في البكيرية ومن بيت شيخ صالح، القاضي محمد صالح الخزيم، بدت قصة الشاب الفياض أخلاقًا وابتسامة ولطفًا وسماحة، ومن معين شيخ يحكم بين الناس بكتاب الله وسنّة سيد المرسلين استسقى علوم الشريعة دروسًا تربوية يومية حتى اشتد عوده على أصالة قيم ومبادئ وعادات أسرة امتازت باحترام التقاليد. فكان تطلعه كبيرًا ومنهجه قويمًا شد الوثاق فجلس في مجالس الصالحين والمعلمين موقرًا ومتقدًا ومستقبلاً متحفزًا مستقيمًا، حتى أخذ علمًا وفيرًا فأصبح معلمًا مهابًا لطيفًا مجابًا محبوبًا مثار إعجاب، يعامل طلابه بإخلاص الصادقين حتى ترك فيهم ذكريات يذكرونها كل حين، جلية مثله عندما يتهندم في البياض ويشع وجهه بابتسامة المرحبين، وما كنت هناك ولكني سمعت هذا مباشرة من تلاميذه الذين رغم بياض لحاهم وتغير قواهم ما زالوا يذكرونه فيحمدون مسلكه وتعامله وتهندمه وتبسمه وتفرده. ومن معلم في مدرسة العزيزية بالبكيرية، إلى المزاحمية ثم إلى الرياض يخدم التعليم في أماكن مختلفة ويقدم جهده بكرم، فلا يمر بمكان إلا كان له أثر طيب، وهو الطيب الذي تطيب النفس بلقائه وتطيب الذاكره بحفظ خصاله ويطيب العمر أن مر به. وقد أدركته في مجلس أخي الكريم المضياف على سنوات على كبر في سنه، فكان أبو أحمد، الكبير فينا سيرة ومسيرة، والوفير لطفًا، والعظيم أدبًا، العزيز الذي نجله والمحبوب الذي ننتظره، فهو من يجعل للمجلس أن حضر جمالاً بحكمته وسماحته ومن يضفي عليه سعادة تبهج الحاضرين، تفرح الأرواح بلقائه وتتبسم الوجوه بدخوله، فهو الذي يؤمن بأن لكل مقام مقالاً وهو الوقور الوجيه الذي تجده في مناسبات ذوي القربي والأصدقاء حاضرًا مستجيبًا للدعوة ملتزمًا بالسنة. وما زاده العمر إلا وقارًا وحكمة وتواضعًا وحسن معشر، مر بالديار فعرفها ومر بالرجال فسبرها ومر بالمواقف الصعبة فما أخذ منها إلا ما ينفعه في دينه ودنياه، فلم يكن شكاءً ولا متذمرًا ولا متشائمًا، يبعث الأمل، يضفي السعادة يشعرك بأن الحياة أكبر من تلك الأشياء التي حدثت فآلمت، فوض أمره إلى لله ومضى شاكرًا حامدًا. صاحب السيرة الطويلة الجميلة التي لا تختصر في مقال رثاء.. فطبت يا ابن العم وطاب مقامك عند مجزل العطاء ورفع الله منزلتك مع الأنبياء والصالحين. وبارك لك في عقبك الطيبين البارين أبناءك وأحفادك وزوجك وأعظم أجرهم في فقدك العظيم، وأعظم الله أجرنا وأجر تلاميذك وجيرانك وأصدقائك ومحبيك و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. وإنا على فراقك لمحزونون وما نقول إلا ما يرضي ربنا والحمد لله رب العالمين. ** **