افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- أمس أعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع. ولدى وصول خادم الحرمين الشريفين كان في استقباله -أيده الله- صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الرياض، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، وسماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، ومعالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ، وكبار المسؤولين في مجلس الشورى، ورؤساء اللجان. وفور وصول خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله- عُزف السلام الملكي. وبعد أن أخذ خادم الحرمين الشريفين مكانه في المنصة الرئيسة افتُتحت أعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى بتلاوة آيات من القرآن الكريم. عقب ذلك ألقى معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ كلمة، رحب فيها بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظهما الله-، والحضور، وقال معاليه: «أرحب بكم في مستهل عام جديد من دورة مجلس الشورى السابعة ضمن مسيرة المجلس التي ابتدأت منذ عهد تأسيس البلاد على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله - حين جعل منهج الشورى إحدى الدعائم التي يقوم عليها بنيان هذه الدولة المباركة. وما زالت هذه المسيرة متألقة في سماء الوطن، يواكبها تطوير وتحديث، ينبثقان من توجيهات القيادة الحكيمة وعنايتها من أجل تحقيق آمال المواطنين وتطلعاتهم». وأضاف: شرف الله هذه البلاد المباركة بكونها قِبلة للمسلمين، ومهوى أفئدتهم.. وشهد الجميع لقادة البلاد منذ تأسيسها إلى اليوم بقيامهم بأداء واجب خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة على أكمل وجه، وقيامهم أيضًا بما ييسر للحجاج والمعتمرين والزائرين مقاصدهم بكل راحة وأمن واطمئنان. وإن برنامج «ضيوف الرحمن» الذي هو أحد برامج رؤية المملكة (2030) الطموحة لخير شاهد على حرص المملكة بقيادة مقامكم الكريم على هذا النهج المبارك تجاه الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وقاصديها، والعمل بكل جد لتوفير السبل والوسائل الكفيلة بنجاح مواسم الحج والعمرة. وتابع معاليه يقول: تشهد المملكة في عهدكم الزاهر قفزة نوعية في مختلف المجالات، من أهمها مجال التنمية الذي حظي بقدر وافر من المشاريع والخدمات. وإن برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية سيحقق للمملكة -بإذن الله- ريادة في جميع هذه المجالات، وسيوفر كثيرًا من الوظائف المرموقة للكوادر الوطنية. وتعد مدينة الملك سلمان للطاقة «سبارك» التي تفضل بوضع حجر أساسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع أحد المشاريع المستقبلية الكبيرة الرامية للنهوض بالاقتصاد الوطني، وتعزيز مكانة المملكة، بصفتها مركزًا إقليميًّا وعالميًّا للطاقة. واستطرد معالي رئيس مجلس الشورى قائلاً: وتمتد عنايتكم -حفظكم الله- بالوطن إلى جوانب أخرى؛ فها هو المجال التراثي والتاريخي يحظى بنصيب وافر من اهتمامكم ورعايتكم. ومن شواهد العناية مشروع تطوير حي الطريف التاريخي الذي سيجعل هذا الحي التاريخي أحد أهم المراكز الثقافية والتراثية العالمية. وكذلك مشروع «رؤية العلاء» الذي يهدف إلى تطوير منطقة العلاء، ويحتضن العديد من المواقع الأثرية القديمة؛ لتتحول إلى وجهة تراثية عالمية، مع الإبقاء على طابعها التراثي والطبيعي. وأضاف: في جانب آخر من هذه الاهتمامات الشاملة جاء توجيهكم الكريم بتحويل «هيئة تطوير مدينة الرياض» إلى هيئة ملكية باسم «الهيئة الملكية لمدينة الرياض»؛ لتكون أنموذجًا حيًّا من نماذج العناية بتطوير المدن. وقال معالي رئيس مجلس الشورى: تتبوأ المملكة مكانة كبيرة على المستوى الدولي، أسهمت في تعزيز دورها، وتنامي حضورها السياسي. وتجلت مشاركة المملكة في النشاط والحراك الدولي في صور شتى، منها المشاركة في أعمال قمتَي قادة مجموعة العشرين اللتين عُقدتا في الأرجنتين واليابان، ورأس وفد المملكة فيها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع. وأضاف: وقد جسدت هاتان المشاركتان الدور الفعال والمؤثر للمملكة في منظومة الاقتصاد العالمي، وبادرت المملكة خلال شهر رمضان الماضي إلى استضافة ثلاث قمم في مكةالمكرمة، منها قمتان طارئتان، هما القمة الخليجية والقمة العربية، والقمة العادية لمنظمة التعاون الإسلامي، التي شددت على سعي المملكة الدؤوب إلى وحدة الصف، والتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة في كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة بعد تصرفات النظام الإيراني العدوانية الرامية إلى إثارة القلاقل والفتن. كما أن عقد هذه القمم الثلاث جاء ليترجم رسالة المملكة الرامية إلى اجتماع كلمة المسلمين، وتوحيد صفهم.. وتقف المملكة دومًا إلى جانب الأشقاء للتخفيف عنهم حال الأزمات والكوارث، ومن ذلك وقوفها إلى جانب الشعب السوداني من خلال تقديم حزم المساعدات؛ وذلك للإسهام في رفع المعاناة عنه لتجاوز ظروفه، وتحقيق الاستقرار في ربوعه. وباركت المملكة الاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه الأطراف السودانية، الرامي إلى تحقيق مصلحة السودان الشقيق، والمحافظة على أمنه واستقراره، وتحقيق تطلعات الشعب السوداني. وتابع معالي رئيس مجلس الشورى: وفي اليمن الشقيق تواصل المملكة قيادة التحالف العربي من أجل أن تستعيد الشرعية اليمنية سلطتها ودورها، ومن أجل بسط الأمن والاستقرار في ربوع اليمن، ودحر المليشيات الحوثية الانقلابية، مع دعوة الإخوة اليمنيين إلى التحلي بروح الأُخوة، ونبذ الفرقة والانقسام، إلى جانب توجيهاتكم المستمرة بتقديم الدعم الإغاثي والإنساني للشعب اليمني الشقيق، وانتشاله من الوضع الذي تسببت فيه المليشيات الانقلابية بخرقها المبادرات الإنسانية، وعرقلتها الجهود المبذولة لمعالجة الوضع هناك. واستطرد معاليه قائلاً: جاء التوقيع على وثيقة اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بجهود من مقامكم الكريم وسمو ولي العهد الأمين كخطوة مهمة في سبيل جمع الكلمة بين الأشقاء في اليمن، وليؤكد مساعي المملكة في تحقيق الأمن والاستقرار لهذا البلد الشقيق. وأردف: ولطالما شددت المملكة على موقفها حيال قضية العرب والمسلمين الأولى، وطالبت بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وأعلنت رفضها وإدانتها كل محاولات التهديد بفرض سياسات من شأنها انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، ودعت إلى السلام من خلال تفعيل المبادرة العربية. وأكد معالي الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ أن مجلس الشورى يستمر في أداء مهامه الوطنية المنوطة به في تقديم الرأي والمشورة مواكبًا تطلعات القيادة الرشيدة لتحقيق طموحات المواطنين.. مبينًا أن جدول أعمال المجلس خلال العام المنصرم كان حافلاً بدراسة العديد من الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات ومذكرات التفاهم، ومناقشة التقارير المرفوعة من الوزارات والأجهزة الحكومية؛ إذ درس (ستين) موضوعًا تتعلق بالأنظمة واللوائح، (ومائة وسبع عشرة) اتفاقية معاهدة ومذكرة تفاهم، وناقش (خمسة وثمانين) تقريرًا للوزارات والأجهزة الحكومية، وتواصلت اجتماعات لجان المجلس المتخصصة بالمسؤولين المعنيين في الوزارات والجهات المختلفة لاستقصاء جوانب الموضوعات محل الدراسة، ولإثراء مناقشات المجلس وقراراته. وأفاد معاليه بأن المجلس يولي العرائض الواردة اهتمامًا كبيرًا؛ إذ تشكل هذه العرائض رافدًا من روافد التواصل بين المجلس والمواطنين، ونافذة للاطلاع على مقترحاتهم، والوقوف على احتياجاتهم، إلى جانب مواكبة المجلس التقنية من خلال تخصيص منصات رسمية للمجلس في وسائل التواصل الاجتماعي، والتفاعل مع ما يطرح فيها من أفكار. وأضاف: يواصل مجلس الشورى جهوده عبر الدبلوماسية البرلمانية من خلال عضويته في العديد من الاتحادات البرلمانية الإقليمية والعالمية؛ إذ يسهم بشكل فعال في المؤتمرات والمنتديات البرلمانية من خلال الزيارات المتبادلة وزيارات لجان الصداقة في التعريف بالمنجزات الحضارية والتنموية للمملكة، والتصدي لكل محاولات التشويه، والنيل من سمعة هذه البلاد ومكانتها وجهودها. ورفع معاليه في ختام كلمته الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- على ما يحظى به مجلس الشورى من رعاية واهتمام؛ كان لهما الأثر الكبير في مسيرته وأدائه. كما شكر معاليه جميع الأعضاء والعاملين في مجلس الشورى على جهودهم، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يديم على هذه البلاد المباركة نعمة الإيمان والأمن والاستقرار، إنه سميع مجيب. إثر ذلك ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الخطاب الملكي السنوي فيما يلي نصه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله القائل في كتابه الكريم {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. الإخوة والأخوات أعضاء مجلس الشورى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يسرنا افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى سائلين المولى عز وجل أن يجعل أعمالنا دومًا خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفقنا في خدمة ديننا الحنيف وشعبنا العزيز. وإننا لنحمد الله على ما تحقق من إنجازات تنموية ضخمة في العقود الماضية، والمملكة -بعون الله- مستمرة في طريقها لتحقيق المزيد من الإنجازات عبر رؤية 2030، ولتحقيق ذلك قامت المملكة ببذل جهود كبيرة في تسهيل ممارسة الأعمال، وقد تم تصنيف المملكة هذا العام من قبل البنك الدولي كأكثر الدول تقدماً والأولى إصلاحاً من بين (190) دولة في العالم، مما يعكس تصميم دولتكم بكامل سلطاتها ومؤسساتها على المضي قدمًا في تنفيذ برامجها الإصلاحية، لرفع تنافسية المملكة للوصول بها إلى مصاف الدول العشر الأكثر تحفيزاً للأعمال في العالم، وهي ماضية -بعون الله ثم بعزم مواطنيها ومواطناتها الذين هم فخرنا وأغلى ثرواتنا- إلى تحقيق طموحات لا حدود لها. أيها الإخوة والأخوات إن إعلان المملكة عن طرح جزء من أسهم أرامكو السعودية للاكتتاب العام سيتيح للمستثمرين المساهمة في هذه الشركة الرائدة على مستوى العالم، وسيحدث نقلة نوعية في تعزيز حجم السوق المالية السعودية لتكون في مصاف الأسواق العالمية، وسيعزز من الشفافية ومنظومة الحوكمة في الشركة بما يتماشى مع المعايير الدولية، وستوجه عائدات البيع الناتجة عن الطرح لصندوق الاستثمارات العامة لاستهداف قطاعات استثمارية واعدة داخل المملكة وخارجها. ويأتي فتح قطاع السياحة وبدء العمل في إصدار التأشيرة السياحية تحقيقاً لأهداف رؤية المملكة 2030، كأحد محفزات النمو الاقتصادي لجذب وتنويع الاستثمارات في هذا القطاع الواعد الذي يوفر فرصاً وظيفية كبيرة، وجسراً ثقافياً للتواصل مع العالم ليشاركنا تراثنا الغني ومعالمنا الحضارية. ونشيد هنا بتعامل شعبنا السعودي الكريم مع الوافدين من السياح والمقيمين الذي يستند إلى مبادئنا وتقاليدنا الراسخة التي تعد نهجاً تتوارثه الأجيال. أيها المجلس الموقر.. لقد أثبتت دولتنا في كل الظروف على مدار الثلاثمائة عام الماضية أنها قادرة على تجاوز التحديات كافة بعزم وإصرار، والخروج منها منتصرة دائمًا بحمد الله وفضله. وإن ما تعرضت له المملكة من اعتداءات ب(286) صاروخًا باليستيًّا، و(289) طائرة بدون طيار، بشكل لم تشهد له مثيلاً أي دولة أخرى، لم يؤثر في مسيرة المملكة التنموية، ولا في حياة مواطنيها والمقيمين فيها. والفضل بعد الله يعود لمنسوبي قطاعاتنا العسكرية والأمنية الذين يسهرون على أمن هذا الوطن، وبما يقومون به من الذود عنه. ونفخر بشهداء الواجب -رحمهم الله- والمصابين الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية من أجل العقيدة والوطن، ونؤكد أن أسرهم ستظل دومًا موضع رعايتنا واهتمامنا. ولقد أظهرت الاعتداءات التخريبية على منشآتنا النفطية في بقيق وخريص، التي استُخدمت فيها الأسلحة الإيرانية، مستوى الإحباط الذي وصل إليه النظام الإيراني؛ وهو ما جعل العالم يتوحد في مواجهة هذا العدوان الإجرامي. ولقد نجحنا بتوفيق من الله، ثم بسواعد أبنائنا، في استعادة الطاقة الإنتاجية بهذه المنشآت خلال وقت قياسي؛ وهو ما أثبت للعالم قدرة المملكة على تلبية الطلب عند حدوث أي نقص في الإمدادات، ودورها الرائد في ضمان أمن واستقرار إمدادات الطاقة العالمية. وفي اليمن أثمرت -ولله الحمد- جهود المملكة توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي نأمل أن يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع للوصول إلى حل سياسي للأزمة وفقًا للمرجعيات الثلاث، ويتيح للشعب اليمني العزيز استشراف مستقبل، يسود فيه الأمن والاستقرار والتنمية. كما يحق لنا أن نفخر بنجاح بلادنا في القضاء على مظاهر التطرف بعد أن تم مواجهة وحصار الفكر المتطرف بكل الوسائل؛ ليعود الاعتدال والوسطية سمة تميز المجتمع السعودي. أيها الإخوة والأخوات.. إن رئاسة المملكة مجموعة العشرين بدءًا من الشهر القادم دليل على الدور المهم للمملكة في الاقتصاد العالمي، ونأمل أن يسهم البرنامج الطموح الذي وجهنا بإعداده خلال تولي المملكة رئاسة المجموعة في تعزيز مسيرتها بما يخدم مصالح الدول والشعوب كافة. وفي الختام يحق لنا ونحن ننظر إلى المسيرة الخيّرة لوطننا أن نفخر بما تحقق له -ولله الحمد- من منجزات، نباهي بها بين الأوطان، تمت بعزم شبابنا وشاباتنا، وهم يمضون في طريقهم إلى المستقبل بكل ثقة مسلحين بعقيدتهم الإسلامية السمحاء، وشيمهم العربية الأصيلة، والعلوم والمعارف التي نهلوا منها لمواصلة مسيرة البناء والازدهار. وفي الخطاب الموزع عليكم عرضٌ مفصَّل للسياسة الداخلية والخارجية للمملكة. نشكر لمجلس الشورى جهوده وعمله المستمر، راجين من الله أن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه، إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.