديقات وغيرهم من أصحاب القلم! وبدأت الحوارات الجادة بين من لهم علاقة بهذا الموضوع!! من أولياء الأمور والمسؤولين والمسؤولات! والكلُّ يتشكى.. ويلتمس النظر في الموضوع!، وفي المقابل طالعتنا بعض الصحف بتصريحات لبعض المسؤولين من الوسط التعليمي حول هذا الموضوع بما مفاده «إن من أخطأ في التجاوز سيتحمل خطأه»!! مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالسن القانونية للقبول بالصف الأول ابتدائي! وغير ذلك من التصريحات!!. الأسئلة الهامة التي تطرح نفسها الآن: * ما هي السن القانونية للقبول بصفة عامة بالصف الأول الابتدائي؟ * ما هي المعايير الذهنية للقبول أو الترفيع في هذه المرحلة؟ * هل يتساوى جميع الأطفال في سن القبول بالمدرسة من حيث القدرات الذهنية، والقدرات الاستيعابية والحركية ومن حيث إتقان المهارات؟ * هل التاريخ الهجري المعتمد لسن القبول وهو 8/ شوال/ 1417ه لا يمكن الحياد عنه أو تجاوزه إطلاقاً بأي حالٍ من الأحوال؟!. * ماذا عن التاريخ الميلادي.. وبعض أولياء الأمور من السعوديين وغير السعوديين.. يسيرون بموجبه في التسجيل المدرسي، وخلافه من المعاملات؟!!. هنا لنا أن نتساءل: * ما هي الاستثناءات والتجاوزات المسموح بها في ظل نظام الترفيع بلائحة التعليم العام؟ وذلك لنجيب عن بعض المحاور السابقة!. * ثمَّ هل يمكن لنا أن نتعامل ببعض المرونة مع سن القبول في ظل نظرية التفاوت البشري والفروق الفردية؟!. الواقع أنه ليس بجديد وضع النظام الذي يحدد سن القبول بالصف الأول الابتدائي بحسب لائحة التعليم العام. والتجاوزات في سن القبول أيضاً ليست بجديدة.. ولكن الإحصائيات لهذه التجاوزات والتحقيقات التي تمت وأجريت بسببها لم تتم إلا مؤخراً.. فهل لنا أن نناقش كتربويين أو تربويات لبَّ هذا التجاوز وأسبابه ومبرراته؟!.. الواقع أن التعميم الصادر في بداية العام الدراسي الحالي 23/24ه كان صريحاً وينص على التأكيد على سن القبول عند التسجيل، وهو صادر من إدارات التعليم وكالمعتاد سنوياً.. وللمدارس الابتدائية خاصة للصف الأول الابتدائي وغيرها من بدايات المراحل الدراسية! ثم أعقبه تعميم آخر ينص على ضرورة إيقاف الطالبات عن الدراسة ممن لا تنطبق عليهن شروط القبول بحسب السن القانونية بالصف الأول الابتدائي.. وبعد عدة أشهر أعقبه تعميم آخر ينص على السماح لهولاء الطالبات باستكمال الدراسة وإبقائهن ولا تعطى لهن وثيقة نجاح للصف التالي.. مع إعادة السنة الدراسية بنفس الصف! وقد جاء هذا التعميم الأخير في أواخر السنة الدراسية لهذا العام 23/24ه.. وأعقب ذلك تحقيق مع عدة جهات أبرزها مديرات المدارس (ولماذا قبلن هؤلاء الطالبات)!!! سادتي الأفاضل.. سيداتي الفاضلات: إن الإحصائيات العددية تثبت أن الأعداد المقبولة بالصف الأول الابتدائي من الطالبات من فئة التجاوز لا تزيد على (150 طالبة) من واقع أكثر من أربعين ألف طالبة بمنطقة الرياض، بل وبالتحديد (41779) طالبة بالصف الأول موزعات هؤلاء ال(150) بين مدارس حكومية ومدارس أهلية ومدارس تحفيظ القرآن.. وبالتالي نجد أن الموضوع أعطي أكبر من حجمه.. وربما لم تناقش مسوغاته التربوية للوصول به إلى قناعات وإجراءات واقعية تستند على رأي التربويين والتربويات وعلى النظريات المتخصصة والتي تخدم هذه الفئة وإن كانت قلة!. صحيح أن سن القبول محدد وتسير وفقه أنظمة التسجيل بجميع المدارس بلا شك.. فلماذا التجاوز في هذا الجانب وبشكل مستمر حتى يومنا هذا؟! الحقيقة: إن إدارات المدارس لا يمكن لها مخالفة التعاميم والتعليمات إطلاقاً.. إلا أنها تتعامل عند التسجيل لبدايات المراحل الدراسية وخاصة الصف الأول الابتدائي بشكل واقعي.. ومباشر وملموس أمامها.. لاسيما مع الأطفال الذين ينتقلون من مرحلة رياض الأطفال بنفس المدارس مما يجعلها تتعرف عن كثب على الأذكياء منهم.. وتقف على مدى إمكانياتهم الذهنية والاستيعابية العالية.. وقدراتهم الحركية النشطة.. وحالتهم الصحية الجيدة.. وحجمهم الجسماني المناسب.. مما يؤهلهم للمرحلة الدراسية التي تليها.. وبالطبع حين يمر بالتسجيل أحد هؤلاء الأطفال.. ويجتاز بتفوق واستحقاق مرحلة التمهيدي برياض الأطفال كما يجتاز الاختبارات شبه المقننة خلال المقابلة الشخصية عند التسجيل.. وفي نفس الوقت لا يكون التجاوز متعدياً شهراً أو عدة أشهر من السن القانونية.. فإنه بشكل تلقائي.. يسجل بالصف الأول الابتدائي.. وهذا الوضع ليس عاماً ومطلقاً بل يختص بفئة ذات مواصفات معينة تم إدراجها سابقاً.. بل إن ولي الأمر يُصر على التسجيل لهذه الابنة أو هذا الإبن بالصف الأول ابتدائي مدركاً لامكانياته العالية هذه!. وعادة يكون مثل هؤلاء من أولياء الأمور على درجة عالية من التعليم والمركز الوظيفي المؤهل لتقدير ومعرفة قدرات أبنائهم! هنا نجد أن هذا الوضع الخاص لهذه الفئة المعينة من الأطفال الأذكياء.. هو وضع يفرض نفسه عند التسجيل.. وهذه الفئة كما تؤكد الإحصائيات قليلة العدد وهو ما يوافق النظريات التربوية لهرم الذكاء الإنساني الذي يقرر أن القاعدة العامة لهذا الهرم هم من متوسطي الذكاء، وأن أعلى الهرم هم من الفئة الأعلى في المستويات الذهنية والعمليات العقلية، وفئة التجاوز تدخل ضمن هذا النطاق.. وهم قليلو العدد، وهؤلاء بحاجة إلى النظر في أمور دراستهم وتعليمهم بشكل عملي ومقنن تمشياً مع هذه النظريات.. ولا يمكن تساويهم مع العاديين! من متوسطي الذكاء!. وحين لا بد من النظر بشكل تربوي.. ومتمعن.. وهادف لوضع هذه الفئة من الأطفال.. نجد من يقول «إن التجاوز للسن القانونية ولو بساعة واحدة مخالف للتعليمات» فما هو الحل؟!! ومن جانب آخر، فإن التجاوزات في سن القبول في المدارس الحكومية في مستوى أو أكثر من المدارس الأهلية عدداً. وهذه الأخيرة ربما ينظر إليها بمنظار آخر وأنها قد تقبل التسجيل كيفما اتفق.. لاعتبارات مادية أو خلافه!! وإنما الأمر في كل هذه المدارس بغض النظر كونها أهلية أو حكومية إنما يعود فقط إلى ما تتمتع به هذه الفئة من الطالبات من قدرات حباها الله بها دون غيرها وتستحق بموجبها أن تسجل في المرحلة الدراسية التي تناسبها. هذا المؤشر للتجاوز في جميع المدارس بصفة عامة كما ورد والمستمر منذ سنين وحتى يومنا هذا.. ألا يكفي ليمنحنا الروية.. والاستراحة للتفكير.. ومعالجة الوضع بدلاً من التحقيقات.. وقفل باب النقاش.. وتصعيد الأمور بلا طائل..؟!! فأين الفروق الفردية بين البشر؟! وأين الصلاحيات المخولة لمديرات المدارس؟! وأين النظريات التربوية؟! وأين آراء التربويين والتربويات؟! وأين برامج رعاية الموهوبين والموهوبات؟! وما قيمة المقابلات الشخصية والاختبارات المقننة وشبه المقننة للذكاء؟! بل أين صدى نظام الترفيع الذي تنص عليه لائحة التعليم العام؟ والذي وضع من أجل هذه الفئة من الطالبات؟!. ومن أجل تحقيق مصلحتها التعليمية ومصلحة مجتمعنا بعد ذلك؟! والله.. إن شعور الطفلة وقد اجتازت بتفوق وجدارة واستحقاق الصف الأول الابتدائي هو إنجاز تستحق عليه هي ووالداها وثيقة النجاح.. بل شهادة شكر وتقدير.. ولا أدري كيف سيكون شعور مثل هذه الطفلة بين زميلاتها ممن نجحن وترفعن للسنة الثانية بينما هي حرمت من نيل وثيقة النجاح وبقيت دونهن في صفها.. امتثالاً للتعميم الذي لا علم لها به ولا ينطبق عليها وعلى مثيلاتها من الأذكياء؟! وحين نقارن فرحة نجاح هذه الطفلة وفرحة أسرتها بشهر أو عدة أشهر للتجاوز.. فما وجه المقارنة؟!. وما مدى تأثير هذا الوضع بجانبه السلبي على حب الطفلة للمدرسة؟! ونحن جميعاً كأولياء أمور ومسؤولين ومسؤولات نحرص على غرس هذا الشعور بشدة وعلى دعمه حين التحاق الأطفال بالمدارس!. وحين وجدت استثناءات وتجاوزات لتسجيل الكبيرات.. والمنقطعات عن الدراسة.. وذوات الظروف الخاصة.. فربما كان الأجدر أن يشمل الاستثناء والتجاوز أيضاً ذوي القدرات الخلاقة.. والانطلاق الذهني اللامع! أعتقد وأجزم أن النظر في هذا الموضوع لا بد وأن يناقش من جميع جوانبه لاسيما الجانب التربوي.. ومن عدة جهات من ذوي العلاقة.. لاسيما وأنه لا زال قائماً.. وما المانع في تجاوز عدة أشهر أو شهر لمن ثبت لديها التفوق والنبوغ من الطالبات.. وذلك من وجهة نظر مستقبلية.. تخدم الأفراد والمجتمع والاقتصاد، بل قد تبرز فئة مميزة.. نحن بحاجة لمثيلاتها!. وهل الأفضل حل جذور المشكلة من هذا المنطلق التربوي استناداً إلى النظريات النفسية والتعليمية واختبارات الذكاء؟ أم الوقوف عند تاريخ هجري بعينه كشرط للقبول..؟! وبالتالي تترك المشكلة لتحل نفسها بنفسها؟! ونحن في نفس الوقت على يقين من تفاوت القدرات البشرية وعلى علم ودراية بالفروق الفردية بما لا يدع مجالاً للشك إطلاقاً!!. بل نحن على يقين من أن التعاميم لم ترسم ولم تشرع ولم توضع إلا من أجل البشر ومصلحتهم وتطلعاتهم وتيسير أمورهم بما يتفق ومصلحة وتطلعات المجتمع..، وما هؤلاء البشر إلا أفراد في مجتمع كبير.. وبالتالي فلا بد لهذه التعاميم أن تحتمل المرونة قليلاً فيما يخدمهم ويخدم الصالح العام! إنصافاً وشمولية لجميع الفئات البشرية ممن وضعت من أجلهم مثل هذه التعاميم!. بل إن النظريات التربوية الحديثة تضع جانب الفروقات الفردية في المركز الأول حين التطبيق.. ولا يمكن إقرارها على الإطلاق دون هذا الجانب!. ولو نظرنا إلى نظام التقويم المستمر للفصول المبكرة (أول - ثاني - ثالث ابتدائي) وكيفية احتساب المهارات التي تتقنها الطالبة كشرط للانتقال للصف التالي نجد أن النسبة العالية للذكاء.. والقدرات اللماحة وطلاقة اللسان، والحفظ والاستيعاب المتفوق فوق العادة لم يرد بشكل مفصل وواضح يخدم هذه الفئة.. وربما كان ذلك أحد أسباب التجاوز! وبالتأكيد كثير من المدارس تصادف نماذج من هؤلاء الأطفال الذين لا مكان لهم في التقويم بشكل رسمي ومحدد وواضح مما يستحقون بموجبه الترفيع أو وضعهم في فصول خاصة بالموهوبين!. ولو نظرنا إلى مناهج الصف الثاني الابتدائي.. نجدها لا تختلف في مستوى معطياتها ومهاراتها كثيراً عن الصف الأول الابتدائي..، وتظل ضمن امكانيات فئة الأذكياء القلة الذين شملهم التجاوز.. والذين نجحوا من الصف الأول الابتدائي بعد إتقان المهارات وإجادتها وبالتالي يمكنهم اجتياز مهارات الصف الثاني الابتدائي بإتقانٍ أيضاً.. ولا يخفى على أي تربوي وأي متخصص.. أن النمو الذهني والنضج الجسماني المستمر لهذه الفئة بتقدم العمر سيزداد وضوحاً ودعماً وصقلاً مما يؤكد حاجتهم باستمرار لمناهج تتحدى امكانياتهم الذهنية العالية!. من كل ما سبق يمكنني القول إن الهدوء.. والموضوعية والتروي.. وتبادل وجهات النظر.. والأخذ بآراء أهل التربية المتخصصين هو ما سيخدم هذه الفئة من الطالبات ممن درسن عاماً كاملاً واجتزنه بنجاح وتفوق!. ولا بد أن ننظر إليهم جميعاً كأولياء أمور وليس كمسؤولين ومسؤولات فقط.. ومن يستحق منهن النجاح بتفوق بشهادة معلماتهن وإدارتهن المدرسية ومكتب الإشراف على مدرستهن وبحسب ما تقرره إمكانياتهن الذهنية وقدراتهن الجسمية والإتقان المتفوق لجميع المهارات.. فأعتقد.. أن النظرية التربوية لهرم الذكاء تقرر استحقاق مثل هذه الفئة للترفيع والنجاح والحصول على وثيقة الانتقال للصف الثاني لهذا العام الدراسي 23/24ه كمخرج واستثناء. وهذا سيزيل عن هذه الطالبة ومثيلاتها مشاعر الإحباط.. ويجنبها الشعور السلبي تجاه المدرسة الذي نحن جميعاً في غنى عنه! وبالتالي تعطى الفرصة في السنوات القادمة إن شاء الله للنظر في نظام الترفيع في ظل ما تنص عليه لائحة التعليم العام.. وما بلغنا أن دراسة هذا النظام بين يدي معالي وزير التربية والتعليم حالياً لمناقشته أو إقراره.. ولنا في هذه الشخصية المتفتحة في معاليه كل الأمل المعقود.. والثقة المطلقة.. في ظل أقواله وأعماله التربوية في حقل التعليم.. ولعل أشهر أقواله في هذا المجال (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة.. ووراء كل تربية عظيمة.. معلم متميز).. وفقه الله وإيانا لما يحبه ويرضاه،، إنه سميع مجيب.