استطلاعات ميدانية.. كتبها وصورها: حمّاد بن حامد السالمي الطائف هذا يوم آخر من أيام التطواف حول قرى وأودية محافظة الطائف؛ نأخذكم فيه إلى بقعة جديدة جميلة من بلادنا؛ إنها بلاد الطلحات، تلك الأودية والجبال والقرى الساكنة التي تقع بين الهدا والشفا؛ أو بين كرا في الهدا ودكا في الشفا، سفوح خضراء أخاذة من بلاد هذيل تجمع بين سحر السراة وفتنة تهامة؛ إلا ان سرها وجمالها وفتنتها كنوز خبيئة، تسترها جبال شاهقة الارتفاع، وطرق جبلية وعرة، تجور حتى على أبناء الطلحات الذين بالكاد يصلون إلى قراهم وهم يمتطون سيارات كبيرة قادرة على التحدي والتعدي، ومقارعة الحجارة المسننة في هذه الطلعة أو تلك النزلة. هيا إذن إلى تفاصيل هذه الرحلة: بحر ميت في الطريق..؟! أخذت طريقي في الصباح؛ ونحن في تمام الشهر السادس الهجري من عام 1422ه وانضم إلي في هذه الرحلة صالح بن محسن الهذلي، وهو من مشايخ الطلحات من هذيل من أهل هذه الديار، فكان خير رفيق ومعين في الكشف والتبيان عن ديار تحتمي بجبال شاهقة متراصة وكأنها تدافع عن أسرارها بهذه المرتفعات الضنينة على مرتاديها. غادرنا الطائف نحو الجنوب الغربي مستلمين طريق الشفا السريع تاركين وراءنا وادي عرضة والعاقد شرقا. وتاركين وادي أمط وقرية المجيزة غرباً ونحن نصعد إلى الحدبان فهذه الحدبان التي كانت عبارة عن شمروخ من حصى متفلتة تحولت إلى متنزه جميل يقصده الناس من كل مكان صيفا وشتاء. بعد ان اجتزنا مرتفع الحدبان، دخلنا في مرتفع أكثر منه علوا، فهو يشرف على وادي شقرى غربا، ووادي السد شرقا. إنه جبل (شقرى) الذي ذلله هذا الطريق السريع، وقد كان صعب المنال وعراً يضرب به المثل يوم ان كان عقبة لاتجتازه السيارات إلا بعد دفع ودف وتفحيط ومشقة كبيرة.. وقبل مغادرة شقرى هذا؛ تذكرت شعراً (ميتاً) ذكره الشيخ الرحالة عاتق بن غيث البلادي (1) يوم ان زار هذه النواحي عام 1392ه فقد عبر عن معاناته من شقرى وأورد بيتين من الشعر على (البحر الميت) ولعله هو قائلهما.. يقول: أشقرى.. شقر الله حصاك بسفلتة تحيل العسر سهلا وتطاك الحناطير سراعا ويعلو ظهرك المصطاف جذلا ثم ها نحن نرى نبوءة البلادي قد تحققت؛ ودعوته قد استجيبت، وبحره الميت قد شق شقرى إلى نصفين من قمته، وبينهما داب أسود سريع يسمونه طريق الطائف الشفا..! الأقيلح وخُماس والقامة هذه أسماء لثلاثة أودية كبيرة إلى الغرب من الشفا. الأول وادي الأقيلح من ديار بني سفيان آل حجة، ومنه نفرق يميناً في طريقنا إلى بلاد الطلحات ورأيت على جانبيه مزارع كثيرة ومساكن ومنها دار للشيخ مرزوق بن جملا يتوسطها حصن حجري قديم وجميل للغاية. وبعد ان سرنا عدة كيلات في اتجاه الغرب عبر وادي الأقيلح والطرق هنا مزفتة ومريحة يأتي وادي خُماس إلى يسارنا من شمالي جبل دكا الشهير. وفي هذا الوادي، تقوم قرى كثيرة وآبار ومزارع تنتج الفواكه والخضار وزهر الورد. وعندما تجولنا هنا شاهدت قرى تاريخية قديمة ، ولكل قرية حصن حجري رائع يتوسطها أو يقع في مرتفع بطرفها، ومن جميل ما صنع ويصنع أهالي هذه القرى، انهم يتركون هذه القرى وحصونها كما هي فلا يتعرضون لها بالهدم والإزالة، فهم يبنون مساكن جديدة بالاسمنت قريبة أو بعيدة من هذه الدور القديمة وتظل الأخيرة على حالها، بما لها من رمز ومعنى يدركه بكل تأكيد أبناء هذا الجيل الذين يحرصون على ان يكون لهم صلة بآبائهم وأجدادهم. وهذا ما لاحظته أيضاً في وادي القامة الذي ننحدر إليه بعد خُماس مغربين، وهو من أهم مسايل وادي وج العليا إلى الجنوب من جبل برد، وأول ما نواجه به في هذا الوادي حقول الورد الخضراء التي تنتظم كافة الجنبات، ويقوم قريباً منها مصانع لتقطير دهن الورد. ثم مساكن ودور متناثرة ومدرسة للبنين يقع غير بعيد عنها؛ دار حديثة للدكتور عبدالله بن محسن الهذلي، عضو مجلس الشورى. نهاية.. وبداية..! النهاية هنا؛ هي نهاية الطريق المعبد المزفت في وادي القامة والبداية؛ هي بداية الطريق الجبلي الوعر للغاية، فأنت إذا أردت ان تصل إلى شفا هذيل مما يلي تهامة، وتقف على قمة جبل الغراب أو قمة جبل (شعار) إذا استطعت الصعود على قدميك؛ ثم تمتع ناظريك بمناظر شعاب تهامة، وسفوح خضراء من حولك، وترى عرفات ومكة والهدا والشفا وغيرها؛ فلابد ان تمتطي سيارة جبارة، لاتهاب الصخور، ولا تستسلم أمام أسنة الحجارة، والشقوق الصلدة. وبعد حوالي 15 كيلا تصبح في مواجهة، شعار والغراب وفدمة.. لكن لا تنسى ان العودة أصعب والنزول أشق من الصعود وأعان الله أهالي شفا هذيل من الجوابرة والسوالمة وآل منيف. الشفا الجديد ان اختراق جبال الطلحات حتى شفا هذيل؛ وهي في الحقيقة بمثابة حصون شامخة لم تجرب بعد، هو انجاز يقودك إلى اكتشاف مثير. فعلى قمم هذه الجبال، وعلى سفوحها وبين وهادها طبيعة خلابة تمتاز بكثافة شجرية يغلب عليها شجر العرعر والطلح والعتم والطباق.. ويوجد بين هذه الجبال هضاب هادئة يغطيها الضباب في شهور الشتاء، وتقترب منها السحب صيفا، وتوفر جواً من المتعة الطبيعية، والزائر لهذه البقعة الجميلة، لا بد ان يتساءل مثلي، لماذا لايكون شفا هذيل؛ هو الشفا الجديد الذي نفتحه أمام المصطافين، ليوفر متنزهاً ومتنفساً جديداً لعشاق الطبيعة العذراء، خاصة بعد ان غصت الشفا بالمباني والمرافق والناس..؟ قرى وجبال وأودية وقفت مع صالح الهذلي على قمة جبل الغراب في مواجهة جبل شعار العملاق واستطعنا تعيين وتحديد قرى في هذه النواحي من مثل قاوة وشُرس والحيط الأسفل والأعلى والرباع ومرتان ومريتين والمحرث والحسباء السفلى والعليا والمبيرك والهدية السفلى والعليا والأصروعة وساق والغريف والمحمدية والمجبة والطريقة والمخاضة والكر وملاعب المشي والمحرق. ومن الأودية هناك وادي الحسباء والحيط والغريف والملاج وقاوة وخُماس والمخاضة. ومن الجبال الكبيرة، هذا جبل الغراب ثم جبل شعار والحمر وساق وفدمة. وجميع هذه الأودية والجبال والقرى تنتظم بقعة تمتد من المحمدية من غربي دكا حتى سهول تهامة وسفوح الهدا شمالاً، ووادي القامة وبرد شرقاً. ورد وعسل ومن مزارع الورد الكثيرة، ومقاري النحل ومناحله العديدة، نعرف جيدا ان سكان بلاد الطلحات على العموم يهتمون بزراعة الورد وتقطيره وبتربية النحل وتسويق العسل، إلى جانب أعمال أخرى مثل الرعي والوظائف وزراعة بعض الخضار والفواكه. مرتان.. قرية في الذاكرة ان من أراد ان يعرف بلاد الطلحات على حقيقتها، فلابد ان يخرج من هذا الطريق المؤدي إلى وادي القامة، ثم ليتجه جنوبا وغرباً عبر مسالك ترابية عسيرة ليصل إلى قرى وادعة، جميلة تقبع في جنبات جبال حانية تعبق شذى روائح الضرم والشذاب والشث والعرعر. من هذه القرى على سبيل المثال قرية (مَرْتان) التي تقع في منحدر إلى الغرب من جبل دكا. ولكنها تعيش في ذاكرة أبنائها الذين يتغنون بجمالها وينتظرون يوما سعيدا مشرقاً، يشق فيه الطريق إليها فيسهل ما كان عسيرا أمامهم. إن قرية (مرتان) هذه، تقع في وادي بهذا الاسم ويحول بينها وبين العالم الجديد اليوم، عقبه الرجيلة، الذي يرى أحد أبنائها، وهو الاستاذ دخيل بن عيضة الطلحي أنها تشكل حجر عثرة دونها مع أنها ذات جو عليل والسحب لا تكاد تفارق قممها صيفا أو شتاء. هموم من بلد الغيوم والاستاذ دخيل بن عيضة الطلحي، معلم في سلك التعليم، وقد رفدني بمعلومات إضافة جمعت عن دياره أشكره عليها؟ لكن المجال لايتسع لأكثر مما أوردت من انطباعات ومشاهدات إضافة إلى استقصاء هموم ابناء القرى والأودية في هذه النواحي مثلما أفاد به الاستاذ دخيل وأهل الطلحات أدرى بطلحها وحاجات قراها.. 1تعبيد الطرق المتفرعة إلى القرى، وخاصة قرية (مرتان) والهدية وشعار والحسباء. 2 إيصال الكهرباء إلى هذه القرى القريبة من الشفا ومن الطريق العام. 3 تقوية شبكة الجوال وإيصال الهاتف الثابت. 4 تزويد القرى بمياه الشرب. نظراً لقلة المياه في الآبار. 5 تطوير الخدمات الصحية في المركز الصحي بالقامة. فهي لا تفي بأبسط حالات الاستطباب. 6 مركز لخدمات المستفيدين والمحتاجين للضمان الاجتماعي، يخدم كبار السن ويحفظ لهم كرامتهم. 7 النظر عاجلا في السماح لسكان القرى بالاستفادة من أراضيهم وبناء مساكن لهم، واستخراج صكوك شرعية تتيح لهم الاستفادة من القروض العقارية. 8 الخدمات البلدية تكاد تكون معدومة، والمخلفات تملأ جوانب الطرق. رواد من بلاد الطلحات لقد انجبت بلاد الطلحات عددا من الرواد الذين كان لهم دور كبير في عجلة التنمية في البلاد وفي هذا الشأن يذكر الاستاذ دخيل بن عيضة الطلحي اسماء بارزة مثل : 1 الاستاذ/ حميد بن حامد غراب الذي ساهم في نشر التعليم في بلاد الطلحات ، فقد أسس مدرسة القامة قبل ان تتحول إلى مدرسة حكومية. 2 الشيخ /سالم بن محسن الهذلي، قاضي محكمة الطائف الذي تقاعد مؤخراً. 3 الدكتور/ عبدالله بن محسن الهذلي عضو مجلس الشورى الذي كان مديرا لتعليم الطائف. 4 الدكتور/ ردة الله بن ردة الطلحي استاذ مشارك في قسم اللغة العربية بجامعة أم القرى. 5 الشاعر/ عبدالله بن علي الطلحي. 6العميد/ مدخل بن دخيل الهذلي. 7 العميد متقاعد/ حامد بن معتوق الطلحي. وغير هؤلاء كثير لا يتسع المجال لذكرهم. هوامش وتعليقات: (1) الرحلة منشورة في مجلة العرب السنة التاسعة والثلاثون، الجزء السابع شعبان 1393ه .