من جميل إسهام التقنية في إثراء الثقافة أن أتاحت هذا الكم الهائل من الأجهزة التي تحمل بين أعطافها - إن أردت- عشرات الآلاف أو قل مئات الآلاف من الكتب، تستدعيها في أي لحظة لتقرأ أو تستشهد أو تتذكر المعلومات والأفكار التي ملأت صفحات الكتب في ذاكرة الأمة والأمم الأخرى. إلا أنني هنا لا أرغب في الاسترسال في شأن الأجهزة الذكية وليس أمرها بخاف على المطلعين، بل سأخصص حديثي عن القارئات الإلكترونية تحديداً، لما فيها من إمكانات ومزايا يحسن بالمثقفين أن يفيدوا منها أو يبقوا منها غير بعيد. والقارئ الإلكتروني هو ذلك الجهاز الذي يعمل بتقنية الحبر الإلكتروني، ليعرض صفحات الكتاب أو المجلة أو غير ذلك وكأنك تتصفح الورق فعلاً، دون إرهاق الإضاءة العالية وانعكاس الضوء من خلال الزجاج، ناهيك عن مزايا تخزين الكتب وتصنيفها بأعداد تنوء بها أرفف المكتبات الخاصة أو العامة، ويمكن للقارئ أن يزيد من حجم الخط أو ينقصه بما يتناسب مع قدرته على القراءة ويقلّل من إرهاق العينين. تصدر شركة (amazon) المشهورة قارئها الإلكتروني الأشهر في هذه الساحة (kindle) منذ ما يزيد على ثلاثة عشر عاماً، بالإضافة لشركات أخرى تصدر هذه القارئات بنفس التقنية مع مزايا تزيد أو تضمر، وقد نشأ في جوار هذه الأجهزة ولخدمتها عدد لا بأس به من الأسواق والمعارض الافتراضية التي تبيع الكتب قديمها وحديثها دون أن يلحقها ما يلحق المعارض الحقيقية من انتهاء المخزون أو صعوبات الشحن أو حتى اضطرار البشرية كلها أن تحجب المعرض لجائحة صحية مثل ما نعيشه اليوم. كما أن بعض المؤسسات الصحفية الغربية تصدر نسخة من صحفها ومجلاتها لتتلاءم مع هذه القارئات وتتيح الاشتراك المدفوع لتصل إلى القارئ فور صدورها اليومي أو الأسبوعي أو الشهري، كما أنها تتيح للقارئ أن يفضل أو يشارك أو ينتقي المقالات التي يقرأها، بما يؤسس لمكتبة صحفية خاصة وأرشيف سهل قريب. إن هذه القارئات بما تحويه من أوعية رقمية تستوعب الكثير من الكتب، وتتيح للقارئ أن يتنقل بين الكتب بصيغ مختلفة، ليعلق أو يحتفظ بنصوص منها أو يشاركها آنياً عبر نواديه الاجتماعية الحقيقة أو الافتراضية لأمر يجعل من المهم الاطلاع على هذه التقنية والإفادة منها والتمتع بمزاياها الثقافية التي تختصر الزمن والجهد وتحمي معلومات القارئ من الضياع وتتيحها بلمح البصر ضمن ملفات نصية يمكن نقلها بالحاسوب بكل سهولة. ومن مميزات هذه الأجهزة أيضاً تلك المزايا الارتباطية التي أشار إليها د. سعيد يقطين في كتابه (النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية) فجهاز (kindle) مثلاً يتيح لك أن تحدد لفظة ما داخل الكتاب ليفتح لك ثلاثة آفاق عجلى، تضيء القراءة وتثري المعلومة، فهناك المعجم اللغوي، والموسوعة الحرة (ويكيبيديا)، والمترجم، وكل أفق من هذه الآفاق يمكن التشعب فيه والانتقال لاستكمال المعلومة والتضلع منها ارتواء وشِبعاً. كما أن بعض الأجهزة المنافسة تتيح للقارئ أن يستعمل القلم لاقتصاص جزء من النص أو إحاطته أو التعليق عليه ضمن صفحات الكتاب تماماً كما يُفعل على طرة الكتاب تقييداً وحفظاً للمنتخبات والعبارات العميقة الدالة أو الأبيات الشعرية المستلذّة، وتلكم ميزة أخرى يمكنها أن تفتح آفاقاً كبيرة للمثقفين لا يمكن حصرها. لقد نما في هذا الحيز الجديد من المعرفة أو خادمات المعرفة والثقافة مجتمع شبابي مشرف، من يطلع عليه يلمس رغبة جادة في الثقافة وفق ممكنات التقنية الحديثة، ويقف نفسه لخدمة هذه القارئات وتذليل الصعوبات التي تواجه المستعمل الجديد، ويقوم بشرح وجلب التطبيقات المساعدة، ويقدم المشورة ويتيح الكتب التراثية ليتيسر الاطلاع عليها عبر هذه الأجهزة المريحة للعين المعقولة الثمن، لاسيما ونحن نعيش في لحظات متفردة، اضطررنا فيها للبقاء في المنازل وتباطأ فيها اقتناء الكتب بعد إلغاء المعارض وتوقف الطباعة الجديدة أو قلتها، كما أن المنازل الحديثة للأجيال الحديثة لا يمكنها أن تمنح الكتب مساحة مفتوحة لصغر المساحة. ولا أريد أن أزين هذا الوعاء وكأنه الحلم الذي لا منغصات فيه، ففيه ما في التقنية من الاتكاء على الإنترنت والحصول على الكتاب من خلاله مما قد لا يتاح في كل وقت، كما أنها أجهزة محدودة العمر الافتراضي وتصلح للقراءة الموسعة دون القراءة البحثية التي تبحث عن الشواهد وتصنفها لتبني منها ناتجا بحثيا أو تأليف الكتب. كما أن من المهم للإفادة من هذه الأجهزة أن يبني القارئ في حاسوبه أو حسابه عبر الإنترنت مكتبة تحتفظ بالمقروء والمنتخبات خشية أن يصاب الجهاز بالعطب في أي لحظة، ولتسهيل الانتقال وتحديث الجهاز بعد مدة من الزمن، وأعكف حاليا على كتابة تقرير مختصر حول هذه القارئات يضم أبرز المزايا والعيوب والأنواع عله ينشر قريبا في وسائل التواصل ا لاجتماعي. ** **