كشفت قضايا الفساد المالي والإداري، وقضايا التستر وما انضوى تحتها من غش تجاري ورِشَى عن الكثير من التجاوزات المالية التي تُصنف ضمن عمليات غسل الأموال المُحرمة شرعًا وقانونًا. وعلى الرغم من العدد اللافت لقضايا الفساد بأنواعها، إلا أن ربطها بجرائم غسل الأموال كان محدودًا. خلال الأيام الماضية أصدرت «إحدى المحاكم السعودية» حكمًا ابتدائيًا بسجن 17 شخصًا «لتورطهم في تشكيل عصابة لغسل الأموال، إضافة إلى سجن موظفين حكوميين قدموا لهم المساعدة». من المهم الإعلان عن هذه القضية بتفاصيلها، إلا أن حجم الأموال المضبوطة تعد قطرة في بحر التستر، الغش التجاري، تحويل الأموال من خارج القطاع المصرفي، الرشى وتجارة المخدرات. ترتبط جرائم الفساد بأنواعها بروابط وثيقة وتداخلات معقدة لعمليات غسل الأموال. فالعوائد المتأتية من تلك الجرائم وتعاقداتها المالية ما هي إلا ركن أصيل من أركان الجريمة المالية المحرمة شرعًا وقانونًا. وعلى الرغم من وجود قضايا متنوعة لجرائم غسل الأموال؛ إلا أن الإعلان عنها لم يصل بعد حد الشفافية المطلوبة؛ بل أزعم أن التسريبات المرتبطة بها؛ تأتي غالبًا من اجتهادات صحفية؛ لا بيانات رسمية، مع بعض الاستثناءات. إحصائيات قضايا غسل الأموال المباشرة اوتلك المرتبطة بجرائم الفساد المالي والإداري ما زالت من الأسرار المغيبة عن الإعلام؛ لأسباب غير معروفة، واستثني من ذلك ملف الفساد المالي الذي باشرته الهيئة العليا لمحاربة الفساد، وتعاملت معه بشفافية غير مسبوقة. يفترض ألا يرتبط تشكيل قضايا غسل الأموال بجرائم تبييض الأموال المباشرة، بل يجب أن تكون حاضرة في أغلبية قضايا الفساد ومخالفة القوانين التي ينتج عنها إيرادات مالية غير مشروعة، وبالتالي يكون إدخالها في النظام المالي جزءًا من الجرائم المالية الكبرى. كما يفترض أن تحظى بتغطيات إعلامية مكثفة لتوعية العامة بالجرائم المالية التي يتهاون البعض بها، وينخرط البعض الآخر فيها دون إدراك لإنعكاساتها القانونية. أزعم أن جرائم التستر المنتشرة في القطاع التجاري هي أحد أهم قنوات تغذية جرائم غسل الأموال محليًا. يعتقد البعض أن قضايا التستر باتت مرتبطة بشكل رئيس بالقطاعات التجارية. والحقيقة أن القطاع الصناعي لا يخلو من عمليات تستر منظمة توشك أن تطبق عليه وتحرم السعوديين من فرص الاستثمارات الصناعية وبخاصة؛ ملاك المنشآت الصغيرة والمتوسطة. تجد مافيا التستر الدعم اللوجيستي والتعاون من مسؤولين في بعض الشركات الكبرى الذين يسهلون لهم الحصول على عقود صناعية بمئات الملايين سنويًا. تقاطع المصالح واستغلال المناصب يزيد من عمق منظومة التستر الرائجة في القطاعين التجاري والصناعي. قضايا غسل الأموال الأحادية المرتبطة بالتدفقات المالية المحلية والخارجية؛ والقضايا المركبة المرتبطة بجرائم أخرى كالتستر؛ تجارة المخدرات؛ الرشى؛ وغيرها؛ في حاجة ماسة إلى تخصص أكبر؛ ومنظومة رقابية مشددة؛ وتغطيات إعلامية شفافة تسهم في تجفيف منابعها، وتوعية المواطنين والمقيمين بمخاطرها وتبعاتها القانونية.