الصراع العراقي الأمريكي كما يسميه البعض للتذكير باحتمال الحرب أعاد الضوء إلى الأممالمتحدة ربما لأول مرة منذ سنوات كانت فيها هذه المؤسسة الأممية غائبة تماما.. فلا أحد يشكك اليوم في ذلك العجز الذي احترفته الأممالمتحدة و هي تمارس دور الأصم تارة والدورالمشلول تارة أخرى أمام كل الصراعات التي كانت تندلع هنا وهناك. كان الجميع ممن مستهم الحرب يتساءلون أين الأممالمتحدة ؟ أين مجلس الأمن اليوم لا أحد يتساءل أين هي هذه الهيئة الرسمية الموقرة بل يتساءلون ما جدواها؟ فهي في نظر بعض الشعوب جهاز لتمرير البراغماتية الأمريكية. وفي نظر البعض مجرد مؤسسة تشرف على ادارة الشؤون الأمريكية في الخارج.. رأيان متقاربان وإن كانا من جهات مختلفة لكنها جهات رسمية أيضا !!الأزمة العراقية إن أعادت الأممالمتحدة إلى الضوء، فلأن بعضنا اكتشف مدهوشا أن الأممالمتحدة موجودة حقا وان الصراع يمكنه المرور عبر محكمتها حتى لو كان ذلك الصراع أمريكي عراقي بمعنى أن الأممالمتحدة الغائبة طويلا لن تقدر على الفصل فيه دون ان تخسر المزيد من سمعتها عبر الكشف عن مجرد عجزها عن حل هذه المعضلة دون أن تضطر إلى الرجوع إلى الأمريكيين أنفسهم. «على الأقل وضعونا في الخط » يقول أحد الموظفين الأمميين ساخرا طبعا معه حق في السخرية لأن مبنى الأممالمتحدة صار وجهة لكل وكالات الأنباء للصحفيين و لقنوات التلفزيون التي تتكدس في الخارج عارضة هوائياتها هنا وهناك .. شبكات الأخبار تعيش حالة طوارئ تجعل موظفي الأممالمتحدة يشعرون بالفخر لأنهم تحت الضوء .. هذا كل ما يهمهم الآن ..!! الساعة السابعة صباحا برد شديد ثلج يحيط بالبناية الزجاجية في العاصمة نيويورك بينما المراسلون الصحفيون يتنافسون على حلم الصعود إلى الدورالأول معبر السجادات الغريبة التي تقود إلى مجلس الأمن الدولي.. على قناة السي أن أن «بولا زاهن» من برنامج «تلفزيون الصباح» الأمريكي تعد المشاهدين منذ أيام على تقديم تقرير كامل عن الساعة الحاسمة عن أمريكا اليوم الهمبورغر والكوكاكولا.. أمريكا التي تريد أن تضع ماكياجا على وجهها كيلا تعترف بالخوف ربما الخوف من الفشل فقط !!! طوال نهاية الأسبوع ظهر سياسيون معروفون بقضية السطو على منظمة متورطة في تمويل قتل الأطفال المولودين مشوهين وهي المنظمة التي ساهمت بشكل ملفت في مشروع التنظيم الأسري المقدم لليونيسكو !!! كلهم ظهروا عبر التلفزيون.. كلهم تحدثوا .. برروا .. دافعوا عن النمط الأمريكي المبهر.. لا شك أن المتفرج الأمريكي صدم وقتها وهو يكتشف مساحة الشر التي تحرك البعض نحو ما يعتقدونه « مصلحة عليا» للبلاد التي تحتضن على أرضها هيئة دولية كالأممالمتحدة بكل فروعها الحساسة و الاستراتيجية.. النمط الأمريكي الخارق ينهار !!ربما لأنه نتاج عن ذلك التناقض الذي لا يمكن العثور عليه سوى في الولاياتالأمريكيةالمتحدة.. والجميع يدرك حجم التناقض حتى موظفو الأممالمتحدة يعرفونه جيدا لهذا كان التساؤل المتكرر هو هل من مصلحة أحد اليوم أن يتشبه بالولاياتالأمريكيةالمتحدة وفق ما تظهره لنا من مآزق؟لا شك أن ثمة من يتمنون ذلك.. الأممالمتحدة تشبهت منذ زمن بالبلد الذي تسكن فيه .. لم يكن هنالك اهتمام حقيقي خارج ما تريده أمريكا أو ما تأمر به.. و هذا سبب آخر أدى إلى تغييب هيئة الأممالمتحدة ! اليوم تبدو الكرة في المرمى الآخر .. ليس لأن جورج بوش وصدام حسين يتخاصمان للمرة الألف منذ أكثر من عشريتين لكن لأن هذا الخصام هو الذي أضاء الأضواء في هذا المبنى الموقر... جعل العالم يكتشف أن الأممالمتحدة حدثا مهما يجب أن يتشبث به .. الصحف النيويوركية التي لم يشغلها شيء سوى الركض خلف المسئولين الدبلوماسيين الذين لم يدفعوا الضرائب الثقيلة عادوا إلى الحديث عن شيء آخر لأول مرةمنذ عاصفة الصحراء .. ليراهنوا: الحرب أم السلام ؟ وفق الأسلوب المخابراتي الذي يعرف به المفتش ديريك الذي صار اسمه .. هانس بليكس السويدي الحازم..هذا المسئول عن اللجنة الأممية المكلفة بالتفتيش والتنقيب عن الأسلحة العراقية عاد من بغداد حاملا ملفه الثقيل وتقريره المكون من 400 مداهمة للأماكن المشبوهة تقرير لم يجد فيه أحد الرد على السؤال الذي يريد العالم أن يطرحه على السيد كوفي عنان : هل لدى العراق ما يبحثون عنه؟ حتى وقرار الأممالمتحدة 1441 يبدو عائقا حقيقيا أمام التنقيب بين أوراق بليكس و البرادعي عن شيء يمكن بموجبه ضرب العراق و حمل الحرب إلى منطقةالخليج .. بليكس لا يهادن .. يتحدث عن الصواريخ العراقية المنسية.. عن العلماء العراقيين المرعوبين من قول الحقيقة .. لكنه لا يثبت شيئا بل يستنتج فقط .. لهذا عليه أن يعود ثانية وينقب من جديد و يبحث .. عليه ألا يكتفي بالاستنتاج يقول مسئول في مجلس الأمن الدولي الغاضب جدا من موقف أوروبا القديمة «فرنساألمانيا » .. شرخ آخر للأمم التي بدت غائبة وهي تجتمع وتتفرق.. تقول وتصرح و ترتبك ربما لأن الأمريكيين غضبوا جدا .. فقد اعتبروا التردد عملا خيانيا مرددين مقولة بوش «يجب القضاء على أقطاب الشر في العالم .. العراقإيرانكوريا الشمالية» !!! ذكروني ماذا أفعل هنا!! كان يوم اثنين عند الخروج من المداولات الصعبة . قابلنا وجه السير جيريمي غرينستوك (Jeremy Greenstock) ممثل بريطانيا الدائم والحليف الوفي للولايات الأمريكيةالمتحدة كان غاضبا.. حتى اسبانيا لم يرض ممثلها إعطاء فرصة للعراق معتبرة أن مساندتها للولايات الأمريكيةالمتحدة نابعة عن قناعات عميقة.. و أن العراق يستحق الضرب ! إدارة بوش كانت الأكثر تأثرا لأنها وجدت نفسها أمام قانون لم تحسب له حساباً. معتبرة أن عدم وجود الأدلة ليست سوى لأن صدام حسين يخفيها!! لهذا الكل يتوقع أن تجد الولاياتالأمريكية الفراغات القانونية كي تنفذ فكرتها « مضى أكثر من أسبوع والضغوطات تتصاعد». يقول لي أحد الدبلوماسيين الأوروبيين و هو يتنهد بتعب مشهرا في وجهي عناوين الصحف الأمريكية الكبيرة نيويورك تايمز، الواشنطن بوست! منذ تاريخ 20 يناير منذ أن رفضت فرنسا الضغوطات الأمريكية عليها ذهب رونالد رمسفيلد إلى أوروبا القديمة لينتقدها بشدة .. نائبه بول وولفوفيتش ذكر أوكرانيا وأذربيجان مثالين جميلين لعدم التسلح .. كوندوليسا ريس ذهبت أبعد متسائلة عن مصداقية الأممالمتحدة ؟! سؤال مهم جدا ! الرئيس الأمريكي قال ان جنوده المتواجدين على الحدود العراقية لن يديروا أصابعهم في الهواء طوال الوقت !! قال انه إن وافق على المهلة فليس عن ضعف بل ليعطي للجنود الفرصة لتحويل دبابات وزنها أكثر من سبعين طنا من ألمانيا إلى مكان المعركة. «إنهم لا يقبلون برزنامة دبلوماسية إلا إذا وافقت رزنامتهم العسكرية» يقول لنا المفاوض الأوروبي .. هل هذا شيء جديد؟! حسب سبر الآراء الأخير، فإن 61% من القراء الذين تعبوا من رؤية أعلام بلدهم تحرق في دول عديدة يرفضون الحرب إلا إذا وافقت عليها الأممالمتحدة و ليس الدول المتحالفة .. لكن هل بقيت الأممالمتحدة تؤدي واجباتها حقا ؟ لقد عجزت عن احتواء الأزمةالعراقية .. عجزت عن تحديد موقفها من الحرب الدائرة في الشيشان .. عجزت عن مجرد قراءة تقرير حول مجزرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي في مدينة جينين عجزت عن تحمل مسئولياتها إزاء أوضاع في العالم فكيف تستطيع اليوم أن تحسم الموقف وهي تعلن يوما بعد يوم أنها ليست أكثر من القائم بالأعمال الأمريكي لدى العالم ؟ .. نظرة إلى الصراعات الدائرة تقول أكثر مما قلناه .. الذين يعتبرون أنفسهم أقوياء داخل الأممالمتحدة لا يعرفون نهاية الحكاية .. فرنسا تستعذب الفرصة التاريخية وتعتبرها من ذهب .. ربما كي تتغلب على الأمريكيين بتذكيرهم أن القانون لا يمكن تجاوزه ببساطة ولا حتى لأجل إشعال حرب إمبريالية جديدة !! هذا المنطق الفرنسي أثقل كاهل الفيدراليين عبر إعلان حالة طوارئ دبلوماسية.. الاثنين 20 يناير الأخير قال كولن باول غاضبا مخاطبا الممثل الدائم للولايات الأمريكية لدى مجلس الأمن الدولي: ذكرني ماذا أفعل هنا ! لا نعرف إن ذكره .. ربما يذكره الآن وقد سمع العالم الأدلة التي جاء بها باول لإقناع العالم أنه على حق .. نحن من جريدة الاكسبريس نذكره : ماذا تفعل هنا يا عزيزي باول ، فالحرب ليست لعبة أطفال!!! (*) عن الاكسبريس الفرنسية.