تلفت تجربة المملكة في الآونة الأخيرة أنظار العالم وقدرتها على استثمار إمكاناتها الهائلة، والتي دخل جزء منها حيز التخطيط منذ أمد بعيد مثل مشروعي الجبيل وينبع وبناء شركات ضخمة مثل أرامكو وسابك، وفي نفس الوقت تزعج هذه الثورة الاقتصادية عدويها إيران وتركيا، اللذين تبحثان عن تنمية اقتصاداتهما عبر الهيمنة على المناطق العربية. هناك كثير ممن يتساءلون عن كيفية تمويل السعودية مشاريعها الضخمة، بل البعض يراها مشاريع خيالية كما في نيوم وتحويلها إلى منطقة ذكية، وفي مشروع البحر الأحمر، والقدية، والعلا، وإستراتيجية تطويرية لجعل الرياض ضمن أكبر 10 مدن اقتصادية في العالم، واستهداف إنشاء 20 منطقة اقتصادية، وجعل النفط والغاز يقودان مزيج الطاقة بحصة مجمعة 50 في المائة بحلول عام 2045، وغيرها من مشاريع. هذا الحراك الذي تقوده السعودية في ظل خسائر مُنيت بها السياحة العالمية بنحو 1.3 تريليون دولار في 2020 تعادل 11 ضعف الأزمة المالية المسجلة خلال 2008 - 2009، وأسوأ عام يمر على فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية بركود يبلغ نحو 8.5 في المائة. بعد 4 أعوام من تراجع تحويلات العمالة في السعودية ترتفع في 2020 بنحو 19.26 في المائة بلغت 149.7 مليار ريال بأعلى معدل نمو منذ 2009، كما قفزت الاستثمارات السعودية الخارجية 15.4 مليار ريال في يناير 2021 بلغت 1.7 تريليون ريال، ما يدل على حيوية الاقتصاد السعودي. هناك انطلاقة قوية لأسواق الديون، استطاعت الشركات جمع 400 مليار دولار من الأموال في الأسابيع الثلاثة الأولى من 2021، ما جعل السعودية تتجه لتمويل مشروعاتها التنموية، وقد نجحت في اقتناص قروض دولارية بأقل التكاليف، ما جعل المستثمرين يتدافعون على سندات السعودية طويلة الأجل، إذ اجتذبت طلبات بلغت نحو 20 مليار دولار لسنداتها لأجل 12 و40 عاماً، ما ساعدها على تقليل تكاليف الاقتراض التي دفعتها على السندات، للاستفادة من أسواق رأس المال الدولية. تبلغ الديون العالمية نحو 200 تريليون دولار، فيما الناتج الإجمالي العالمي 89 تريليون دولار عام 2019، لكن تبلغ ديون الحكومات على الأرجح 98 في المائة من الناتج الاقتصادي في نهاية 2020، ويبلغ إجمالي الاستثمارات في السندات الأمريكية 7.083 تريليون دولار، بلغت الاستثمارات السعودية 125.3 مليار دولار في أبريل 2020 بعدما كانت 159.1 في مارس. تتجه السعودية نحو زيادة تنويع قاعدة الممولين عبر توسيع نطاق التواصل محلياً ودولياً عبر قطاعات أعمال ومناطق جغرافية عديدة، بلغ إجمالي محفظة الدين بنهاية 2020 نحو 854 مليار ريال بنحو 59 في المائة مقومة بالريال ونحو 41 في المائة مقومة بالعملات الأجنبية. دخول لافت للتمويل الحكومي البديل ليصبح أحد الأعمدة لتعبئة الموارد الخاصة بجمع التمويل ذي الصبغة التنموية، واستعانت السعودية بمنصة (سي بوندر) من أجل تتبع أداء السندات طويلة الأجل للسعودية، بهدف تحقيق التوازن بين أهداف الحفاظ على الاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام ومساندة مرحلة التحول الاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها السعودية وفقاً لرؤية السعودية 2030، حيث تمكنت السعودية من توفير أكثر من 350 مليار ريال من خلال رفع كفاءة الإنفاق منذ 2017 . ورغم هذه الطفرة الاقتصادية أو يمكن تسميتها بالثورة الاقتصادية، فإن السعودية عدلت سقف الدين العام من 30 في المائة كنسبة من الناتج المحلي إلى 50 في المائة، ولكن على المدى المتوسط لا ترغب في أن يقترب الدين من هذا السقف وليس عدم تجاوزه. ** ** - أستاذ بجامعة أم القرى بمكة