- السيد محسن باروم رجل ذو نسب شريف، صدقت أعماله ومآثره كرم أرومته وطيب منبته، رجل معجب بالتميز والنبوغ، مسكون بمكارم الأخلاق ذي همة عالية ورسالة سامية، يعرف الفضل لأهل الفضل وهو في عبارة واحدة: أحد رجالات أدب النبالة، وبيوت الشرف والطموح والهمة العالية، متفانٍ في خدمه المثل العلا، رجل خلقه الصدق والوفاء، تبوأ مع كوكبة من رفاقه من جيل الرواد النبلاء مكانة عالية ضمن أعلام النهضة التربوية والثقافية في المملكة العربية السعودية، وهو من خيرة من خدم لغة القرآن وآدابها في عصرنا هذا، وكان مما يعتز به أن يؤكد في مكاتباته ورسائله المتبادلة بيننا أن يلقب بخادم لغة القرآن الكريم. - إننا حين نحتفي بأدب وفكر وريادة السيد محسن باروم نعلي قيم الوفاء والتقدير والعرفان لأساتذتنا ورواد نهضتنا، ونحتفي بقيمة حضارية تعكس جوهر الأمم المتحضرة في الوفاء للنابغين المتفردين الرائعين من أهل العلم والفكر والأدب من أبنائها، حفزًا للأجيال الناهضة؛ للتأسي بتلكم الكوكبة من جيل الرواد النبلاء الذين أعطوا في جد وإخلاص لأمتهم ووطنهم في أصعب الظروف، وفي مرحلة التأسيس التي يلزمها الكثير والكثير من الجهد والعرق والعمل الدءوب، وقد نبه أديبنا الرائد إلى هذا المعنى في مقالته التي عقَب بها على دراستي المنشورة في حلقتين جريدة المدينةالمنورة عن الطبيب الداعية والأديب المثقف الدكتور زكي علي المهاجر المقيم في جنيف في قلب أوروبا من بداية ثلاثينيات القرن الميلادي الماضي إلى أواخره حيث استرد الله وديعته وعاد إلى مصر ليدفن بجوار والديه في قريته من أعمال مدينة الزقازيق بمصر. - لقد أعلى أديبنا السيد محسن قيمة الوفاء حتى جاءت في صدارة ما تميز به من مكارم الأخلاق، يقول في كتابه من أعلام التربية والفكر في بلادنا: «إنها فصول سبق أن نشرناها عن رجال أسهموا في النهوض التربوي والاجتماعي والاقتصادي للمملكة عبر عصرها الحديث، منذ عهد مؤسس المملكة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله مرورا بحكام المملكة الميامين الذين جاءوا من بعده من أبنائه الكرام يناضلون بذمة وإخلاص في سبيل بناء الإِنسان العربي السعودي على أسس إسلامية فاضلة من العقيدة النقية والإخلاص التام لمهام الحاكم المسلم وهذه الفصول في حقيقتها تمثل مراثي لهؤلاء الأعلام ولكن بعضها كتب أثناء حياتهم.. قدمت في هذا الكتاب الأحياء من أولئك الرجال أولاً ثم أتبعتهم بالآخرين ممن صاروا إلى رحمة الله بعد جهاد طويل في خدمة هذا الوطن». - ويقول عن الهدف من تأليف الكتاب: «وإنني بهذا العمل استهدف وجه الله فيما قصدته من إحياء ذكرى أولئك الرجال المخلصين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل رفعة هذا الوطن وخدمة التراث الفكري الإسلامي وتوجيه أبنائه نحو مستقبل زاهر يحقق لهم وله الأمن والحرية واستشراف عالم وضاء مليء بقيم الاستقرار الاجتماعي والازدهار الفكري والرخاء الاقتصادي، أرجو بذلك أن أكون قد أديت بعض الواجب نحو أولئك الرجال الذين خاضوا تجارب التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية نحو بلادنا التي لم يألُ حكامها من آل سعود جهدًا في سبيل ذلك وعلى الله التكلان ومنه نستمد التوفيق والتأييد والمؤازرة». - وكما أعلى أديبنا السيد محسن قيمة الوفاء رأيناه وقد فاز بلقاء الله منذ سنوات بعد معاناة طويلة مع الابتلاء والمرض تودعه إلى جوار الكريم جموع المحبين بالدمع والضراعة ومستجاب والدعاء وأقلام الأصدقاء والزملاء وطلبته من المحبين والمريدين الأوفياء، فبكته صفحات الثقافة والعلم والأدب وأقلام الأعلام والأدباء، يتصدرهم يراع العلامة الشيخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان في دراسة نشرت في (عكاظ) في أربع حلقات، وشاركت دموع الوداع أقلام وكلمات الأدباء والإعلاميين: محمد فالح الجهني- محمد القشعمي- محمد خضر عريف - حسين بافقيه - أسامة أحمد السباعي - السيدات والسادة: سمير أحمد برقة - عبد اللطيف الجوهري - سعيد عطية أبو عالي وغيرهم الكثير والكثير، كما تنبه إلى فضله والترجمة له صاحب معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين الأستاذ أحمد عبدا للطيف الجدع في طبعة المعجم الثاني الصادرة عن دار الضياء بعمان بالأردن، وقد قام الإعلام التربوي بوزارة التربية والتعليم بتوثيق كلمات الوفاء وكل ما نشر في الصحف في موقعه على شبكة المعلومات العالمية. - يقول الدكتور سعيد عطية أبو عالي في كلمته المنشورة في (عكاظ) يرسم فيها صورة من الذاكرة للسيد محسن باروم وعنوانها: (محسن باروم كان مدرسة.... وكنا تلاميذ): عرفت السيد محسن باروم - رحمه الله- في الدورة الصيفية للمعلمين عام 1378ه. كان السيد مديرًا للدورة، وكان يتقد شبابًا حماسًا وعلمًا وثقافة وحبًا للوطن، وزير المعارف يومها، كان الأمير فهد.. أقصد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله-.. المدارس تفتح كل يوم، معاهد المعلمين تؤسس في مناطق مختلفة.. المعلمون من الأشقاء العرب يأتون من كل قطر عربي، معلمو الإنجليزية يأتون من إنجلترا ومعلمو اللغة الفرنسية يأتون من فرنسا وبلاد الغرب العربي وخاصة تونس الخضراء، جامعة الملك سعود تنشأ وتشيد في الرياض.. لتنفيذ هذا العمل الكبير استعان الوزير الأول للمعارف بالمؤهلين من أبناء الوطن الشباب وفي مقدمتهم السيد محسن باروم (كما نسميه ونناديه) لا يهدأ.. مواطنون يزورونه لحديث عن التعليم، أشقاء من البلاد العربية يدخلون إلى مكتبه، مسؤولون من الرياض، وكان -رحمه الله - يعلمنا ويدرسنا مادة (الإدارة المدرسية) وعندما يأتي وقت درسه فإن أكثرنا يلج إلى الفصل بعده، كنا مدرسين، وكان درسه مادة ثقافة عامة إلى جانب نظريات الإدارة، بهرنا بسعة علمه، وأسرنا بحسن أخلاقه، وعلمنا تقدير المسؤولية بالتزامه وحسن إدارته للدورة. دخل علينا ذات يوم أستاذ علم النفس التربوي الدكتور إبراهيم عبد الجواد (مصري) بديلاً عن الأستاذ محسن باروم، الدكتور لا يقل عن الأستاذ في علمه وثقافته.. قال له أحدنا: يا دكتور مع تقديري لعلمك فإنك لم تستطع بلوغ درجة الأستاذ محسن الثقافية فهل أنا مخطئ؟ ابتسم الدكتور العملاق في هيئته وعلمه وقال: لو كان عندنا في العالم العربي خمسة من وزن السيد محسن في ثقافته وعلمه للحقنا (الغرب) في علومه واختراعاته بل ولسبقناه. السيد محسن (رحمه الله) عاش عيشة العلماء: تواضع في عزة نفس، وعلم في نهم لطلب الجديد من المعارف وحضور وطني صاخب بإنجازاته عند من يعرفونه.. رحمه الله رحمة الأبرار، وعوضنا فيه بابنه سامي وكافة ذريته.. وفي الذين عرفوه وتعلموا منه وقدروه. «إنا لله وإنا إليه راجعون» (انتهى كلام الدكتور سعيد عطية أبو عالي). 2- - لقد تبوأ أستاذنا السيد محسن باروم مكانة مرموقة في عالم الثقافة والإعلام حيث بدأ حياته العملية بالعمل في الإذاعة السعودية سنة 1369ه قبل أن ينقل للعمل في وزارة المعارف عام 1373 مرورًا بإدارته لجميع مراحل التعليم ودوره في كأول آمين عام لجامعة الملك عبدالعزيز ومستشارًا لوزير المعارف حتى تقاعده عام 1390ه الموافق 1970م، كما كان عضوًا بهيئة نظارة السادة العلويين في مكةالمكرمة، وكان له دوره في الإصدار الأول الذي امتد ما بين الأعوام (1379 - 1382ه) كأحد أعضاء هيئة تحرير المجلة التي رأس تحريرها في ذلك الوقت خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - الذي كان وزيرًا للمعارف في ذلك الوقت وكان سكرتير المجلة في ذلك الوقت أديبنا الأستاذ سعد البواردي، وشاءت إرادة الله أن يشارك أديبنا السيد محسن باروم في الإصدار الثاني والحالي للمجلة الذي صدر في عهد معالي الوزير الدكتور محمد أحمد الرشيدي، وظفرت المجلة بعدد من مقالاته وذكرياته في موكب الزمن. - كما اضطلع أديبنا السيد محسن باروم بتمثيل المملكة في عدد من المؤتمرات الثقافية والإعلامية بداية بمشاركته في مؤتمرات اليونسكو في جنيف وتأسيسه داري النشر (دار الشروق وعالم المعرفة بجدة) كمركزي إشعاع ثقافي وحضاري ولنشر الوعي الإسلامي الرشيد، نراه وقد ترأس وفد المملكة العربية السعودية إلى المؤتمر الثقافي العربي الثالث ببغداد بدعوة من جامعة الدول العربية عام 1379 ه وكان عضوًا في المؤتمر التمهيدي للصحافة الإسلامية عام 1399ه الذي انعقد في قبرص تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي، كما كان عضوًا في المؤتمر العالمي الأول بجاكرتا صيف 1400ه بدعوة من رابطة العالم الإسلامي، كذلك شارك في الندوة العالمية للكتاب في لندن 1982م بدعوة من منظمة اليونسكو. - ولقد عرفت الرجل وأحببته دون أن أراه ودون أن ألقاه فوجدت فيه أنموذجًا لأدب جيل الرواد النبلاء وتواضع العظماء ورقة التربويين الأدباء وغيرة المسلمين الاتقياء ووفاء المخلصين الانقياء الأصفياء، وتجلت في أخلاقه وأدبه سمات السادة العلويين الأجلاء. - لما قرأ دراستي المنشورة في حلقتين عن العلامة الطبيب الدكتور زكي علي من أعلام الدعاة في أوروبا رد عليها بمقالة ضافية على صفحات جريدة المدينةالمنورة الغراء يوم الخميس 19 - 6 - 1417ه الموافق 31 - 10 - 1997م وشاء الله تعالى أن أطالعها حين إقامتي بالدمام حاضرة المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية فتحريت عنوان الرجل من جريدة المدينة الغراء وتواصلت معه عبر البريد والهاتف (الدمام - جدة، جدة- الإسكندرية وبالعكس) وإن لم يقدر الله لنا لقاء الأشباح فقد تحقق لقاء الأرواح والاتصال البريدي والهاتفي). - ومن يقرأ مقالة أديبنا السيد محسن باروم كما قرأتها فستطالعه سطورها بما ينم عن خلق الرجل وأدبه ونبله وتواضعه وزهده ووفائه وقد أثنى فيها على قلمي المتواضع ثم عرج عن الحديث عن قصته مع الدكتور زكي علي حين ابتعثت الحكومة السعودية السيد محسن مستشارًا ثقافيًا مقيمًا في جنيف للإشراف على الطلبة المبتعثين في الجامعات الأوروبية أواخر عام 1380ه الموافق عام 1961م وكيف كان لقاؤه الأول مع الداعية الطبيب الدكتور زكي على في مسكنه المتواضع في جنيف وانتهى الرجل في مقالته إلى ضرورة الاحتفاء بذكر جهاد الدكتور ذكي علي في سبيل الإسلام وثقافته والأوطان الإسلامية ودوره في خدمة الطب والعلم، ليكون ذلك نموذجًا مضيئًا للأجيال الشابة والمعاصرة وتمنى أديبنا السيد محسن أن يتوافر محبو الداعية الدكتور ذكي علي لإخراج كتاب عنه يعرف بفصل الرجل وعظيم جهاده وعطائه وختم المقالة مستشهدًا بقول الشاعر: منى إن تكن حقًا تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدًا - وشاء الله أن اضطلع بإعداد الكتاب الذي دعا إليه السيد محسن باروم في مقالته ويتكفل الرجل بطبعه ونشره في دار عالم المعرفة بجدة، وهي الدار التي أسسها لنشر الكتب العلمية والحضارية التي تدعم مسيرة النهوض والتقدم لأمة التوحيد كما سبق أن أسس دار الشروق لنشر الكتاب الإسلامي لبث الوعي الإسلامي الرشيد ودعم النهضة الإسلامية المعاصرة وقد عالج أديبنا السيد محسن باروم من فنون الأدب المقالة والدراسة والبحث والخاطرة وتابع كثيرًا من المعارك الأدبية على صفحات الصحف والمجلات وكانت لمشاركته الكلمة الفصل وله مجموعة من الكتب منها.. في موكب الزمن - من أعلام التربية والفكر في بلادنا - مطالعات نقدية في ألوان من الكتب - نظرات في التربية والتعليم - ألوان من الأحاديث - الأستاذ أحمد جمال (رائد من رواد الأدب الإسلامي). - أما عن نشاطه في دعم العمل الخيري ومؤسساته فهذا ما لا يتسع له المقال، وأذكر له استشهاده بقول الشاعر العربي في مقالته التي أشرت إليها أنفًا، حيث يقول الشاعر: ** ** - عبداللطيف الجوهري