* جبل طارق يورج فوجيلسنجر سينيكا تارفاينين د.ب.أ: عند الاقتراب بالسيارة قادما من اسبانيا تبدو منطقة جبل طارق كما لو كانت لا وجود لها، فلا توجد أي علامات إرشادية تشير إلى المقاطعة البريطانية المتنازع عليها على امتداد طريق إن 340 السريع وليس هناك أي شيء يكشف عن مدى قرب المستعمرة التي تسببت في توتر العلاقات بين بريطانياواسبانيا لمدة ثلاثة قرون والتي ما يزال مستقبلها معلقا في الميزان. وفي لا لينيا دي لا كونسبسيون آخر مدينة اسبانية قبل الحدود هناك لافتة إعلانية بالية تعلن أخيرا عن أن السائق قارب على دخول «جبل طارق الموطن (الصخري) الهائل». لكن على الحدود تكشف حقيقة النزاع حول جبل طارق عن نفسها بصورة واضحة ومؤلمة: تصطف السيارات الخاصة بسكان جبل طارق وتلك الخاصة بالاسبان في صفوف طويلة تحت وهج الشمس المحرقة ويخضع مسؤولو الجمارك الاسبان المسافرون لاجراءات أمنية طويلة كما لو كانوا يتعمدون مضايقتهم إلى أقصى حد ممكن. ويقول أحد مواطني جبل طارق الذي كان عائدا من رحلة تسوق في الجانب الاسباني من الحدود «أن ما يحدث شيء مقزز لكننا تعودنا عليه» ويقول موضحا «الاشياء أرخص في أسبانيا». وأخيرا يصل المسافر إلى المقاطعة ويتملكه شعور بالرهبة فهي مقاطعة تقدر مساحتها بنحو 615 كيلومتراً مربعاً واقعة على الطرف الجنوبي من أسبانيا تبرز فيها كتلة صخرية تبلغ مساحتها 425 مترا وقد أصبحت مستعمرة للقردة وهي بريطانيا وفي الوقت نفسه ليست بريطانيا و«الصخرة» مكاناً ليس له مثيل في العالم. ويوصف ساكنو جبل طارق بأنهم يرغبون في أن يكونوا بريطانيين أكثر من البريطانيين أنفسهم والمؤشرات الدالة على تلك الرغبة كثيرة. فأفراد الشرطة يرتدون الخوذات العالية التي تميز الشرطة البريطانية كما يرتدي الاطفال الازياء المدرسية على النمط البريطاني وتصطف الطوابير المنظمة أمام محال بيع الاسماك والبطاطس وهي الوجبة الشائعة لمواطني بريطانيا. وهناك حانات وأسواق تجارية بريطانية حيث يتم الدفع بالجنيه الاسترليني بالرغم من أنه يمكن الدفع باليورو أيضا ويصعب العثور على الصحف الاسبانية بينما يذهب بعض الناس إلى حد ارتداء رباط العنق الذي يحمل العلم البريطاني. وللشوارع أسماء إنجليزية مثل مين ستريت لكن الشمس الساطعة وأشجار النخيل توضح أن الزائر في الطرف الاخر من أوروبا. ويتحدث سكان جبل طارق الانجليزية والاسبانية بلكنة خفيفة مماثلة لتلك التي يتحدث بها سكان إقليم الاندلس المجاور. والمواطن العادي يحمل اسما مثل خوسيه أو مانويل وهي أسماء إسبانية أو جون أو بيتر وهي أسماء بريطانية شائعة وقد يكون المواطن من أصول أسبانية أو برتغالية أو مالطية أو إيطالية أو مغربية أو بريطانية. ومنذ اجتياحها من قبل قوة قادتها بريطانيا في 1704 وخضوعها لسيطرة بريطانيا بمقتضى معاهدة اوتريخت في 1713، طورت منطقة جبل طارق هوية خاصة بها وهي هوية تراها الان مهددة أكثر من أي وقت مضي. وكانت أسبانيا دوما تزعم أحقيتها في جبل طارق وباتت قاب قوسين أو أدنى من هدفها بعد بدء جولة جديدة من المباحثات مع بريطانيا العام الماضي. ويبدو أن لندن قد باتت متعبة من المستعمرة الصغيرة التي تعقد علاقاتها مع أسبانيا ومصالحها التجارية مع الاتحاد الاوروبي. وكان هناك حديث عن سيادة مشتركة وبات الاتفاق وشيكا حتى ظهرت العوائق مؤخرا. وأثارت المباحثات غضب أهالي جبل طارق حيث شارك كل السكان البالغ عددهم 30 ألف نسمة في مسيرة احتجاج في آذار «مارس» الماضي وكتب السكان على بعض اللافتات عبارة «نفضل الموت على أن نصبح أسبان». وعبر رئيس الوزراء السابق جو بوسانو عن سخطه قائلا «أسبانيا ليس لديها شيء لتقدمه لنا وليس هناك ما يقنعنا بأن نتخلى عن حقنا الاساسي في أن نكون أسيادا على أرضنا». وتخشى جبل طارق أن تخسر مكانتها كموطن لا تفرض فيه ضرائب كما أن مدريد لم تفعل سوى القليل لاستمالة المنطقة. ويقول مدير صحيفة جبل طارق كرونيكل دومينيك سيرل «لم تفعل أسبانيا في الواقع أي شيء لكسب ثقة سكان جبل طارق»، فقد أغلقت مدريد حدود جبل طارق من 1969 وحتى 1985 واستمرت في تصعيب الحياة على سكان المنطقة عن طريق الحواجز الحدودية وتحديد حركة المرور الجوية والبحرية وفرض قيود على الخطوط الهاتفية. وقال جون مدير أحد محال بيع الاسماك والبطاطس «نحن لا نكره الشعب الاسباني لكننا نشعر بالضيق فعلا من الحكومة التي لا ترغب في التوقف عن الضغط علينا». ويوضح نائب رئيس الوزراء كيث ازوباردي أن جبل طارق تريد أن تصبح منطقة مستقلة فعليا وأن ترتبط بصلات قوية مع بريطانيا. وقال ازوباردي خلال مقابلة صحفية أن جبل طارق قد تنظر في إمكانية أن تحذو حذو أندورا وهي مقاطعة محلية في جبال البرانيس مستقلة كانت تخضع فيما مضى لحكم أسباني وفرنسي مشترك. ولكن أسبانيا ترفض أي صيغة قد تشير ضمنيا إلى حق تقرير المصير في جبل طارق. وقد جعل تعثر المفاوضات حاليا بين مدريدولندن مواطني جبل طارق يشعرون بالراحة خاصة وانه لم يعد هناك أي حديث عن إبرام اتفاق بحلول الصيف كما ظهرت الصعوبات بشكل أكثر وضوحا. فأسبانيا ترفض أن تتخلى نهائيا عن حقها التاريخي في الملكية الكاملة «للصخرة»، وبريطانيا لا ترغب في أن تتقاسم السيطرة على قاعدة جبل طارق البحرية والمطار العسكري اللذين يوفران دعما مهما على مدخل البحر المتوسط. ويدعم المحافظون البريطانيون الدعوات المطالبة بإنهاء المباحثات مع أسبانيا بينما أظهر استطلاع أخير للرأي أن ثلاثة من بين كل أربعة من النواب البريطانيين يعتقدون أن على سكان جبل طارق تقرير مستقبلهم بأنفسهم. وبمقتضى الدستور في جبل طارق، فان الناخبين في المنطقة لهم الكلمة الاخيرة في أي تغيير في سيادة المنطقة. وقد وعدت بريطانيا باستشارة السكان مسبقا من خلال الاستفتاء وهو ما تعارضه أسبانيا. وقال ازوباردي ان حكومة جبل طارق تدرس احتمال إجراء استفتاء خاص بها، وسيكون الاستفتاء فرصة لتوضيح أن السواد الاعظم من أهالي جبل طارق لا يريدون حتى أن يسمعوا أي شيء عن سيادة مشتركة مع أسبانيا.