حذر معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتوى من مخاطر الخروج على الجماعة وبث بذور الفرقة والخلاف، مشيراً إلى أن لزوم الجماعة من أهم العبادات التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأكد عليها في الكثير من الأحاديث الشريفة. وأضاف د. المطلق في محاضرته بعنوان: «وجوب لزوم الجماعة وخطر الفرقة» التي ألقاها ضمن برنامج العناية بالمساجد ومنسوبيها بجامع الإمام تركي بن عبدالله بمدينة الرياض ان المراد بلزوم جماعة المسلمين هو اجتماعهم تحت قيادة واحدة يأتمرون بأمرها، وينتهون بنهيها، يتبعون نظامها، يحرصون على ان تسود بينهم روح الإخاء والمودة، يتناصحون فيما بينهم، هذا الاجتماع عبادة يحبها الله، ويأمر بها فالذي يسعى إلى تحقيقها، ويجتهد في إرساء قواعدها هو عابد في طاعة الله تعالى، ولزوم جماعة المسلمين من أهم العبادات التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأكد عليها في أحاديث كثيرة، وقد ورد الأمر بها في القرآن الكريم، فما المراد بلزوم جماعة المسلمين؟ أن يكون المسلمون جماعة واحدة، قيادتهم واحدة، ومنهجهم واحد، وهدفهم واحد على ما رسمه لهم قائدهم محمد صلى الله عليه وسلم يجتمعون فكرياً، وبدنياً، أفكارهم واحدة ومنطلقاتهم واحدة، توجهاتهم واحدة، وهم كذلك في بلدانهم حزب واحد، وجماعة واحدة، بهذا الشكل يكون هؤلاء قد طبقوا ما أمرهم الله تعالى به من الاجتماع، والاعتصام بحبل الله تعالى، وتكوين جماعة واحدة، يظهر فيها الإسلام تطبيقاص عملياً يراه الناس. اجتماع المسلمين عبادة وتساءل فضيلته قائلاً: لماذا أمر الله تعالى بلزوم جماعة المسلمين؟ مجيباً عن ذلك لأن في الاجتماع العزة، واظهار المكانة الرفيعة، ونفي الضعف الذي يبحث عنه الأعداء ويتلمسونه، ويبذلون الأموال الطائلة في ايجاد مظنته في جسم الأمة الإسلامية، ولأن في الضعف انشغال المسلمين بأنفسهم عن رسالتهم العظيمة التي هي انقاذ البشرية ونشر هذا الدين، تعرفون في زمن عمر بن الخطاب انتشرت الفتوحات وفي أول خلافة عثمان ثم لما دب النزاع والخلاف، ماذا حصل؟ انشغل المسلمون بأنفسهم عن تبليغ دين الله تعالى الذي جعله حياة وروحاً، ومنقذاً للبشرية، بعد ان كانوا متفرغين لنشر هذا النور واسعاد البشرية به أصبح كل واحد منهم يدعي انه يحميه من أخيه معه فدب الخلاف والنزاع بينهم، ووقعت الفتنة، ومضى الجيل الأول وهم خير الأجيال، ولا يزال الشيطان ينشر الفتنة إلى الآن، وهذه رسالته إلى يوم القيامة: {قّالّ فّبٌمّا أّغًوّيًتّنٌي لأّقًعٍدّنَّ لّهٍمً صٌرّاطّكّ المٍسًتّقٌيمّ ثٍمَّ لآتٌيّنَّهٍم مٌَنً بّيًنٌ أّيًدٌيهٌمً وّمٌنً خّلًفٌهٌمً وّعّنً أّيًمّانٌهٌمً وّعّن شّمّائٌلٌهٌمً وّلا تّجٌدٍ أّكًثّرّهٍمً شّاكٌرٌينّ}، والأجل، قال جل وعلا {قّالّ أّنظٌرًنٌي إلّى" يّوًمٌ يٍبًعّثٍونّ} المخطط، إبليس سينفذه إلى يوم يبعثون، والمُنَفذ عليهم من هم، منطقة العمل من هي؟ نحن المسلمين، وإذا وقع الخلاف ضاعت ثمرات الاجتماع الأمنية، والاجتماعية، والاقتصادية، وهذا شيء سمعناه، وحدثنا آباؤنا به قبل قيام هذه المملكة المباركة، كان الأمن ضائعاً، لا يوجد أسواق تجارية، وكل قرية عليها سور، وكل قرية ترى انها مملكة مستقلة وزير خارجيتها شاعر يحب الفخر ويمدح التفرق، ولما جاء الله بالاجتماع، ظهرت آثاره عشنا في هذا الخير الذي نعيش فيه، وليتنا نتأمل ما قاله العالم العابد عبدالله بن المبارك عندما بين آثار الاجتماع، وآثار الافتراق قال عبدالله بن المبارك: إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا كم يرفع الله بالسلطان مظلمة في ديننا رحمة منه ودنيانا لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل وكان أضعفنا نهباً لأقوانا وأضاف معاليه قائلاً: إذاً اجتماع المسلمين عبادة فرضها الله عليهم، كما فرض عليهم سائر العبادات وأدلة فرضها موجودة في كتاب الله، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فمما يدل على ذلك من كتاب الله قول الله تعالى: {وّاعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ اللهٌ جّمٌيعْا وّلا تّفّرَّقٍوا وّاذًكٍرٍوا نٌعًمّتّ اللهٌ عّلّيًكٍمً إذً كٍنتٍمً أّعًدّاءْ فّأّلَّفّ بّيًنّ قٍلٍوبٌكٍمً فّأّصًبّحًتٍم بٌنٌعًمّتٌهٌ إخًوّانْا وّكٍنتٍمً عّلّى" شّفّا حٍفًرّةُ مٌَنّ النَّارٌ فّأّنقّذّكٍم مٌَنًهّا كّذّلٌكّ يٍبّيٌَنٍ الله لّكٍمً آيّاتٌهٌ لّعّلَّكٍمً تّهًتّدٍونّ}. مظاهر الإخوة وفي السياق نفسه، واصل معالي الشيخ عبدالله المطلق فقال: اعتصموا بحبل الله، اجتمعوا على طاعة الله التي رسمها لكم كتابه المبين وهو حبل الله تعالى، اجتمعوا عليه واتحدوا وكونوا عليه يداً واحدة واحذروا التفرق الذي سبق ان ذقتم مرارته يقول الله للصحابة: {وّاذًكٍرٍوا نٌعًمّتّ اللّهٌ عّلّيًكٍمً إذً كٍنتٍمً أّعًدّاءْ فّأّلَّفّ بّيًنّ قٍلٍوبٌكٍمً}، كانوا في المدينة القرية الصغيرة في حرب طويلة أكثر من ثلاثين سنة بين الأوس والخزرج، قبيلتين صغيرتين في المدينة يتطاحنون فما بالك بغيرها من القرى المجاورة لم يوحدهم إلا الدين، ولم يزرع في قلوبهم المودة إلا هذا الدين العظيم {وّاذًكٍرٍوا نٌعًمّتّ اللهٌ عّلّيًكٍمً إذً كٍنتٍمً أّعًدّاءْ فّأّلَّفّ بّيًنّ قٍلٍوبٌكٍمً فّأّصًبّحًتٍم بٌنٌعًمّتٌهٌ إخًوّانْا}. واستطرد معاليه قائلاً: وأنتم تعلمون مظاهر الاخوة، يأتي عبدالرحمن بن عوف من مكة فينزله النبي صلى الله عليه وسلم ضيفاً، ويؤاخي بينه وبين سعد بن الربيع فيقول له سعد بن الربيع عندي زوجتين وعندي أملاك اختر اجمل زوجتي فأتنازل لك عندها لتتزوجها، واعطيك شطر مالي هذه الاخوة التي صنعها الدين بعد ان كان هؤلاء قبل الإسلام إذا وجد بعضهم بعضا في البر، القوي يسلب الضعيف، ويأخذ ماله، ويعتبر ذلك شجاعة يُمدح بها في النوادي ويفخر بها في مجالس افتخار العرب وأسواقها كانوا يجتمعون في عكاظ، ومجنة، وذي المجاز، وكان من مفاخرهم ان فلان يقطع الطريق، ويأخذ الناس، وانه يغزو، وانه يقتل هذه المفاخر التي جعلها الإسلام مخازي التي قال الله في أهلها « أولئك لهم خزي في الحياة الدنيا» في آية الحرابة لأنها بهذا الاسم أولى وأحرى ان يكون اسمها شرفاً، ووصفها مدحاً ينتقل من الآباء إلى الأبناء ويقول الله تعالى في الاجتماع: {يّا أّّيٍَهّا النَّاسٍ قّدً جّاءّكٍم بٍرًهّانِ مٌَن رَّبٌَكٍمً وّأّنزّلًنّا إلّيًكٍمً نٍورْا مٍَبٌينْا فّأّمَّا الذٌينّ آمّنٍوا بٌاللَّهٌ وّاعًتّصّمٍوا بٌهٌ} آمنوا بالله واعتصموا بهذا الكتاب، بهذا البرهان، وإذا اعتصموا بحبل الله الذي هو كتابه زرع الله في قلوبهم المودة، وأصبح الواحد منهم يُحب لأخيه ما يحب لنفسه وكانوا يداً واحدة تحت إمام واحد يَلزَمون به الجماعة ويقيمون به السنة، ويطردون به مساوئ الشيطان التي يفرق بها الناس. واسترسل معاليه قائلاً: وقد ورد من الأحاديث في لزوم الجماعة ما رواه عمر رضي الله عنه حين خطب المسلمين في الشام في الجابية فقال: يا أيها الناس اني كنت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد من اراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة» رواه أحمد والحاكم والترمذي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «عليكم بالجماعة وإلزموا الجماعة» لماذا، لأن فيها عزكم وصلاحكم، ودحر أعدائكم، الأعداء إذا رأوا المسلمين مجتمعين، هابوهم، وإذا رأوهم متفرقين فشلوا في أعينهم، وزهدوا في حالهم وتسلطوا عليهم، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، الشيطان مثل الذئب يأكل من الغنم القاصية، ولذلك انظروا الآن إلى الجماعة الصغرى وهي جماعة الصلاة والجماعة الكبرى وهي جماعة المسلمين واجتماعهم، والجماعة الصغرى الجماعة في المسجد انظروا هل تسلط الشيطان على الإنسان إذا صلى في بيته أكثر أو تسلطه عليه أكثر إذا صلى في المسجد.. هذا شيء يجده كل مسلم إذا فاتته الصلاة ذلك اليوم في المسجد، فتجد أن تسلط الشيطان عليه أكثر، وان وسوسته عليه أكثر، وان انتباهه في صلاته يقل لعظم تسلط الشيطان لماذا؟ لأن الشيطان يتسلط على الواحد، وهو من الاثنين أبعد وروى حذيفة في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتن ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. التفرق الفكري وقسم معاليه الدعاة إلى قسمين قسم يدعون إلى الجنة وقسم يدعون إلى النار والله تعالى يقول عن القسم الأول {وّجّعّلًنّا مٌنًهٍمً أّئٌمَّةْ يّهًدٍونّ بٌأّمًرٌنّا لّمَّا صّبّرٍوا}، ويقول عن القسم الثاني {وّجّعّلًنّاهٍمً أّئٌمَّةْ يّدًعٍونّ إلّى النَّارٌ}، آل فرعون، يدعون بأفعالهم وبأقوالهم، دعاة سوء، دعاة فرقة، دعاة شقاق. وأبان معالي الشيخ المطلق ان التفرق الفكري وهو شر من التفرق البدني لأن التفرق الفكري هو الذي يأتي بالنوع الخبيث من التفرق البدني، والتفرق الفكري هو الذي يبعد عن طريق الحق والله تعالى ذم تفرق أهل الكتاب وبين صلى الله عليه وسلم انهم افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، واثنتين وسبعين فرقة، وان هذه الفرق ضلال وانحراف إلا من لزم جادة الحق وتمسك بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة «دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها»، قال حذيفة رضي الله عنه صفهم لنا يا رسول الله قال: «قوماً من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا وربما يكون عندهم زخرفاً من القول تميل إليها القلوب الضعيفة مثل ما قال الله تعالى: {وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّا لٌكٍلٌَ نّبٌيَُ عّدٍوَْا شّيّاطٌينّ الإنسٌ وّالًجٌنٌَ يٍوحٌي بّعًضٍهٍمً إلّى" بّعًضُ زٍخًرٍفّ پًقّوًلٌ غٍرٍورْا وّلّوً شّاءّ رّبٍَكّ مّا فّعّلٍوهٍ فّذّرًهٍمً وّمّا يّفًتّرٍونّ }. ومضى فضيلته قائلاً: الكلام المنمق والأدلة التي ظاهرها الصلاح وباطنها الفساد، التي تنطلي على بعض من لا تعمق عنده ولا فهم هي سبب الانحراف وهي التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث «قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا» قال حذيفة رضي الله عنه، فما ترى يا رسول الله ان ادركني ذلك قال صلى الله عليه وسلم «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» متفق عليه. التفرق سبب الفشل وأضاف معالي الشيخ عبدالله المطلق أن ربنا جل وعلا بين لنا ان التفرق سبب للهلاك في الدنيا والآخرة وحذر المسلمين منه بعد ان أمرهم بالاعتصام والاجتماع فقال: {وّلا تّكٍونٍوا كّالَّذٌينّ تّفّرَّقٍوا وّاخًتّلّفٍوا مٌنً بّعًدٌ مّا جّاءّهٍمٍ البّيٌَنّاتٍ وّأٍوًلّئٌكّ لّهٍمً عّذّابِ عّظٌيمِ} هناك أناس يحبون التفرق، ويفرحون بما عندهم من العلم، ويحب الواحد منهم ان يكون رأساً في فتنة، نسأل الله العافية والسلامة وهؤلاء يقول الله فيهم: {إنَّ الذٌينّ فّرَّقٍوا دٌينّهٍمً وّكّانٍوا شٌيّعْا لَّسًتّ مٌنًهٍمً فٌي شّيًءُ إنَّمّا أّمًرٍهٍمً إلّى اللهٌ ثٍمَّ يٍنّبٌَئٍهٍم بٌمّا كّانٍوا يّفًعّلٍونّ}. لا يكون الله معك إلا إذا صبرت على لزوم جماعة المسلمين وكنت لبنة في هذا البناء العظيم وكنت عضواً صالحاً في هذا الجسد الذي يمثل الإسلام. وقال معاليه: لقد حذرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مفارقة الجماعة، وبيّن انه كبيرة عظيمة تنتهي بالخروج من الدين يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «من فارق الجماعة شبراً فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه» رواه أحمد وأبو داود، هذا في حال الحياة وبعد الموت يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس: «من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة الجاهلية» وهذا الحديث متفق عليه رواه البخاري ومسلم، وفي هذا الحديث نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما قد يراه بعض الناس عذراً في مفارقة الجماعة عندما يقع عليه ظلم بيّن أو يقع على غيره ظلم فيرى أن هذا الظلم مبرر للخروج وقد روى الخلال في كتاب السنة عن أبي حارث الصائغ أنه سأل الإمام أحمد - رحمه الله - عن أمر كان في بغداد أغضب الناس، فَهَّم قوم بالخروج، فأنكر عليهم الإمام أحمد إنكاراً شديداً وجعل يقول: سبحان الله الدماء، الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة، الفتنة يُسفك فيها الدماء، وتستباح الأموال وتنتهك المحارم، فقال له أبو الحارث: يا إمام ألسنا في الفتنة؟ فقال الإمام أحمد: نحن في فتنة خاصة، وما نخشى منه بالخروج فتنة عامة، تضيع فيها سبل المسلمين، وتهدر بها دماؤهم وتستباح أموالهم، وتقديم الفتنة الخاصة على الفتنة العامة يجب الاهتمام به ومعرفته. وسائل المحبة واستطرد معاليه قائلاً: وعندما يتحدث العلماء مع الرعية عن الصبر على الجماعة يتحدثون أيضاً مع السلطات عن وجوب العدل ووجوب اظهار الرحمة والشفقة بالرعية لأنها من وسائل المحبة والأصل في المجتمع المسلم التحاب والتواد، يحب المسلم لأخيه مثل ما يحب لنفسه والناس في هذا مثل ما يقولون لرب الأسرة الصغيرة لأن الدولة أسرة كبيرة والأسرة في البيت أسرة صغيرة فحينما يأمرون الناس الولد بالصبر على والده واحترامه وبره ويأمرون الوالد أيضاً بحسن معاملة ولده وحسن أدبه وأن لا ينفره. وأوضح معاليه حكم الإسلام في المفارق: روى فضالة بن عبيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا تسأل عنهم رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً، وأمة أو عبد أبق هرب من مواليه فمات وهو آبق، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم» رواه أحمد والحاكم وصححه، فمنهن ثلاثة لا تسأل عنهم يعني لا تسأل عن سوء حالهم، وسوء منقلبهم، وسوء عاقبتهم لماذا؟ لأن هؤلاء لم يقوموا بالمسؤولية التي وجبت عليهم وتنكروا للنعمة التي أسديت لهم فتحدث باسهاب عن حال أولئك الثلاثة. وتساءل فضيلة الشيخ عبدالله المطلق بقوله: هل للمفارق حداً في الدنيا فقال روى عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة» رواه مسلم. وأضاف معاليه قائلاً: وقد بيّن - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث أن مفارقة الجماعة سبب في احلال عصمة المسلم التي حفظها الله تعالى له وحرم على غيره أن يهتكها وأوجب على الأمة الإسلامية احترامها، فإذا فارق الجماعة ودعا إلى الفرقة زالت عنه هذه العصمة، وحل دمه بهذا الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال: إن هذه العبادة العظيمة، عبادة الاجتماع، وتوحد المسلمين، ووحدة قلوبهم وأبدانهم، ووحدة أفكارهم ما واجبنا تجاهها؟ الواجب الأول المحافظة عليها وألا نترك لأحد أن يخترقها، الناس الآن في هذا العصر أصبح أعداؤك يدخلون إلى بيتك كان الناس قديماً لا يستطيع أحد أن يتسلل إلى حدود أحد إلا بطرق خفية لكن الآن تجد أعداءك يصلون إليك أربعاً وعشرين ساعة بواسطة القنوات الفضائية، والمذياع، والصحف، والجوال، ووسائل الاتصال الأخرى. الفرق الضالة وحذر فضيلته من الفرق الضالة الذين يكتبون باسم أهل السنة والجماعة وينشرون ما يفرق كلمة المسلمين من الأباطيل والاشاعات سواء في الانترنت وغيره، ومن المرجفين الذي هدفهم تفريق القلوب، وتفريق الأفكار لأن الأمة إذا تفرقت فكرياً تفرقت قلوبها، ونتج عن ذلك تفرق أبدانها فهذا تفريق لأمة المسلمين وخدمة لأعدائهم. وقال: يجب علينا أن نعرف مكائد الأعداء، ومنافذ دخولهم إلى أبنائنا وبناتنا واخواننا في الانترنت، والقنوات الفضائية، والصحف، والمجلات، لأن رد وسائل التفرق الفكري هو رد لوسائل التفرق البدني، وهو الحصن الأول الذي يقمع الباطل قبل أن ينتشر. وذكر فضيلته بأول من فرّق المسلمين في زمن عثمان - رضي الله عنه - وقال أليس هو عبدالله بن سبأ الذي جاء وزرع الفرقة بينهم حتى حدث ما حدث، إن هؤلاء يعودون في التاريخ كما كانوا ولذلك فإنهم وأذنابهم يفرقون المسلمين الآن، ولهذا كل واحد منا عليه مسؤولية في أبنائه، في اخوانه، في جماعته، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا وهو يؤكد علينا الاجتماع «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد». وأشار معالي الشيخ عبدالله المطلق إلى أن كل واحد منا على ثغر من ثغور الإسلام، في بيته، في مدرسته، في استراحته، في مجالسه مع جماعته، ولهذا يجب علينا أن نحرص على أن لا يؤتى الإسلام من قبل أحد منا، وقال إن من أعظم ما يحدث الفرقة بين المسلمين أن تكون هذه البذور خارجة بمظهر الدفاع عن الدين، وقصد حفظه، واظهاره، وهذه مكائد الشيطان فإنه يأتي إلى الناس في صورة الناصح قال تعالى{وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين}، ولهذا لو تدبر هؤلاء القرآن، وصبروا على ما يجدونه من الألم مع الاجتماع، هذا الألم يجدونه من الصبر لأن الشيطان يشعرهم بهذا الألم، لكن إذا صبروا واحتسبوا، وعلموا بأن ما اختاروه بسبب اختيار الله لهم خير مما كانوا يظنون، ولهذا إذا امتثل المؤمنون قول الله تعالى:{ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين} وفي ختام محاضرته سأل معاليه الله تعالى أن يحفظ لنا اجتماع كلمتنا، وأن يحفظ لنا علماءنا وأمراءنا وشبابنا، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يعيذنا من نزعات الشياطين، ويحفظ لنا شبابنا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.