قدَّم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قائد رؤية 2030 في لقائه مع روتانا خليجية في 27-4-2021 جردة حساب أهداف رؤية المملكة المنجزة خلال السنوات الخمس الماضية، بالطبع يجب الوقوف عند من كان يعتبر أن الأرقام التي وضعتها الرؤية كبيرة، ومبالغ فيها، وغير قابلة للتحقيق. طبعا هناك من كانت أحلامه متواضعة، أو لا يعرف حقيقة التحول، وتصميم القيادة الشابة على تحقيق هذا التحول، الذي لم يعد خيارا، بل أصبح ضرورة لدعم مكانة السعودية الدينية والإقليمية والدولية، وهناك من أراد التشكيك متعمدا في قدرات المملكة؛ خوفا من تحقيق هذا التحول الذي يتمكن من ضرب المشاريع الإقليمية التي تحاول تحجيم الدور السعودي، حتى تتمكن من المطالبة بتدويل الإشراف على الحرمين الشريفين. وكانت الرؤية بمثابة خطة جريئة قابلة للتحقيق لأمة طموحة تعبر عن أهداف وآمال وطموحات الشعب السعودي على المدى البعيد، وهي تستند إلى مكامن القوة والقدرات الفريدة التي تتمتع بها السعودية من أجل أن ترسم تطلعات الشعب والقيادة نحو مرحلة تنموية جديدة. بل إن الرؤية تجاوزت المستهدفات في بعض القطاعات كما في قطاع الإسكان الذي تجاوز المستهدف ب 8 في المائة، فحولت الرؤية المعضلة إلى قصة نجاح، ما يعني أن الدولة تثبت للعالم من أن الاهتمام بالإنسان السعودي أولوية لديها. وعندما أعلن سمو ولي العهد عن تأسيس صندوق استثمارات عامة بأربعة تريليونات ريال في 2030، كانت هناك شكوك في كيفية جمع هذا المبلغ، ولكن كان الهدف أن يكون قوة محركة للاستثمار، والجهة الاستثمارية الأكثر تأثيرا على مستوى العالم، وأن يدعم إطلاق قطاعات وفرص جديدة تساعد على رسم ملامح مستقبل الاقتصاد العالمي، وأن يدفع عجلة التحول الاقتصادي في السعودية، وهو ما تحقق حتى أصبح يضخ استثمارات رأسمالية أكثر من 160 مليار ريال تتجاوز إنفاق الميزانية الحكومية بنحو 105 مليار ريال، وهو ما جعل سمو ولي العهد يرفع من طموحات الصندوق في 2030 من 4 تريليونات ريال إلى 10 تريليونات ريال. ما جعل المملكة تتقدم في التنافسية العالمية إلى المرتبة ال 24 عالميا في 2020 بعد أن كانت في المرتبة ال 39 في عام 2018. زادت المملكة مشاركة المرأة في القوى العاملة إلى 33.2 في المائة عام 2020 بعد أن كانت 19.4 في المائة في 2017، وهذه النسبة تجاوزت المستهدف في 2030 بنحو 30 في المائة، بالطبع تأثر معالجة البطالة بفيروس كورنا الذي ضرب العالم وستحقق السعودية المستهدف 7 في المائة قبل حلول 2030، بل اهتمام الدولة يتجاوز معالجة مشكلة البطالة إلى الاهتمام برفع مستوى الوظائف الجيدة من 50 في المائة حاليا إلى 80 في المائة. لم تكن رؤية المملكة 2030 التي طرحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل خمس سنوات رؤية اقتصادية واجتماعية، من أجل أن تعيد بناء المملكة على أسس قوية وراسخة فحسب، وإنما كانت رؤية تعيد بناء الإنسان السعودي من الداخل بأن تدفعه إلى أن يكون أكثر إصرارا وعزيمة ووعيا يشارك في تنفيذ هذه الرؤية، وتمكنه من صنع المستحيل، وترجمة الأحلام والتطلعات التي وضعت في الرؤية إلى واقع معاش، والتي كسرت كثيرا من الأرقام تعطي دفعة إلى إعادة كتابة تاريخه كأكبر قوة إقليمية تنافس على صدارة المشهد في العالم في جميع المجالات والقطاعات. السعوديون أمام حقبة جديدة من تاريخ السعودية من أجل توثيق لحضارة إنسانية سعودية حافلة بمحطات مشرقة من النمو الاستثنائي بإطار علمي وتقني وبأحدث ما وصل إليه العلم التي تجاوز بعضها العصر الحالي، وما يلفت الأنظار أن قفزات التغيير في السعودية مدروسة بعناية بما يتوافق مع مكانتها الدينية ودستورها كتاب الله وسنة نبيه، وهي لا تتعارض من أن تكون السعودية دولة عصرية حديثة قادرة على المنافسة العالمية. ** ** - أستاذ بجامعة أم القرى بمكة