كانت السعودية دائما السباقة في فهم المتغيرات العالمية، رغم أنها تمتلك أكبر احتياطيات من الوقود الأحفوري، لكنها لم تخرج من مؤتمر المناخ في باريس بل كانت من أهم الأعضاء التي وقعت على المؤتمر، في المقابل خرجت الولاياتالمتحدة من هذا المؤتمر لكننا نجد أن بايدن عاد مرة أخرى إلى هذا المؤتمر. ما يعني أن السعودية أكثر ليبرالية من الولاياتالمتحدة، وتدرك أهمية حماية الأرض والطبيعة، وهي تصب في تحقيق رؤية المملكة 2030 التي تركز على تنويع مصادر الطاقة وهي ضمن التوجه نحو تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الإنتاجية. على عكس إيران بعدما وقعت اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع الصين، اعتبرت الاتفاق يقع ضمن مشروع المقاومة، لكن ردت الصين من أن الاتفاقية ليست ضد طرف ثالث، فالفرق بين السعودية وإيران شاسع. فالسعودية تسعى نحو مبادرة شرق أوسط خضراء، فيما إيران تسعى نحو تقويض الليبرالية السعودية التي تصب في مصلحة الشرق الأوسط والعالم، ما يجعلها تواصل إرسال صواريخها وطائراتها المسيرة نحو السعودية عبر وكلائها الحوثيين في اليمن، من أجل أن تتحول السعودية إلى دولة غير مستقرة وتهرب منها الاستثمارات الأجنبية، لكن السعودية كانت مستعدة للسيناريو الإيراني منذ فترة طويلة، واستطاعت بفضل قدراتها الدفاعية الجوية، وقدرات رجالها الأبطال على التصدي لهذه الصواريخ والطائرات المسيرة في الجو قبل أن تصيب أهدافها، وهذا يثبت أن السعودية رغم جائحة كورونا كانت في 2020 أعلى استثمارات أجنبية في 4 أعوام. مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر يجعلها تعمل مع المنظمات الدولية لتطوير هاتين المبادرتين، وفي نفس الوقت العمل على إطلاق تجمع إقليمي بحضور الشركاء الدوليين. تدرك السعودية أنها منتج عالمي رائد للنفط، ما يجعلها تدرك أنها أيضا مسؤولة في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، فكما كان لها دور قيادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإنها ستعمل على قيادة الحقبة الخضراء القادمة. تتجاوز السعودية المستهدفات العالمية وهي تتجه نحو رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30 في المائة من مساحة أراضيها التي تقدر ب600 ألف كيلو متر مربع، بينما المستهدف العالمي 17 في المائة من أراضي كل دولة، بجانب مبادرات لحماية البيئة البحرية والساحلية، ومن أبرز مبادراتها زراعة نحو 10 مليارات شجرة داخل السعودية خلال العقود القادمة، أي زيادة المساحة المغطاة بالأشجار إلى 12 ضعفا، تمثل 4 في المائة من المستهدفات العالمية المقدرة بزراعة تريليون شجرة، كما تسعى بالشراكة مع دول الشرق الأوسط لزراعة 40 مليار شجرة إضافية، وهي ثاني أكبر مبادرة إقليمية من هذا النوع، بهدف استعادة 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة. ستوفر 50 في المائة من إنتاج الكهرباء بحلول عام 2030 من خلال الطاقة المتجددة التي ستمحي أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، أي أكثر من 4 في المائة من المساهمات العالمية، ولا تزال حصة الشرق الأوسط من الطاقة النظيفة فقط 7 في المائة، وهي فرصة لنقل التقنية والمعرفة والخبرات التي سيدعمها العالم من أجل رفع هذه النسبة، وفي نفس الوقت تخفيض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط بأكثر من 60 في المائة، والتي ستحقق بأكثر من 10 في المائة من المساهمات العالمية السعودية مصممة على أن يكون لها دور عالمي مؤثر ودائم للمشاركة في معالجة قضايا دولية تنطلق السعودية من دورها الريادي للمضي قدما وبخطى متسارعة في مكافحة التغير المناخي، وتتجنب الاختيار المضلل بين الحفاظ على الاقتصاد أو حماية البيئة، وتؤمن السعودية من أن العمل لمكافحة التغير المناخي يعزز من القدرة التنافسية، ويطلق شرارة الابتكار، ويخلق ملايين من الوظائف للأجيال القادمة من أجل عالم أخضر وأنظف. ** ** - أستاذ بجامعة أم القرى بمكة