دأبت منذ عهدي بمقعد المسؤولية الرئيس في التعليم الجامعي، على أن أجد معالي الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي أوَّل المبادرين في أيِّ موقف، ولأيِّ موقف يجده يرتبط بما هو ضمن مسؤوليته المباشرة، فالرجل يتابع بدقة، والرجل يقرأ باهتمام، وهو في حضور دوميٍّ حتى في لحظات أن يكون في سفر، أو في حضر، خلال أيام العمل أو في الإجازات منه، وهذه ليست مجاملة لطيفة لمعاليه، ولست أكتب من فراغ، ولست على مقعد ما، أو أتطلع إليه، وإنَّما هي حقائق عرفتها فيه منذ تعاملت معه داخل الأروقة الأكاديمية، ومن خلال متابعته العزيزة لما أكتب... ما يؤكد ذلك أنَّ معاليه هاتفني أمس الأوَّل في يوم إجازته ليوضح لي هدف الجامعات من إجراء الاختبارات المقنَّنة للقبول فيها بناء على ما قرأه في هذا الحيِّز في عدد يوم الثلاثاء الماضي 24/2 عن الموضوع ذاته، ويركز معاليه على أنَّها جميعها تتمُّ باللغة العربية وهذا محور الهدف من الإيضاح، وأنَّ الدَّافع من ورائها هو الحرص على إتاحة أكبر الفرص، وأوسعها لكلِّ من يطمح في الالتحاق بالجامعات ولم يحقِّق له ذلك مُعدَّله في الثانوية، حيث هي تقيس القدرات التي لم يساعد على إظهارها هذا المعدَّل،... وبأنَّها من جزأين: الأول، لقياس المهارات المعرِفية، والثاني، لقياس المهارات اللُّغوية، وأنَّ محور الأول العلوم الطبيعية، ومحور الثاني الخبرات المعرِفية التي تقيس القدرات اللُّغوية، بما يتيح تقنين الفروق الفردية من خلال قياس القدرات المختلفة بما تشمله محاور هذا الاختبار بحيث يحقِّق بجزئيه الكشف عن «الإمكانات» الخاصة لكلِّ راغب في الدراسة في مدى ما «تحصَّل عليه» من جهة، وفي مدى ما هو «مهيَّاٌ» له من جهة أخرى..، وأنَّ ذلك يُقاس باللُّغة العربية الأم، أمَّا اللُّغة الأجنبية، فإنَّ اختبار تحديد مستوى الطالب فيها يتمُّ بعد القبول، ومن ثمَّ تتاح للطالب المقبول دراسة اللُّغة الأجنبية أو تقويتها فيما إذا التحق ببرنامج دراسي يتطلبها بغرض تطوير مهاراته فيها حسب ما يُحقق من نتائج في اختبار تحديد المستوى فيها. وأنَّ الجامعات جميعها ستتجه في أمر قبولها إلى إجراء اختبارات مماثلة ليس الهدف منها الحدُّ من القبول بل إتاحة القبول الأوسع، وفي هذا ما يحفِّز الدارسين لتحقيق تحصيل مسبق جيد، وشحذ هممهم، نحو صقل مهاراتهم وتدريبهم، وإظهار إمكاناتهم منذ اندراجهم في التعليم ما قبل الجامعة. جاءت هذه المهاتفة من معاليه لإجلاء الغموض الذي وقع فيه القارئ للخبر المنشور في الصحف عن عزم جامعتي أم القرى والملك فيصل على إجراء اختبار مقنَّن للقبول فيهما شقُّه الثاني لتقنين قدرات الطالب اللُّغوية أسوة بجامعة الملك فهد التي عُهدت الدراسة فيها باللُّغة الأجنبية. وأذكر أنَّنا كنّا دوماً نطالب الجامعات حيث نعمل ونُسأل، ومن خلال ما نكتب بضرورة عدم النظر إلى نتائج الدراسة ما قبل الجامعة وجعلها معياراً للقبول فيها، بل جعلها جزءاً من المعيار، وأنَّ تحديد قدرات الراغبين في الدراسة الجامعية إمّا أن يتمَّ عن طرق إجراء «مفاضلات» تحدد «الإمكانات» للدراسة في المستوى الأعلى عند الملتحقين بها وهي التي تتحقق عادة من خلال اختبارات مثل هذه... وكانت لدينا جامعة الملك فهد أنموذجاً، مع اختلاف مجالاتها العلمية المختصة، وإمَّا بفتح باب الدراسة في الفصلين الأول والثاني دون «تخصص» كما هو الحاصل في بعض كليات جامعة الملك سعود، ومن ثمَّ يوجَّه الدارسون حسب نتائج تحصيلهم فيهما إلى التخصص المناسب فيها أو إلى المعاهد المماثلة لتوجهاتهم وقدراتهم، وكان هذا المقترح يتطلب زيادة إتاحة فتح المعاهد المختصة، ونشر التعليم المساعد وتوسيع مجالاته عدداً وفروعاً، وفتح مجالات الدراسة المختلفة في كليات، ومعاهد تدريب، ومعاهد مهنية، ودبلومات ذات تخصصات فرعية تتناسب والكفاءات المختلفة للراغبين في التحصيل، وتدريب وتطوير مهاراتهم فيما يفيدهم من جهة، وفيما يسد حاجات المجتمع من جهة أخرى.. ذلك لأنَّ مبدأ: «الجامعة ليست للجميع» في مفهومه الدقيق كما ينبغي للجامعة أن تكون هو صحيح إجرائياً وليس خطأً. وهذا ما اتجهت له دفَّة التعليم وسياسة التنمية في السنوات الأخيرة... ولعلَّ هذا ما جاءت تؤكده مكالمة معالي الأخ العزيز الدكتور خالد. كذلك جاءت مهاتفته لتؤكد عزمَ التعليم العالي على مراعاة هذه الفروق الطبيعيةَ القائمة من جهة، وعلى السعي العملي لتحقيق الفرص لكلِّ ذي قدرة من جهة أخرى، ضماناً لمنح كلِّ ذي طموح ما يحقق له طموحه. كذلك فإنَّه يطمئننا بأنّ اللُّغة العربية في حصنها الحصين بين أهلها الذي تذود عنه برامج التعليم وأن لا شيء البتَّة سوف يعرضها لأيِّ خدش فهي المعزَّزة الأولى فاطمئنوا.. شكري الجزيل لاتصال معاليه ومشاركته في حوار الأهداف وهي ليست البادرة الأولى التي تنمُّ عن وعي هذا المسؤول وحرصه وحضوره، فلقد تعوّدتُ شخصياً منه ذلك كما عهِده كلُّ من يتعامل معه.. وهي فرصة لتحيَّته.. حفظه اللَّه تعالى ووفقه.