رواية (الحارس في حقل الشوفان) للكاتب الأمريكي ج.د. سالينجر.. من الأعمال الإبداعية الخالدة التي لا تنسى.. والتي يصعب تذكرها أيضاً! في مفارقة غريبة.. تشبه -إلى حد كبير سيرة حياة الكاتب نفسه- الذي مات عام 2010 عن عمر يناهز 91 عامًا. أما روايته الشهيرة التي نتحدث عنها فقد صدرت في عام 1951 وقرأت من نحو ثلاثين مليون شاب ومراهق حول العالم.. وأصبحت الكتاب الأشهر الذي تداوله المراهقون ولعب دورًا كبيرًا في حركات التمرد والصرعات والحركات الجديدة.. ومنذ سنوات قليلة قدم الممثل الشهير (ميل جبسون) بمشاركة الشهيرة أيضًا (جوليا روبرتس) فيلمًا عن (المؤامرة الكاملة) وكان بطل الفيلم يحمل أينما ذهب نسخة من رواية الحارس في حقل الشوفان.. ويشتري أية نسخة يجدها.. أما كاتبها (سالينجر) فقد توقف عن الكتابة والنشر في عام 1965 واعتزل الناس والحياة العامة منذ ذلك التاريخ.. ولم يظهر سوى في مناسبات قليلة جداً كانت للدفاع عن ما كتب، حيث رفض تحويل روايته لعمل سينمائي.. ورفض وضعها كمادة للمدارس الثانوية ومضى في سعيه لمحاربة كل من حاول كتابة سيرته الذاتية.. وقيل إنه صرح لأحد (الصحفيين) بأنه وصل في كتابة سيرته الذاتية إلى كتابه نحو ألف صفحة ولا أدري هل هذا صحيح وهل نشرت؟! لأننا نحن قراء العربية نكون -دائمًا آخر من يعلم- وللتأكيد على هذه الحقيقة نقول إن رواية سالينجر لم تترجم للعربية إلا في عام 1978 عن طريق الروائي الأردني المرحوم (غالب هلسا) وتمت ترجمتها في بغداد. والطريف أن غالب كان يعمل في وزارة الثقافة العراقية لكنها رفضت نشر الرواية بحجج رقابية وأجازت نشرها في كتاب طبع في طبعة فقيرة و-قرأتها هناك- وقد كتب لها مقدمة قصيرة قال فيها: (كثيرًا ما تقارن هذه الرواية برواية جيمس جويس (يوليسيس) لأن الروايتين من العلامات المهمة للتحولات التي طرأت على الكتابة في الغرب وتعتبر نموذجًا للكتابات التي عرفت فيما بعد بكتابات الغاضبين وقد عبر جيل الرفض عن تبنيه لهذه الرواية رافعًا شعار (كلنا هولدن كولفيلد) بطل الرواية). ثم لمتظاهر الرواية في طبعة لائقة وتنتشر الأبعد وفاة مترجمها. تتحدث الرواية بلسان فتي في السادسة عشر من عمره.. حين يقرّر أن لا يعود إلى عائلته في ليلة (عيد الميلاد) ويفضل قضاء تلك الليلة متسكعًا في مدينة نيويورك على أن يبلغ والديه بخبر (طرده) من آخر مدرسة طرد منها في اليوم التالي.. وخلال تلك الليلة يكتشف حجم الزيف في عالم (الكبار) ولا يلتقي سوى بأخته الصغيرة (عشر سنوات) ويرى أن الزيف يزحف حثيثًا نحو عالمها وعندما تسأله عمَّا يحب يتمحور حلمه حول رغبته في أن يجمع الأطفال في (حقل شوفان) ويتركهم يلعبون هناك ويحول دونهم والوصول لعالم الكبار.. أي -بمعنى ما- يجعلهم أطفالاً دائمين لا يكبرون مطلقًا ولا يصلون لزيف عالم الكبار. تنتهي الرواية عند هذا الحد.. لتشتعل كاللهيب بين صفوف المراهقين.. وتوزع رقمًا قياسيًا لم تسجله أية رواية عالمية أخرى.. قصة الآخرين التي ترجمت للعربية فيما بعد لم تكن لتخلو من عالم المراهقين.. أما القول الذي بدأت به (رواية خالدة لا تنسي ويصعب تذكرها أيضاً) فيعود لأن هذا العمل المهم أحداثه بعيدة - جملة وتفصيلاً - عن الموضوعات التي تغري الكاتب والقارئ معًا، حيث إن الروايات التي أثارت وتثير اهتمامنا ونتذكّرها بسرعة كبيرة هي تلك الأعمال التي تناولت الهموم الإنسانية ذات الفضاء الأبعد بين همومنا وقضايانا..إضافة إلى أننا نمر بتلك الفترة العمرية التي تناولتها رواية سالينجر مرة واحدة في العمر ويبقي فضاء همومنا يكبر مهنا ويعرضنا علي تناولك والبحث فيه حتى نهاية العمر... ربما.