من اللطيف أن الدكتور عمرو موسى هو المتحدث الرئيسي في محور «ماذا لو فشل مشروع السلام» وسنرى إجابة الدكتور موسى في مؤتمر القاهرة القادم في «شعبان» ولكن سبق أن سأل غيري الأمير خالد الفيصل، ماذا لو فشلت «مؤسسة الفكر العربي» فأجاب بسرعة وبقول قاطع: نعيد للأمناء وللأعضاء أموالهم ونبحث عن البدائل!!. تذكرتُ بالمناسبة أنه لا يخلو أي قائد محنَّك من الفشل في بعض المهام الجسيمة، وتذكرت بالذات الملك عبدالعزيز فقلت لسموه: لقد كان لجدك العظيم الملك عبدالعزيز قصة من الفشل ومع الفشل في أول خطوة من استراتيجيته في فتح الرياض. قدم من الكويت بعد ان جاءه العلم الأكيد بأن في منزل ابن جويسر الملاصق لمنزل عجلان أمير الرياض باباً «مردوماً» يؤدي الى عجلان ويمكن نقب الباب بسهولة، فجاء من الكويت على هذا الأساس ولما اقتحم منزل ابن جويسر ودفع الباب المردوم الذي يفضي الى منزل عجلان وجده «يا للأسف» يؤدي الى منزل رجل من أهل الرياض يقال له الصقعبي، والمنزل مهجور قد ارتحل أهله عنه فلم يجد بداً من التماس «البدائل» للدخول الى منزل عجلان، واستطاع مع جماعته بعد تقليب الآراء ان يتسلقوا الجدار الى منزل عجلان حيث تمكنوا من صنع الحبال اللازمة وصار الواحد منهم يثب على كتف الآخر ثم « يا للأسف» لم يجد عجلان، وجد امرأته وجارية، ثم لجأ الى البديل الثالث حيث جعل في سطح البيت رجلاً معروفاً بالرماية يقال له «ابا الخيل العنزي» ورجلاً آخر وامرهما برمي عجلان بالرصاص اذا هو خرج من القصر «قصر المصمك» ولكن لا هذا ولا ذاك قد تمكن من اخذ المكان المناسب للرمي، ثم لجأ الى حيلة فحواها ترك ابن بخيت يفتح الباب لعجلان ويستدير عليه بالخنجر، ولكن هذه أيضاً فشلت ثم اقبل عجلان ولم يتوجه الى داره كما كان متوقعاً بل نكص على عقبيه فلم يجد بُداً من الوثوب اليه ورميه بالرصاص ولكن حتى الرصاصة الوحيدة في بندق الملك عبدالعزيز قد اخطأته، وهرب عجلان فلحق به فرفسه في عانته فوقع مغشياً ودخل القصر ولم يعمل على قفل الباب، وقد صار مشرعاً وكاد ينقفل لولا ابن عجيبان ازلج المجرى في الهواء فلحق ابن جلوي ودخل وطارده حتى قتله. انظر الى الفشل في المرحلة الأولى، وانظر الى الفشل المتلاحق مرحلة بعد مرحلة حتى تراكم وصار يدعو الى الاحباط ولكن كان هناك الفكر النير الذي يختطف البدائل من الهواء، وهكذا دوماً، فإن الأفكار العظيمة تأتي بعد البلايا العظيمة. لقد خسر الأمير خالد في «مجلة الفيصل» وفي «دار الطباعة لدار الفيصل» الملايين المتلاحقة، وخسر في مشروع «مركز الصقور» وخسر في أشياء أخرى ولكن هذه لا تقاس بجانب مشاريعه العبقرية الناجحة. حنا العرب يا مّدعين العروبة يملك الأمير خالد كل مقومات القيادة الناجحة بلا شك، ولكني أزيد فأزعم بأنه يملك موهبة الاختراع لفرع من فروع علم الإدارة او دعني اقول فن الإدارة، وأظنه قد اخترع الآن علم او فن إدارة المفكرين في المآزق الصعبة المحرجة. لقد توفرت لديه الصفات، والظروف، والمجموعة المؤهلة المنتقاة، ووضوح الهدف، وهو في روحه وبدنه يملك القدرات الجسمية والعصبية والدافعية المتصاعدة، والشفافية، والأصدقاء، والخبراء والدراية والعراقة، والقدرة على التعلم والتعليم، هذا عدا عن موهبته الخارقة في اتخاذ القرارات. ماذا بقي؟! لم يبق إلا الإيمان بالله ثم الايمان بالهدف العظيم الذي يسعى اليه، ومن يقرأ أشعار الأمير لا يفوته هذا الايمان العميق بأن هذه الأمة لا بد وان تنهض، انه فخور بنفسه وبأسرته وبأمته وبالأمة العربية وبالأمة الإسلامية، بل هو فخور حتى بالوقت الذي يعيش فيه، ان قصيدته «حنا العرب يامدعين العروبة» نص كاشف لما في شخص خالد من إيمان غير محدود. حنا العرب يا مدعين العروبة وحنّا هل التوحيد وانتم له اجناب وحنا شروق المجد وانتم غروبه وحنا هل التاريخ وانتم له اغراب يوم الفقر شلتم علينا عيوبه واليوم عقب النفط جيتوا لنا أنساب ويوم الفقر فينا البداوة سبوبه واليوم صرتوا مثلنا بدو واعراب لو الهوا منكم منعتوا هبوبه لا شك رزاق الملا رب الأرباب ولو المطر منكم منعتوا صبوبه لا شك رزق الخلق من عند وهاب جيش الحسد سقتوا علينا حروبه كل يبي يزرع على جسمنا ناب حرب على المحسن تراها عقوبه يا الله عساكم ما تفيدون حراب يا ما عطينا ما ندور مثوبه إلا من اللي ما ترجاه ما خاب ويا ما نصرنا صاحب ضيَّعوابه عاداتنا نقدم الى ما لرّدي هاب ويا ما نصانا من تعثر دروبه يدخل حمانا من تعذره الأصحاب حنّا بنينا دارنا من طيوبه وانتم سلبتوا داركم كل ما طاب الله سقانا من بحرنا عذوبه وانهاركم مثل البحر هدر تنساب حنا زرعنا الحب بارض خصوبه وانتم زرعتوا كره الاجيال بتراب وحنا دعينا السلم نوبه ونوبه وانتم حمام السلم بعتوه بتراب يا من دعا للحرب ما ادرك خطوبه لا تحسب ان الحرب تهديد وخطاب من شبْ نار الحرب يصلى شوبه ومن دور الفتنة تعرض للأسباب مايستر الرجال ملبوس ثوبه الدين وافعال الكرامة لها ثياب ما يقبل الرجال بحماه حوبه ما دام له حق وللحق طلاب إن فخره بنفسه، وبأصدقائه، وبأسرته، وبأمته العربية، وبأمته الإسلامية لا حدود له إلا من حيث ينبع الإيمان من كل شريان فيه ليصب في شريان آخر، لينبع ويصب مادام الجديدان كل ينبع ويصب في الآخر.