انتفاضتا العراقولبنان قد تنجح وقد يتأجل نجاحهما بعض الوقت، غير أن الأمر الذي ارتقى من كونه مجرد نظرية إلى الحقيقة مؤداه أن الأنظمة في ظل المجتمعات التي يمزق لحمتها التشظي الطائفي محكوم عليها من البدء بالفشل. وهذه إحدى قناعاتي الراسخة التي سبق وأن كتبت عنها وقلتها مراراً وتكراراً أن من يحاول أن يدعو للحلول الديمقراطية في مجتمعات تتجاذبها التشرذمات الحزبية والطائفية كمن يضع العربة أمام الحصان. وفي تقديري أن كثيراً من مسيسي العالم العربي يدركون ذلك، لكنهم (يغالطون) وهدفهم القفز إلى التحكم في السلطة باستقدام الفكرة الجاذبة للجماهير وهي الديمقراطية، ولسان حالهم يقول بعد الوصول إلى السلطة لكل حادثة حديث. انتفاضتا العراقولبنان تعتبران على درجة من الفشل بل والبشاعة مما يجعلنا نتوقف كثيرا عند تبعاتها؛ وأول هذه التبعات التي لا يمكن إخفاؤها أن فرض النظم الديمقراطية في بيئات ليست جاهزة للتعامل مع الديمقراطية ستؤدي بتلك المجتمعات إلى مستنقعات متعفنة من الفساد الإداري والمالي منقطع النظير وسيجد الفاسدون المتنفذون ألف طريقة وطريقة لإخفاء سرقاتهم واختلاساتهم، بل هناك أنظمة بنكية في خارج محيط حيزهم الجغرافي يجعل هذه الأموال المختلسة في حرز أمين، لا يستطيع أن يصل إليه كائن من كان، فاللبنانيون وكذلك العراقيون الذين جعلوا على رأس أولوياتهم استرداد الأموال المنهوبة يعلمون من حيث البدء أن وجود آلية تمكنهم من تحقيق هذه الغاية هي ضرب من ضروب المستحيل وهذا ما جعل أساطين الفساد في لبنان يرحبون، بل ويسعون، إلى إصدار قانون محلي يلزم البنوك برفع السرية المصرفية عن حساباتهم، لأنهم سبق واحتاطوا لمثل هذه القوانين بالشكل الذي يجعل ثرواتهم بعيدة عن سلطة الداخل اللبناني. وما ينطبق على فاسدي لبنان ينطبق أيضا على لصوص العراق الذين يحمون أنفسهم بالحصانة الطائفية التي تجعل المتخلفين من أتباعهم في بلدانهم يمثلون لهم حصنا منيعا عند الاقتراب من التحقيق في ثرواتهم. الأمر الآخر الذي يشترك فيه لصوص العراق وكذلك لصوص لبنان أنهم يحظون بحماية دولة الولي الفقيه في إيران، لأسباب عديدة أولها ولعله أهمها أن نظام ولاية الفقيه في إيران ومعه الحرس الثوري ينخر فيه الفساد والسرقات والمحسوبيات من رأسه حتى أخمص قدميه، وثانيها أن انتشار الفساد وتفشي الرشوات يجعل هذا النظام أسهل وبكثير مما لو كان نظاما منضبطا ومن الصعوبة اختراقه، لذلك فسلطات الولي الفقيه جعلت من تفشي الفساد بمثابة الوسيلة التي من خلالها يتم اختراق من في يدهم القرار، ويرغمونهم على تنفيذ أجنداتهم، حتى وإن كانوا يعرفون أن أعمالا كهذه تمس سيادة واستقلال دولهم التي أقسموا على صيانتها. وإذا كانت التنمية والتحضر معيارا للتقدم فلك أن تقارن بين الدول التي لا تدعي الديمقراطية مع تلك الدول التي تتباهى بالديمقراطية، أين وصل نمو تلك الدول غير الديمقراطية وأين وصلت الدول التي يقولون إنها ديمقراطية، والسبب الأول والذي يتجاوزه الكثيرون أن (الديمقراطية) في البيئات غير الديمقراطية هي بمثابة القنبلة المعرضة في أي وقت للانفجار. إلى اللقاء